يحدث فى شرم الشيخ
لولا أننى أقيم فى مصر منذ ولدت لتخيلت أن هناك مدينتين تحملان اسم «شرم الشيخ» إحداهما تجد أخبارها فى كبريات النشرات الاقتصادية العالمية الهامة والثانية تجد أخبارًا غير جادة عنها فى صحيفة غربية أو اثنتين، وعلى ما يبدو فإن بعض الأخبار والتصرفات غير الجادة تهدف لصرف الانتباه عن عشرات الأخبار الجادة التى تحدث فى مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ وعن تلك الأخبار التى من المنتظر أن يتم الإعلان عنها فى قادم الأيام، وعن الجهود الجادة التى يبذلها المفاوضون المصريون فى الشق التفاوضى من المؤتمر لضمان تحمل الدول الصناعية مسئوليتها فى علاج التغيرات المناخية وفى مساعدة الدول النامية على «التخفيف» من آثار هذه التغيرات وعلى «التكيف» فيما هو قادم من أيام مع وسائل نظيفة لإنتاج الطاقة.. الأخبار الجيدة عادة ما تكون نتيجة عمل جاد، وهو ما قامت به قبل المؤتمر من خلال المنصة المصرية «نوفى» التى جهز المسئولون عنها حزمة من مشاريع التنمية الخضراء لتقديمها لجهات التمويل المختلفة، وهكذا حمل الأمس خبر توقيع اتفاقيات تمويل بين مصر وعدد من الجهات المانحة بقيمة ١٥ مليار دولار يتم ضخها فى عروق الاقتصاد المصرى فورًا وتتحول إلى مشاريع وفرص تشغيل ودورات استثمار متعددة على الفور، وأظن أن هذا هو أكثر الأخبار أهمية وأكثرها جدارة بالنقاش على مدار اليوم لا أى خبر آخر.. من الأخبار السعيدة أيضًا أن شركة قطاع خاص مصرية هى «أوراسكوم» دخلت فى شراكة مع شركات عالمية منها «تويوتا» لبناء محطة كبيرة لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح، وهى تلك التى نعرفها باسم «طواحين الهواء» وهى واحدة من سلسلة مزارع رياح بدأتها مصر وتوسعت فى إنشائها لإنتاج طاقة نظيفة ومتجددة، من الأخبار الإيجابية أيضًا ذلك اللقاء الذى تم على هامش يوم الشباب فى مؤتمر المناخ بين شباب من أنحاء العالم وبين مجموعات الشباب المتطوعين فى منتدى شباب العالم وما قيل عن المستوى المشرف والاحترافى الذى ظهر به الشباب المصرى من حيث الوعى بقضايا العالم والمظهر والثقافة والقدرة على التعبير، من أخبار شرم الشيخ التى لا تعرفها السوشيال ميديا ولا بعض صحف الغرب أن مصر وقعت اتفاقيات استثمار بالأمس مع الولايات المتحدة بقيمة عشرة مليارات دولار للاستثمار فى مشاريع الطاقة الخضراء والمتجددة بقدرة ١٠جيجاوات وهو قدر كبير للغاية من الطاقة الكهربائية، خاصة إذا عرفنا من نشرة «إنتربرايز» المتخصصة أن محطة رأس غارب التى بنتها مصر مؤخرًا لتوليد الطاقة من الرياح تنتج وحدها ٢٨جيجاوات تمثل نصف استهلاك مصر من الكهرباء، أى أن استهلاكنا السنوى هو ٥٦ جيجاوات، نتجه لأن تصبح كلها من إنتاج محطات الطاقة النظيفة خلال أعوام قليلة للغاية، فى شرم الشيخ الحقيقية وليس المتخيلة أيضًا يطرح محمد معيط وزير المالية خطة واضحة لتمويل مشروعات التنمية الخضراء فى مصر خلال الثمانية وعشرين عامًا القادمة وحتى عام ٢٠٥٠..حيث يجب على العالم أن يقدم لمصر على أقساط خلال هذه الأعوام ما يقارب مئتى مليار دولار للتخفيف من آثار التغيرات المناخية وأضرارها على حياة المصريين، وما يقرب من خمسين مليار دولار للتكيف من خلال مشاريع نظيفة للطاقة.. هذه المبالغ قابلة للتفاوض طوال الوقت، حيث يتفاوض ممثلو الدول الغربية مع الدول النامية بالدولار والسنت، ويقدمون تفسيرات مختلفة للتعهدات التى يتقدم بها رؤساء دولهم فى جلسات الافتتاح والختام لمؤتمرات المناخ.. رغم أن هذه المبالغ التى يتعهدون بها تبدو غير كافية أساسًا لتعويض الدول النامية وجبر أضرارها وهو ما يذكرنى بالمشهد الكوميدى الشهير للتاجر الدمياطى الذى راح يفاوض بطل فيلم السفارة فى العمارة الذى لعب دوره الفنان عادل إمام حول سعر شقته التى يريد بيعها ويسأله عن إجمالى مساحة الشقة وهل هى بـ«البروزات والمناور» أم بدون «البروزات والمناور» محاولًا أن يتملص من أداء السعر المتفق عليه والذى جاء للشراء على أساسه، ومع ذلك فإن الأخبار القادمة من شرم الشيخ تقول إن جهدًا كبيرًا يبذل وإن آمالًا كبيرة تولد وإن آفاقًا جديدة سوف تفتح وإن ما ينفع الناس سوف يمكث فى الأرض وإن الزبد سوف يذهب جفاء.. وهذه سنة الله فى خلقه ولا أحد يستطيع أن يمنع سنة الله مهما مكر أو تحايل أو تآمر.. إنها سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.