بهاء طاهر يكتب: الثقافة والحرية.. ماذا قدم المثقفون لمصر؟
كانت عناصر الخراب والفشل كامنة فى الدولة العثمانية منذ البداية
الحملة الفرنسية ارتكبت العديد من المظالم والجرائم ضد الشعب المصرى
«ما هو الإنسان إن كان كل ما يفعله
هو أن يأكل ويشرب وينام؟... هو حيوان لا أكتر»
شکسبیر: «هاملت»
وباختصار: «أهمية أن نتثقف یا ناس!»
«یوسف إدريس»
ما قولك عزيزى القارئ لو أنك طالعت اليوم مقالًا أو كتابًا يصف حاكم مصر بالعبارات التالية: «مالك رقاب الأمم... ملجأ العرب والعجم... مجیب الندا وليث العدا وقمر الهدى.... اللهم أدمْ ملکه واجعل الدنيا بأسرها ملكه... ولا تدع له عدوًا إلا قصمته... ولا مخالفًا إلا أهلكته»؟!
وما ظنك لو قال هذا الكاتب عن رئيس الوزراء إنه شمس السماء وأساس افتخار الرؤساء، ومعدن العلم والحكم وتاج الرؤساء والأماثل وبهجة الدين والدنيا.. وإن يده الغراء لم تخلق إلا ليكون ظاهرها للقبَل؟
أغلب الظن أنك ستحكم على هذا الكاتب بأنه قد جاوز الحد فى النفاق وابتذل نفسه إلى درجة تسقطه من اعتبارك. بل وسيغضب الحاكم ورئيس الوزراء على السواء من هذا المديح الضار والركيك. فهو ضار لأنه يصور الحاكم كما لو كان فوق مستوى البشر فينزع عنه بذلك صفة «الديمقراطية» التى يتمنى كل حاکم أن يوصف بها اليوم سواء صدقت عليه أم لم تصدق. ثم إن هذا المديح يصور الكاتب، وهو واحد من المواطنين، فى موقف الذلة والخنوع إزاء الحاکم وإزاء رئيس الوزراء الذى يطمع فى تقبيل يده، بحيث ينزع عنه صفة الإنسان «الحر» فى المجتمع «الحر» وهذا شىء يتعس الحاكم والمحكوم على السواء فى عالم اليوم.
من هنا فلا يوجد اليوم لحسن الحظ من یکتب مثل هذا الكلام. ومع ذلك فقبل أقل من قرنين من الزمان كانت هذه هى اللغة التى يخاطب بها أفضل مثقفينا حكام العصر: السلطان العثمانى والصدر الأعظم. فإذا ما كنا اليوم نستنكر تلك اللغة وننفر منها بعد أن ظلت سائدة لمئات من السنين، فمعنى ذلك أننا قد تغيرنا كثيرًا خلال هذه الفترة الوجيزة فى حكم الزمن.
والسؤال المهم هو: كيف تغيرنا؟ أى كيف كان حال مصر قبل هذين القرنین- قبل الحملة الفرنسية وقبل محمد على؟
كتب التاريخ تسعف القارئ الراغب فى معرفة حالتنا فى تلك الفترة. ومن أهم تلك الكتب ما كتبه معاصر للأحداث هو مؤرخنا القدير عبدالرحمن الجبرتى فى الجزءين الأولين من سفره الجليل «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار». يصف الجبرتى فى هذين المجلدين فترة من أحلك فترات التاريخ المصرى هى خاتمة ثلاثة قرون من الاستعمار التركى- المملوكى. وكان السلطان سليم الأول بعد أن فتح مصر (سنة ١٥١٧) قد أبقى على طبقة الحكام السابقين من المماليك لینوبوا عن الأستانة فى حكم مصر واستنزافها. وكان سليم قد قضى بأن تكون أرض مصر الزراعية ملكًا له وللسلاطين الأتراك من بعده، فلا يكون للزراع إلا حق الانتفاع بجزء من محصولها. ولضمان أداء الزراع للضرائب نشأ نظام الالتزام. وكان معنى ذلك أن على الملتزم (المملوكى) أن يورد للدولة العثمانية الضرائب عن قرية معينة أو مجموعة من القرى من أرض مصر وله فى مقابل ذلك حق التصرف فى دائرة التزامه أرضًا وناسًا. صار الفلاحون من الناحية الفعلية عبيدًا فى الأرض، يتعرضون لأقسى أنواع الاستغلال والظلم، فانتشر هروبهم من الريف وأجدبت أراضٍ كثيرة كانت من قبل مخصبة.
وازدادت أوضاع مصر ترديًا لكثرة الفتن والحروب الداخلية بين حكامها من المماليك، وتعسفهم فى انتزاع الضرائب من المصريين- زراعًا وتجارًا- وفى مصادرة أموالهم ونهبها بغير حق. وهكذا انتشر بمصر الفقر، وما يتبع الفقر من الأمراض. واجتمعت الأوبئة الدورية والاعتداءات شبه اليومية من المماليك وإنكشارية الأتراك فكادت تفنى سكان مصر. ذلك أن عدد السكان عشية الحملة الفرنسية لم يكد يتجاوز مليونين ونصف المليون من السكان وهو أقل عدد وصله سكان المحروسة فى أى وقت، إذ ظل عددهم يتراوح على مدى التاريخ قبل ذلك بین ٥ و١٥ مليون نسمة.
وكان الجهل بكل معانيه فاشيًا فى هذه القلة القليلة من السكان. فلم یکن هناك «تعليم» يستحق هذه الصفة غير التعليم الأزهرى المقتصر على العلوم الدينية. ولكن الأزهر العظيم ذاته كان قد تحول إلى ظل باهت لما كان عليه فى عصر ازدهاره، فاقتصر عطاء علمائه على شرح مؤلفات العصور الغابرة بما كان يعرف بالحواشى على المتون- أى التعليق على المؤلفات القديمة ثم التعليق على التعليق- أما الإبداع الجديد فقد اندثر، وإذا كان هذا هو حال الجامعة العتيدة فلك أن تتخيل ما كان عليه حال عامة الناس: اختفى العلم فسادت الخرافات والشعوذة وأصبح المتدروشون والدجالون- وما أكثر ما يتحدث عنهم الجبرتى وعن بدعهم فى استنكار وأسی- هم القادة والمراجع الفكرية لهذا المجتمع الآخذ فى الاندثار عددًا وعقلًا.
ذلك ما آل إليه حال مصر بعد قرون من الاستعمار العثمانى. ويلخص عالمنا الكبير الراحل د. جمال حمدان أمر ذلك الاستعمار فى مصر، وغيرها من بلدان المشرق، بالعبارات البليغة التالية: إن الوجود التركى يعد نوعًا خاصًا- ومحيرًا ربما- من الاستعمار هو «الاستعمار الدينى»، ولولا القناع الدينى لعُد مماثلًا للغزو المغولى الوثنى الذى سبقه ولووجه على هذا الأساس بكل تأكيد وكل مظاهر الاستعمار الاستغلالى الابتزازى لا تنقص العثمانية: فقد كانت تركيا هى «المتروبول» (الوطن الأصل) وبقية الإيالات والولايات مستعمرات تابعة تعتصر كل مواردها وخيراتها بلا مواربة لتُحشد حشدًا فى المتروبول، بل لقد قيل إن الأتراك طبقوا فى حكمهم السياسى طريقتهم الإستبسية (أى طريقة سكان المراعى) فى معاملة الحيوان، فهم ما انتقلوا من رعى قطعان الحيوان إلا إلى رعى قطعان الإنسان: كما يفصل الراعى بين أنواع القطعان، فصل الأتراك بين الأمم والأجناس المختلفة عملًا بمبدأ «فرق تسد»، وكما يسوس الراعى قطيعه بالكلاب كانت الإنكشارية كلاب صيد الدولة العثمانية، وكما يحلب الراعى ماشيته كانت الإمبراطورية بقرة كبرى عند الأتراك للحلب فقط (من كتاب استراتيجية الاستعمار والتحرير).
وبرغم تلك الصورة البشعة، فقد كان للدولة العثمانية فى بدء عهدها وأوج قوتها مبرر للوجود من الناحية السياسية، كانت كدولة كبرى تمثل حماية البلدان المشرق المسلمة من عدوان الدول الأوروبية الفتية، التى نفضت عنها بالنهضة تخلف العصور الوسطى وراحت تتطلع للتوسع والاستعمار.
ومع ذلك فقد كانت عناصر الخراب والفشل كامنة فى هذه الدولة منذ البداية، كانت من حيث المساحة والقوة العسكرية دولة عظمى، بل أعظم من كل الدول المعاصرة لها فى أوروبا (البندقية وفرنسا وإنجلترا والنمسا)، غير أن هذه الدول كانت قد بدأت نهضتها «العلمية» التى مكنتها من أسباب القوة الحقيقية، ومن أن تصبح بعد قرن واحد من استيلاء العثمانيين على القسطنطينية سنة (١٤٥٣) هى القوة العظمى الحقيقية، وبدلًا من أن تسابق الدولة العثمانية الدولة المنافسة لها فى الأخذ بأسباب العلم والقوة، أقامت فى عصر الجامعات الحديثة والكشوف الجغرافية والعلمية «ستارًا حديديًا» حول الإمبراطورية لا يخفى وراءه غير الاستبداد والجهل والتخلف.
وأنا واثق من أن دلالة ذلك لن تغيب عن القارئ الفطن، فنحن نميل دائمًا إلى الحديث عن مؤامرات الغرب على بلادنا وسعيه إلى إضعافها والسيطرة علينا وفى ذلك جانب كبير من الحق: فلقد ظل الغرب قرونًا طويلة عدوًا لنا، يتآمر علينا ويستعمرنا بأشكال مختلفة، وهو لم يتوقف عن ذلك المسعى حتى الآن. فأما الجزء الآخر من الحقيقة الذى غالبًا ما نميل إلى نسيانه أو تجاهله فهو أننا كثيرًا جدًا ما نیسر للغرب مهمته بأيدينا وبأعمالنا، وهذا ما كان من أمر الدولة العثمانية فى عصر النهضة الأوروبية: فهى لم تنشئ الجامعات التى أنشأها جيرانها ولم تشجع العلم أو العلماء بأية طريقة أخرى، ولم تحرص على إقامة دولة عصرية متماسكة، بل كان التناجر بين طوائف الإمبراطورية جزءًا من سیاستها كما رأينا، لكى يستتب لحكامها الأمر. ومن هنا فلم يكن من الغريب أن تسبقها دول الغرب الأقل عددًا وثراءً، ثم أن تستدير إليها بعد أن تهيأت لها القوة لكى تقضم أطرافها، ولكى تغزوها فى عقر دارها بالامتيازات الأجنبية التى يسرت نهب الدولة العثمانية ونهب العالم الإسلامى بعد أن استظل بها فكشفته وأباحته للأعداء.
وهل من عجب بعد ذلك أن توصف الدولة العثمانية فى شيخوختها العاجزة والممتدة بأنها «رجل أوروبا المريض»؟... وهل من عجب فى أن يستمر وجودها، الذى كان يتآكل وينقرض شيئًا فشيئًا بما كان ينتزع منها من الولايات والأقاليم، رهنًا بمشيئة الدول الأوروبية التى رأت الإبقاء عليها لحسابات توازن القوى، ولكى لا تنفرد واحدة منها دون الأخريات بغنيمة الشرق؟
كان ذلك إذن هو الإطار التاريخى الذى وفدت فيه الحملة الفرنسية إلى مصر فى آخر القرن الثامن عشر: دولة عثمانية ضعيفة ومضمحلة تتحكم فيها دول أوروبا کیفما تشاء، ولا تستطيع البقاء بفضل قوتها الذاتية وإنما بفضل ما عساها أن تقيمه من تحالفات مع هذه الدولة الأوروبية أو تلك (فرنسا ثم إنجلترا ثم ألمانيا فى نهاية المطاف)، واستئساد على ما بقى لها من ولايات مثل مصر، التى تكاد تنقرض من جراء حكمها الغشوم.
ولما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر اعتقد نابليون أنه يمكن أن يستفيد من هذه الأوضاع لتوطيد ملكه بها. ويحدثنا الجبرتى الذى عاصر هذه الحملة عن محاولات نابليون وعن رفض المصريين لها فى كتاب مستقل أفرده للتأريخ للحملة هو «مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس».
كانت هذه الحملة غزوة استعمارية بطبيعة الحال، وقد ارتكبت مثل أية غزوة أخرى من المظالم والجرائم ضد الشعب ما جعل المصريين يثورون عليها ويبذلون دماءهم للتخلص منها، وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الاحتلال تحقق للمصريين الخلاص من هذا الاستعمار. وقد رصد الجبرتى بكل دقة يوميات الحملة من منطلق الكراهية للمستعمر الأجنبى، ونحن نجد فى كتاباته ما يدعونا إلى الاعتزاز بتاريخنا وبتضحياتنا من أجل طرد المستعمر، وإلى الاعتزاز أيضًا بمثقفينا فى ذلك الحين من علماء الأزهر وشيوخه الذين قادوا مقاومة الشعب أيامها.
على أن الحملة الفرنسية قد جلبت لمصر أشياء أخرى غير الاستعمار وجرائمه: جلبت أفكارًا. وفى رسالة نابليون الأولى إلى المصريين نقرأ جملة من هذه الأفكار الواضحة بذاتها برغم ركاكة صياغتها بالعربية، فهو يتحدث فى مطلع رسالته عن «الجمهور الفرنسى المبنى على أساس الحرية والتسوية». ويذكَّر المصريين بعسف المماليك الذين ظلوا على مدى القرون يحكمون مصر ويفسدون هذا «الإقليم الذى لا يوجد (مثله) فى كرة الأرض كلها»، ويدعى أنه أتی مصر ليخلصها من يد الظالمين، ويضيف: «إن جميع الناس متساوون عند الله وإن الشىء الذى يفرقهم من بعضهم بعضًا هو العقل والفضائل والعلوم ومن بين المماليك، ما العقل والفضائل والمعرفة التى تميزهم عن الآخرين؟ (وما الذى) يستوجب أنهم يتملكون كل ما تحلو به الحياة الدنيا؟».
يتساءل عما يجعل أرض مصر وخيراتها وحكمها وقفًا والتزامًا للمماليك ويخلص من ذلك إلى وعد وإغراء للمصريين:
«من اليوم فصاعدًا لا يستثنى أحد أهالى من مصر من الدخول فى المناصب السامية ومن اكتساب المراتب العالية، فالعقلاء والفضلاء والعلماء من بينهم سیدبرون الأمور وبذلك ينصلح حال الأمة كلها».
وباختصار، فإن نابليون يطرح فى هذا البيان على المصريين فكرة الاستقلال الذاتى، وأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم بعد التخلص من حكم أمراء المماليك، وقد حاول أن ينقل إليهم بلغة تصور أنها مفهومة شعارات الثورة الفرنسية: الحرية والإخاء «والتسوية».
ولكن عبدالرحمن الجبرتى رفض نابليون بونابرت جملة وتفصيلًا، وراح يعلق على بیانه ساخرًا مما فيه من «الكلمات المفككة والتراكيب الملعبكة»! اعتبره الجبرتى نوعًا من الدجل السياسى لا غير، وكان فى ذلك محقًا تمامًا، فمن شعار الحرية لم ير المصريون من بونابرت وخليفتيه الفرنسيين غير القمع والتشريد والقتل. ومن الإخاء لم يروا إلا مصادرة أموال المصريين ونهب ممتلكاتهم لصالح المستعمر، ومن التسوية لم يكن هناك غير أسياد فرنسيين جدد حلوا فى قصور أسياد الأمس من المماليك والأتراك وعاشوا عيشتهم وساروا فى الشعب سيرتهم.
ومن هنا فقد كان الجبرتى على حق فى رفض تلك الشعارات كما طبقها الفرنسيون، ولكن الحقيقة هى أنه لم يرفض التطبيق وحده، بل رفض المبادئ فى ذاتها وكان فى رفضه ذلك يعبر عن «ثقافة» العصر، فمع أن الجبرتى هو الذى وصف لنا ويلات الحكم المملوكى- التركى السابق على الحملة، وقال لنا إن مظالمهم «كانت أهم الأسباب فى خراب إقليم مصر»- إلا أنه لم يرتب على ذلك أن «الفضلاء والعلماء من أهل مصر أحق بحكمها»، وحين أنشأ بونابرت الديوان الذى ضم «العلماء والأفاضل» برئاسة الشيخ الشرقاوى للمشاركة فى حكم مصر (مشاركة صورية كما هو معلوم)، أصر ذلك الديوان على تعيين المماليك فى الوظائف التنفيذية، وأصابت الدهشة البالغة الفرنسيين لأنهم- على قول الجبرتى- «كانوا ممتنعين عن تقليد المناصب لجنس المماليك، فعرفوهم أن سوقة مصر لا يخافون إلا من الأتراك ولا يحكمهم سواهم»!
وظاهر الأمر أن الجبرتى لم ينقل ذلك الرأى فحسب، بل كان يؤمن به إيمانًا تامًا فهو يعلق على ما جاء فى بيان نابليون من أن جميع الناس متساوون أمام الله تعالى بقوله «هذا كذب وجهل وحماقة!.. کیف وقد فضل الله بعضهم على بعض؟!».
ومع ذلك فأغلب ظنى أن الذين صاغوا لبونابرت بيانه بالعربية كانوا يعولون كثيرًا على هذه الجملة عن المساواة... فقد كانوا من الدارسين لتاريخ مصر والشرق، ولعلهم أرادوا بعبارتهم تلك أن يثيروا فى مخيلة المصريين أصداء الحديث الشريف القائل معناه: «الناس سواسية كأسنان المشط»، لعلهم كانوا يعتقدون أن ذلك کفیل بإثارة المصريين على المماليك لكى يُلقوا عن كاهلهم نیر حكمهم الغشوم فیکسبهم الفرنسيون لصفهم، ولكن «ثقافة العصر» كان قد بعد بها العهد عن ذلك الماضى المجيد بقيمه النبيلة، فأصبح مثقف مثل الجبرتى يرتاع من القول بالمساواة، ويرى أن أهل مصر «سوقة» وأنهم لا يمكن أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.
وإنى لأعتبرها علامة حيوية هائلة لشعبنا المصرى، وشهادة عظيمة للدور الذى لعبه مثقفوه العصريون أن نسمع قبل مرور قرن واحد من الزمان لغة تختلف تمامًا عن تلك اللغة. يدوى فى أسماعنا حتى اليوم ذلك الحوار القصير بين الخديو الخائن توفيق وبين أحمد عرابى الثائر المصرى، إذ يقول له الأول سيرًا على تراث «مالك رقاب الأمم وملجا العرب والعجم»:
- لقد ورثت أنا ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادى وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا.
فيرد عليه عرابى:
- والله الذى لا إله إلا هو لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا وعقارًا، ووالله إننا لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم!
تلك هى النقلة العظمی!
تلك هى ثمرة جهد نوع آخر من المثقفين، جيل آخر بشّر بالحرية وعلمها للشعب فآتت جهوده أكلها فى زمن قصير!
فما هى ثقافة الحرية؟
من كتاب «أبناء رفاعة الثقافة والحرية» طبعة دار الشروق