مؤتمر شرم الشيخ وخيبة أمل أعداء مصر
وأنا تلميذ صغير فى حى شبرا، كان الزملاء الذين ينتمون إلى أسر أكثر شعبية أو تقليدية دائمًا ما يقولون لبعضهم البعض متوعدين «نقبك هيطلع على شونة»! وأحيانًا كانوا يقولونها لبعضهم شامتين بصيغة الماضى «نقبك طلع على شونة»، ومع الوقت اتضح لى المعنى الذى لم أكن أفهمه كطفل قضى سنواته الأولى فى الخليج، فغابت عنه مفردات الشارع المصرى، كانت «نقبك طلع على شونة» تقال لذلك الذى تعشم فى شىء ولم يحدث، أو خطط لشىء فخاب مخططه، أو سعى لأمر ما فخاب سعيه، وضل عمله، وكان من الواضح أنها تقال لمن سعى فى الشر، وخطط للأذى، لذلك تقال بصيغة الشماتة «نقبك طلع على شونة»!، ولأن الله وهبنى ذاكرة حديدية تقفز إليها مشاهد الماضى فجأة، فقد وجدت نفسى أتذكر المثل وأنا أرقب حال الأبواق المدفوعة والأصوات الإرهابية، بعد افتتاح مؤتمر المناخ، وحضور قادة العالم جميعًا إلى شرم الشيخ، وخروج حفل الافتتاح بشكل أكثر من رائع وتوفيق الرئيس السيسى فى كلمته الموجزة والبليغة التى تحمل موقفًا صلبًا يلزم الدول الكبرى بأن تنفذ تعهداتها فى نفس الوقت الذى يؤكد فيه على عمق الترحيب بقادتها ويقدم مشاريع هامة للتعاون معها عبر المنصة المصرية «نوفى»، وقد منحنى محرك البحث «جوجل» القدرة على فهم معنى المثل الذى طالما ظل مختزنًا فى ذاكرتى حتى قفزت به إلى ذهنى خيبة أمل الأبواق الأجيرة وفلول الجماعة الإرهابية فوجدت أن المثل قيل لمزارع ساذج ظن أنه عندما ينفق المال الكثير للبحث عن الكنز المحرم سيغتنى ويحقق آماله كلها دون عمل وقد ظل بالفعل يحفر يومًا بعد يوم وأسبوعًا بعد أسبوع وشهرًا بعد شهر ظنًا منه أنه سيصل إلى الكنز الموعود، حتى لم يبق سوى جدار واحد بينه وبين المكان الذى يظن أنه يخبئ كنزه المنتظر، فدعا الناس لكى يشاهدوه وهو ينقب الجدار، فتجمعوا بالفعل، وشاهدوه وهو ينقب الجدار أى يحفره وقد نقبه بالفعل لكنه لم يجد الكنز الذهبى الذى ينتظره ولكن وجد «شونة» قمح أو غرفة لتخزين القمح.. فانصرف الناس ساخرين منه بعدما قالوا له «نقبك طلع على شونة» فصارت مثلًا من بعدها لكل من يتعشم فى شىء لا يملك القدرة على تحقيقه، وكل من يسعى لشىء لا يتحقق وهو حال الإرهابيين ومشايعيهم وحلفائهم الآن بكل تأكيد.. على أن الفرح لحفل الافتتاح الموفق والرائع وترحيب مصر الصادق لكل ضيوفها وكرمها الواضح معهم لا يجب أن ينسينا الحقيقة، والحقيقة أننا ما دمنا أصحاب رأى مستقل فسيكون بيننا وبين الآخرين خلاف دائمًا لأننا لسنا تابعين لأحد ولا مطيعين لأوامر أحد، ولكن السياسة العملية والأخلاقية لمصر فى عهد الرئيس السيسى تدير خلافاتها بلغة المصالح، والتفاوض، والتعاون، واللعب السياسى النظيف، وهكذا اختار العالم مصر لينعقد فيها المؤتمر ممثلة لدول إفريقيا رغم أن هناك دولًا أخرى كبيرة فى القارة.. هناك جنوب إفريقيا وهى دولة صناعية كبيرة وبنت الحضارة الغربية بشكل ما، وهناك نيجيريا وهى دولة ذات اقتصاد كبير، وهناك إثيوبيا التى تقدم نفسها كابنة مطيعة للعالم الغربى تتطلع للنمو والنهضة، لكن مصر تملك ما لا يملكه غيرها مع الاحترام لكل هذه الدول الشقيقة، مصر هى تراكم تاريخى وجغرافى وعربى وإفريقى وعالمى فريد، وهى تملك أوراق التفاوض التى تضعها على المائدة فى الوقت المناسب لتربح بها ما تريد، ولا شك أن وراء هذا جهدًا كبيرًا لمؤسسات الدولة الوطنية وعلى رأسها الرئيس السيسى الذى خاض رحلة عمل وإعداد طويلة جعلته متمكنًا من ملفاته التى قضى بينها سنوات وعقودًا طويلة، وهكذا كان أن جاء العالم إلى مصر متجاوزًا عن آراء هزيلة تظهر هنا أو هناك حول ضرورة عقاب مصر على سعيها للتخلص من الإرهاب والحفاظ على الاستقرار، وخوض معركة التنمية، وكأن هناك من يريد أن يشغل مصر عن المطالبة بحقها وحق دول العالم النامى فى تعويضات مناسبة لما أحدثته الدول الصناعية فى العالم من تخريب، وكأن هناك من يريد أن يخيف المصريين ويمنعهم من المطالبة بالوفاء بالتعهدات التى قطعها أثرياء العالم على أنفسهم ثم لم يفوا بها، وكأن هناك من يريد حرمان الشعب المصرى من فرصة تاريخية للحصول على تمويل عادل لمشروعات التنمية المصرية عبر المنصة الرائدة «نوفى» بإثارة قنابل دخان فارغة هنا وهناك، واصطناع مشكلة من لا مشكلة، لقد قال الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» كلامًا هامًا بالأمس حول ضرورة وفاء الدول الكبرى بتعهداتها التى قطعتها بتوفير مئة مليار دولار لمساعدة دول العالم فى التغلب على تغيرات المناخ، وهو كلام يعنى أن هذه الدول الكبرى لم تف بأى تعهد من تعهداتها، وإذا وضعته إلى جوار خطاب الرئيس السيسى فى الافتتاح سيتأكد لك هذا المعنى واضحًا، وهو ما يدفعنى للتساؤل من يحاسب من؟ إننى أتصفح بعض المواقع الغربية فأرى كلامًا تافهًا عن اعتراض هنا أو هناك عن حالة حقوق الإنسان فى مصر فأسأل نفسى.. من يحاسب من؟ هل نحاسب نحن حكومات الدول الكبرى التى أفسدت العالم ولوثت البيئة، وأشعلت الحروب، وجوعت الشعوب وأهلكت الحرث والنسل، أم يحاسبنا بعض الفارغين هنا وهناك عن فلان ذى الطبيعة النفسية الخاصة وفلان الذى يتقمص شخصية د. زيفاجو ولا أحد يشعر به حتى سكان العمارة التى يقطن بها.. إن وسائل الإعلام الغربية دائمًا ما تترك الحدث الرئيسى الذى يحدث فى البلاد العربية لتتحدث فى توافه الأمور وسفاسفها.. ينطبق هذا على بلدى مصر التى أحب وأعشق وعلى غيرها من البلاد أيًا كان موقفى النفسى منها، ففى قطر يستعدون لتنظيم كأس العالم وهو حدث ملىء بآلاف التفاصيل الرياضية، لكن وسائل الإعلام الغربية تترك كل هذا لتتحدث عن ماذا سيحدث للمثليين إذا ذهبوا؟ وهل ستترك لهم الحرية لممارسة المثلية؟.. إلى آخر التفاصيل التافهة والأسئلة الافتراضية التى لا تهم أحدًا سوى أجندة وسيلة الإعلام التى تطرح هذه القضية، شىء من هذا يحاول بعض العاملين فى الغرب ممارسته ضد مصر، فهم يتركون هذا الحدث الكبير الملىء بآلاف التفاصيل ليتحدثوا عن تفاهات أو تصريح لبعض المضطربين نفسيًا، أو ادعاءات حول اللا شىء وكأنهم يطبقون المثل الذى يتحدث حول الذين لم يجدوا فى الورد عيبًا فاتهموه بأنه أحمر الخدين!.. «نقبكم طلع على شونة».. كما قال المثل!