قراءة فى «العودة إلى الأرض»
انتهيت من قراءة رواية "العودة إلى الأرض" للكاتب "أحمد صبري"، في طبعتها الأولى الصادرة عن دار الرسم بالكلمات بعدد صفحات ٢٦٣ صفحة.
رواية "العودة إلى الأرض" هي الجزء الثاني من سلسلة "الفضاء أصبح قرية صغيرة".
ومن خلال عنوان السلسلة ستدرك نوعية الرواية وهي الخيال العلمي، خصوصا المتعلقة بالفضاء والأخلاق العلمية والفلكية. مع الأسف الشديد أدب الخيال العلمي غير منتشر وغير معروف بالقدر الكافي في مصر. فأدب الخيال العلمي كما عرفه دكتور نبيل فاروق هو: "الأدب الذي يجمع بين قاعدة علمية وتخيل لما سيكون عليه الأمور إذا طبقت تلك القاعدة".
والجدير بالذكر أن أدب الخيال العلمي نفسه له أنواع وأشكال عديدة، هناك الخيال العلمي الخاص بالفضاء وعوالم المخلوقات الفضائية والكثير من سيوف الليزر والروبوتات والتكنولوجيا الغامضة، والخيال العلمي الخاص بحرب الفيروسات والأوبئة الغامضة، والخيال العلمي الخاص بآلة الزمن والتغيرات الزمنية، والخيال العلمي الخاص بالتجارب العلمية وآثارها المتوقعة وغالبا ما تكون آثارا تدميرية، وغيرها الكثير.
قليلون هم من يكتبون في هذ المجال، فإذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء فنجد أن رائد أدب الخيال العلمي كان الروائي الأستاذ نهاد شريف، فنذكر له روايته «قاهر الزمن» التي تحولت إلى فيلم سينمائي فيما بعد. كما نجد الدكتور مصطفى محمود وتجربته برواية «العنكبوت» التي تحولت أيضا إلى مسلسل تليفزيوني. أما بالنسبة لمن أثروا فكر جيلي أبناء الثمانينيات فكان هناك رؤوف وصفي وسلسلة «نوفا» للخيال العلمي، نبيل فاروق وسلسلة «ملف المستقبل»، أحمد خالد توفيق اللي كان له إسهامات مختلفة ومتعددة في أدب الخيال العلمي نجدها في بعض أعداد سلسلة «ما وراء الطبيعة» متمثلة في شخصيتي سالم وسلمي، وأيضا المجموعة القصصية www، ورواية «في ممر الفئران» التي تعتبر من نوع الخيال العلمي الكابوسي.
في الجزء الأول نوهت بأن الكاتب تقمص في كتابته أسلوب الراحل دكتور "نبيل فاروق" رحمه الله. ولكني لاحظت في هذا الجزء أن الكاتب غير أسلوبه تماما في الكتابة- الذي ما زال سلساً وبسيطاً- وخرج من عباءة "نبيل فاروق"٬ فأصبح له أسلوبه الخاص٬ وتلك نقطة قوة أخرى إلى جانب قوة فكرة روايته.
في الرواية يكمل أحداث سلسلته باكتشاف "عادل"- بطل الرواية- عوالم أخرى في الفضاء، مجرة أخرى بكواكب أخرى مأهولة بنظام تكنولوجي متقدم جدا، ونظام صارم للمعيشة يوفر السلام والأمان لأهل الكوكب بعيدا عن العنف وسفك الدماء٬ وتقسيمهم إلى كائنات ألفا وهي الكائنات العاقلة المسيطرة٬ وكائنات بيتا وهي الحيوانات المسئولة عن التغذية٬ وأخيرا كائنات جاما وهي الروبوتات التي تساعد الكائنات ألفا في كل حياتهم. ثم يضع "عادل" مشروعا لإعادة إعمار الأرض٬ بعدما دمرها البشر بصراعاتهم وحروبهم وعنصريتهم وموروث تاريخهم الانتقامي. فكانت النتيجة دمار الأرض وضياع كل مواردها٬ وعمت المجاعة والتلوث والموت في كل مكان. فكان لا بد من ترك الأرض حتى يعاد تعميرها وتنقيتها من جديد.
وبناء على مشروع "عادل"٬ مع مساعدة أهل الكوكب الأبيض وفريقهم من الروبوتات٬ تمَ هجرة البشر بشكل مؤقت إلى الكوكب الأبيض٬ حتى يتم إعادة إعمار الأرض وتطهيرها لتصلح للمعيشة مرة أخرى.
لنكتشف أن نية أهل الكوكب الأبيض في المساعدة لم تكن صافية٬ فكان الغرض الأساسي هو احتلال الأرض وإعمارها بدل البشر٬ فكان في مخطط كائنات الكوكب الأبيض لانتقال البشر إلى كوكبهم أن يكون انتقالا بلا عودة. ثم تتوالى المفاجآت من طبيعة ونوع الكائنات ألفا أصحاب الكوكب الأبيض٬ والسبب في رغبتهم لاحتلال الأرض بدل البشر٬ والنبوءات المسيرة لهم وصاحب تلك النبوءات.
كالعادة ربط الكاتب ما بين النظريات العلمية والخيال الجامح٬ وأضاف إليه نظرة حالمة٬ فصنع رواية تخطفك بره عالمك بكل تفاصيلها. بداية من قصة الحب الرقيقة الرومانسية بين "عادل" و"صوفيا". وفكرة الكوكب النظيف٬ الآمن٬ الهادئ٬ المتطور تكنولوجياً بشكل باهر٬ وكأنها الجنة. وفكرة إمكانية إعادة كوكب الأرض إلى نضارته وكأن الحياة تعطينا فرصة أخرى. كما أعجبني قدرة الكاتب على وضع الفرضية وتحليلها بنظام ماذا يحدث إذا؟. والدقة في رسم الشخصيات٬ والذكاء في تشابك الأحداث٬ والصعود التدريجي بالأحداث دون ملل كبناء درامي سليم حتى الوصول إلى الذروة ثم الانجراف المتسارع بالأحداث حتى اكتشاف المفاجأة الأخيرة.
ومن باب إضافة المعلومات الهامة للقارئ٬ وضع الكاتب في نهاية كتابه جزءا للمصادر والمعلومات الإضافية شارحا به كل الأجزاء التي قد تكون غير مفهومة، سواء علمية أو تاريخية أو سياسية لزيادة توضيحها.
على الرغم من أن "الحصار الحديدي" كانت رواية جيدة إلا أن "العودة إلى الأرض" أقوى من حيث الكتابة والحبكة وفكرتها ومفاجآتها.. وفي انتظار الجزء الثالث إن شاء الله.