مروة مختار: الجوائز العربية لا تخلو من تدخلات لصالح دور النشر (حوار)
في هذا الحوار تحدثت الدكتورة مروة مختار عن الكثير مما يؤرق الوسط الثقافي مثل الجوائز ورؤيتها فيها، وعن هموم المثقفين والحياة الثقافية برؤية عامة وشمولية، وكيف أن الكتابة هي الملاذ الآمن من الأوجاع، وهي المتنفس الوحيد للخروج من دائرة الهم والقلق بما ترسبه من تقبل للعالم، لكل هذا وأكثر «الدستور» التقت الدكتورة مروة مختار وكان هذا الحور:
ـ ماهو موقفك من مستقبل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة في ظل العصف بالهويات وغلبة الحروب؟
يظل الأمل دافع قوي للعمل المستمر لتحقيقها، فرغم عصف الهويات المعلن صراحة وغلبة الحروب سيكون ذلك سببًا رئيسًا للتمسك بتلك المسارات في الوقت نفسه بما يكفل للإنسان أن يشق لنفسه ـ على صعوبة ذلك ـ حياة يرتضيها ليواصل العمل في ظل المزيد من الانفراجات التي قد تصاحب استحكام حلقات الحياة حوله، ورغم إيماني بدينامية الهوية وقابليتها لاستيعاب غيرها من الهويات والتفاعل معها تستحيل الحروب واللجوء والفقد المتلاحق إلى محاولات مستمرة وفطرية للحفاظ على الأصول والجذور رغم صعوبة ذلك على أرض الواقع؛ لما تسببه هذه التحولات المفاجئة من تحول الإنسان من متن في وطنه إلى هامش في بلد آخر، وقليلون من استطاعوا أن يصبحوا متنا في بلدان غير بلادهم بعد اللجوء.
ـ عن تلك الآليات والسياسات التي تتبعها وزارة الثقافة حيال الكتابة والكتاب ومسارات الفنون.. هل ترضي طموحك كناقدة ومثقفة قبل دورك التنويري والإبداعي؟
الرضا يعادل عندي الثبات والسكون، والثبات والسكون في نقطة قرين العودة إلى الخلف بالتدريج، والآليات والسياسات تحاول أن تقدم الجديد لكن إذا قارناها بما نحتاجه على أرض الواقع حاليًا الممهد للمستقبل سوف نستشعر اتساع الفارق دون أدنى مبالغة، في ظني أن هناك حالة ارتياب من التغيير في السياسات، وإن لم تظهر الفائدة المرجوة والموضوعة من أجلها، والواضح هو الميل إلى التكرار من حيث الشكل ومن حيث المضمون، تكرارالخطط والوجوه وأشباهها للمحافظة على شكل محدد مرسوم وبمعنى أدق وأوضح شكل آمن.
في المقابل طموحات الكتاب والمثقفين الحقيقيين متزايدة ولن تتوقف؛ نحن نحتاج إلى بروتوكولات مفعلة على أرض الواقع بشكل أوسع وأعمق من مجرد الاحتفالات أوالشكل الدبلوماسي فقط، يعنى النزول الى أرض الواقع مباشرة ـ وهو يحدث ـ ولكن غير كاف بالمرة لأننا نواجه كل يوم تحديات على مستويات مختلفة تتفشي أسرع مما نتخيل .
أما عن الكتاب وأحوالهم فالواقع خير دليل فهم ما بين مناشدات وانتظار استجابة أو تكريم لهم من بلد آخر بعد أن أغفلتهم بلادهم لصالح جوقة مكررة قد يظهر من يستحق بينهم كل فترة، وهذا لايليق بما اصطلحنا على تسميته بالقوة الناعمة لمصر.
أما عن مسارات الفنون فمن وجهة نظري نحن نعمل بمبدأ رد الفعل إن ظهر ما يثيرالرأي العام، وغير ذلك أراها اجتهادات فردية من أصحابها مازالوا يؤمنون بدور الفنون والآداب في ظل سيطرة القطاع الخاص على بعض الفنون وفرق بين المشاركة والهيمنة، ويقيني أن مصر تمتلىء بالمواهب غير المكتشفة، وإن اكتشفت عن طريق المسابقات الدورية لا يتم رعايتها بعد الفوز أو الترشح للفوز في أغلب الأحوال.
ـ تفسير دكتورة مروة مختار من مواقف ورؤى تخص مسارات الآداب من شعر ورواية وقصة، ليتك تحدثينا لماذا كل هذا خلف الجوائز المصرية والعربية؟
لايمكننا أن نتحدث حديثًا قاطعًا عن الجوائز العربية والمصرية، فكل جائزة لها حساباتها إلا ما ندر، وأغلب المبدعين والكتاب يدركون ذلك لكنهم في العموم لا يصرحون خشية الاستبعاد أو إيمانًا منهم كما يصرحون أنها قواعد اللعبة وعلينا قبولها، ومنهم من وصل إلى حالة الاستغناء التام عن المشاركة أو مجرد التعليق على أي نتيجة، نحن نسعد إذا "صادفت" ـ بكل ما تحمله الكلمة من دلالات ـ من يستحقها من أي جيل لنزاهة التحكيم وقتها أو لمحاولات تبييض الوجه.
لا يمكنني غض الطرف عن بعض التدخلات والتوجيه في بعض لجان الجوائز من بعض دور النشر أو بعض الاتجاهات الأيدلوجية والفكرية المهيمنة والداعمة لها.
هذا واضح ونستشعره من حملات الترويج الملحة للأعمال السابقة على ظهور نتيجة بعض الجوائز،بالإضافة إلى تكرار أسماء بعينها في اللجان من أكاديميين وكتاب وصحفيين، وقد نجد أعضاء في اللجان لا علاقة لهم بفرع الجائزة من الأساس.
الخلاصة في هذا أن من فازوا عن استحقاق وجدارة أقل بكثير ممن تمت مجاملاتهم لاعتبارات شت، وفي رأيي أن الجائزة الحقيقية لأي عمل إبداعي هى خلوده وقابليته للقراءة والتأويل بمرور الزمن.
ـ عن المشهد الروائي ما بعد ثورات الربيع العربي وتحديدًا في مصر والعالم الإبداعي العربي ، أين تجدين مفاهيم الخلاص والسلوى وفي أي الفضاءات الإبداعية التي ذكرت؟
المشهد الإبداعي الروائي اختلف عما كان عليه، فثورات الربيع العربي وثورة يناير دفعت عددًا غير قليل من المبدعين إلى الكتابة عنها، قد نختلف كثيرًا حول فنيتها بشكل خاص ما نشر عقب الثورة مباشرة؛ فبعض الروايات أقحمت الثورة لمواكبة الحدث فقط، وهناك من انتظروا لسنوات حتى يستطيعوا الكتابة عنها بشكل فني أعمق ممن سبقوهم، وربما رسموا لها مسارات بديلة كانوا يأملون أن تكون عليه ووجدوا فيها الخلاص والسلوى التي أشرتم إليها، ففي براح الكتابة حيوات ممتدة نحياها على الورق ربما استشرافًا لمستقبل أفضل تحياه الأجيال القادمة.
وقد دعمت تقنيات ما بعد الحداثة بعض الروائيين في طرح تصوراتهم وأسألتهم عن مسارات الحرية والعدالة والإنسانية.
ـ عن تلك الحضارات التي خلقتها الأوبئة وحروب الفتك والتصفيات البشرية بل والوجودية كيف تستشرف مروة مختار مستقبل الفن والإبداع في ظل هذه الظروف المحيطة؟
في ظني أن الفن والإبداع في هذه الظروف سيكون الملاذ الآمن لاستيعاب أوجاع البشر والآمهم، وتسجيلها فنيًا وطرح رؤى مستقبلية عبر إبداعهم ولا يمكن طرحها في أحاديث مباشرة، فيستحيل الفن والإبداع عمومًا إلى استشراف للغد.
ومساءلة للأمس وهي رسالة ليست جديدة في الإبداع مثلها الحروب والأوبئة والتصفيات البشرية تطرح من قديم ويتباين تناولها من مبدع لأخر.
ـ عن العزلة والاغتراب والوحشة بل وغربة الذات والوجود التي طالت كل البشر وخاصة الحالمة منهن ومنهم.. ما رؤيتك للقادم فيما يخص أفكار التنوير والسياقات المتنوعة لفلسفة العيش الآمن والرغد؟
العزلة والاغتراب والوحشة وغربة الذات والوجود تلازم الإنسان حين يعجز عن تحقيق ما يريد لنفسه ولمجتمعه أو يفقد الأمل أن يرى من يسعى بوعي وإخلاص لتحقيقه، وما يريد هنا تتسع لجوانب شتى فكرية واجتماعية واقتصادية، هنا إما أن يختار العزلة ويتفرغ لمشروعه الشخصي وإما يتعمق إيمانه بأهمية دوره تجاه نفسه ومجتمعه مهماعارضته السياقات المحيطة، وهذا لا ينفصل بحال من الأحوال عن مواجهة الأفكارالتي يضفي أصحابها عليها قداسة وهمية بفعل الزمن، نواجهها بشكل جاد يتكاتف فيه الإبداع والثقافة والإعلام والتعليم حتى لا تصبح مقولات يتغنى بها أصحابها ويقتصر تنفيذها على محاولات فردية هنا وهناك.
ـ عن تلك الفكرة التي تستهلك وتطرح يوميًا عن مسألة الجيل والمجايلة في الأسماء والأجيال الأدبية، ماهو موقفك من هذه المسميات والتصنيفات؟
قضية قديمة يعاد تدويرها وإنتاجها بين فترة وأخرى وأحيانًا يتم توجيهها للاشارة إلى أسماء بعينها وتتوجيها بعدد من الألقاب ونحن بارعون في هذا، أسوأ ما في هذه الفكرة إغفال خصوصية كل كاتب وخلق سياق عام للتعميم كما حدث في بداية العصر الحديث وعصور الأدب القديمة وتقسيمها سياسيًا.
فكرة الجيل والمجايلة من وجهة نظري هي حالة من التمايز والتفرد لا التطابق، حالة تخلص من فكرة النمذجة والنموذج المقرر أو المفروض لنصبح مثله، حالة تستلهم جهود السابقين بوعي ونضج وتضيف إليها خلاصة تجربتها المعاصرة دون إغفال حقها في الريادة، هذا التمايز داخل الجيل الواحد يخلق نوعًا من الثراء.
فالهدف هنا التميز والاختلاف لا التراتبية لصنع طبقات تستعذب أفعل التفضيل وتستنشق هواها جراء سياقات فكرية عاشتها أوعاشت داخل مؤلفاتها وانفصلت عن الواقع والمعاصرة، كل إنسان كون بذاته ومن تجاور الأكوان نخلق عالمًا أفضل سأضرب لك مثالًا عاصرته وتتلمذت على أيديهم من عقدين وأكثر، أسماء كل واحد منها يمثل اتجاها خاصًا به، الأساتذة؛ مصطفى ناصف، محمد عبد المطلب، عز الدين اسماعيل، مصطفى الشكعة، عفت الشرقاوى، عاطف جودة، نصر إبراهيم عبد الرحمن، رمضان عبد التواب، محمد حماسة، أحمد كشك، يسرية المصري، ثناء أنس الوجود، سمير بيبرس، وغيرهم كثير جدًا، وكل اسم منهم له خصوصية لا يشابه فيها أحدًا،هكذا تعلمت أن يكون لك خطًا يميزك تعرف به لأن لك عقلًا مستقلًا وروحًا تواقه إلى المعرفة.
ـ من هو المثال أو الرمز الذي كان له جليل الأثر في اختيارك للمشاركة العلميى والثقافية منذ عقدين ؟
أقسم إجابتي إلى شقين أبدأ بالثاني منها فى المرحلة الجامعية هو الأستاذ الدكتور عز الدين إسماعيل الذي خرج بمناهج النقد النظرية إلى حيز التطبيق داخل الجمعية المصرية للنقد الأدبي التي أسسها وكان لها ندوة أسبوعية ليحلق بالأكاديمية من فوق أسوارها إلى مجالات أرحب في الواقع الثقافي.
والأول أننى منذ التحاقي بالتعليم الابتدائي منضمة للأنشطة الثقافية والاجتماعية بالمدرسة وعضوة اتحاد طلاب وامتد الأمر إلى الجامعة، وقتي كان مقسمًا بين المحاضرات والمكتبة والأنشطة الثقافية بالكلية، لذا حصلت وأنا طالبة في الإعدادية على الطالبة المثالية على إدارة شمال القاهرة، وفي الكلية حصلت على القلب نفسه ثلاث مرات على مستوى القسم، وفي الفرقة الرابعة حصلت عليه على مستوى جامعة عين شمس، فنشأت بين الدراسة والعمل الثقافي تلك الخبرة المكتسبة من الممارسة تكسر أي حاجز بين الأكاديمية والواقع الثقافي وتعمل على تجسيره وربط الجامعة بالواقع لا الانعزال عنه، فمهمتنا تجاه مجتمعنا قائمة مهما كانت الظروف.
ـ ماهي رؤيتك للمشهد النقدي الثقافي الأكاديمي وعلاقته بالمطروح من آداب وسرود وهل المشهد النقدي مواكب للطرح الكيفي والكمي للإبداع؟
المشهد النقدي غير مواكب للمشهد الإبداعي من حيث الكم والكيف، فمن حيث الكم أصبح الجميع يكتب والأسهل لنا أن نحصر من لا يكتبون، ولا يوجد لدينا نقاد يكفون كل هذا الحشد من المطبوعات التي يختلف رقمها كل دقيقة إذا كنا نتحدث عن نقد علمي جاد، وكيفًا فما زال هناك عدد من النقاد يتعاملون مع الكتابات الجديدة بتقنيات قديمة وكأن النص قالب بلاروح، ربما نتج ذلك عن التوقف عن القراءة والتعامل مع المناهج النقدية أنها صالحة لكل زمان ومكان دون تطويرها.
أسباب كثيرة يصعب حصرها، فالمشهد الثقافي الأكاديمي وعلاقته بالمطروح من آداب وسرود ليس واحدًا لنعمم الحكم عليه، مبدئيًا هناك من فضل أن يظل داخل الجامعة ولاعلاقة له بالخارج وله أسبابه، وهناك من خرج وتفاعل واستطاع أن يحقق التوازن المطلوب بين العلمية والقدرة على التواصل مع القارىء العام، وهناك من خرج حاملًا قاموس مصطلحاته ينشرها يمينًا ويسارًا، فغض القراء البصرعنه لصعوبة لغته، عملية التوازن ليست سهلة وتحتاج إلى رغبة حقيقية في التواصل لتطويع الدرس العلمي وتقديمه للقارىء لنعلو معًا في فضاء تحليل النص ونقده واعتباره نافذة نطل منها على آفاق أرحب من العلوم البينية، فالمسألة معرفية في المقام الأول.
ـ أين أنت من تجليات وفعاليات المشهد الثقافي في مصر ؟
أنا موجودة بما يحفظ أسمي ويضيف إليه، وعلى استعداد دائم للمشاركة في كل جاد وجديد يخدم بلدي بحق.
ـ أخيرًا ما هو مشروعك الثقافي الذي تعملين عليه؟
أعمل في مسارات متباينة من حيث الشكل ومتكاملة من حيث المضمون، بعضها قيد الكتابة والأخر تحت الطبع، بالإضافة إلى مركز الدراسات الثقافية الذي أسعد بالإشراف عليه بالكامل من سنوات، وأظن أنه أصبح اسمًا يثق فيما يقدمه.