اختطاف وموت.. فلسطينيون يروون كواليس غرق ذويهم فى «رحلة السراب»
قبل أيام تواترت الأنباء حول غرق مجموعة من الشباب الفلسطينيين قبالة السواحل التونسية كانوا فى طريقهم إلى أوروبا من خلال مركب هجرة غير شرعية.
«الدستور» التقى أهالى بعض الضحايا والمفقودين على مركب الموت، وتفاصيل الرحلة الأخيرة والتى كانت بدايتها فى فبراير الماضى، لينتهى بهم المطاف غرقى مجهولى الهوية قبالة تونس عقب 8 شهور ما بين الاختطاف والحبس.
وقال محمد حيدر الشاعر، شقيق الغريق يونس الشاعر، من قطاع غزة بفلسطين المحتلة: شقيقى غادر الأراضى الفلسطينية متجهًا إلى القاهرة بشكل شرعى فى 20 فبراير الماضى، ومن القاهرة وبطرق رسمية وصل إلى الأراضى الليبية ليخرج من ليبيا باتجاه أوروبا وتحديدًا إيطاليا.
أضاف الشاعر، لـ«الدستور»، أن شقيقه خرج من قطاع غزة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، خاصة أن كل مقومات الحياة فى القطاع تكاد تكون معدومة كليًا، الحياة صعبة جدًا.
وأشار إلى أن شابًا بعمر الـ22 لم يتمكن حتى الآن من الحصول على عمل أو فرصة لتكوين أسرة ومشروع حتى لا يقع فريسة للبطالة، موضحًا: «من هنا جاءت فكرة الهجرة لدى شقيقه ودفع ٦ آلاف دولار لسمسار الموت حتى يتمكن من تحقيق أحلامه على أبواب أوروبا والعودة مرة أخرى لبلده محملًا بأحلامه المحققة وأموال عمله فى الغربة».
وبصوت تملؤه الحسرة، قال الشاعر: لكن كل هذا أصبح سرابًا وأصبح شقيقى غريقًا، جثة تم التعرف عليها من خلال الأوراق، موجود حتى الآن فى تونس.
وأشار الشاعر إلى أن الخارجية الفلسطينية والسفارة الفلسطينية فى تونس تحاول استعادة جثمانه وباقى جثامين الغرقى.
الشباب تعرضوا للاختطاف أكثر من مرة وكانت الفدية 5 آلاف دولار
وفى التفاصيل، أوضح الشاعر أن شقيقه تعرض للاختطاف أكثر من مرة من قبل ميليشيا وجماعات مسلحة فى ليبيا، وطالبوا بدفع فدية، وتم إطلاق سراحهم بعد دفعها، مضيفًا أنه تم اعتقاله مرة من قبل خفر السواحل الليبى بعد محاولة هجرة من خلال مركب غير شرعى تعطل بهم فى البحر، وتم اعتقالهم فى تلك الأثناء ولكن تم الإفراج عنهم عقب 16 يومًا من الاعتقال.
وعقب الإفراج عنهم، تعرضوا لمحاولة اختطاف مرة أخرى قبل محاولة الغرق الأخيرة وطلب الخاطفون فدية مقدارها ٥ آلاف دولار لكل شخص، كانوا 13 فلسطينيًا من غزة، وتم الضغط والتفاوض معهم حتى وصل المبلغ إلى 1000 دولار لكل واحد وتمت مصادرة موبايلاتهم وجردوهم من كل مقتنياتهم والاعتداء عليهم بالضرب وتم الإفراج عنهم.
أضاف أن رحلة شقيقه الأخيرة كانت فى 3 أكتوبر الجارى، مركب يحمل 15 شخصًا، 13 فلسطينيًا واثنين يحملان الجنسية السودانية، وأبحروا الساعة 9 مساء من اليوم ذاته، وتم فقدانهم وقطع الاتصال بهم فى 6 أكتوبر.
وأشار الشاعر إلى أنهم تواصلوا مع العديد من الجهات والشخصيات فى ليبيا، ولكن كانت أقوالهم متضاربة، تارة يقولون إنهم مفقودون، وتارة يقولون إنهم بخير وستتم عودتهم قريبًا إلى غزة، حتى وصلت أنباء غرق المركب فى البحر من يوم 6 أكتوبر.
ولفت إلى أن العثور على جثامينهم كان عن طريق الصدفة، أثناء بحث السواحل التونسية على شباب تونسيين هاجروا بشكل غير شرعى غرق مركبهم، وخلال بحثهم وجدوا الجثث فى البحر على بعد 50 كيلومترًا من السواحل التونسية، وظنوا فى البداية أنهم توانسة ولكنهم كانوا حاملين جوازات السفر الفلسطينية، وتم التعرف على بعضهم ومن بينهم شقيقى وتم التعرف على 4 آخرين وهناك 8 ما زالوا مفقودين حتى الآن.
وأكد أن هناك جثامين مجهولة ومحللة لا تحمل أى شىء هناك فى المستشفيات التونسية، مؤكدًا أنه تم التواصل مع الخارجية والسفارة هناك وطلبوا تحليل DNA، للتعرف على تلك الجثث المتحللة المجهولة البالغ عددها 8 جثث.
وأشار الشاعر إلى أنه لم يفقد شقيقه فقط، ولكن فقد شقيق زوجته واثنين من أبناء أعمامه ولكنهم مفقودين حتى الآن.
وتابع: شقيقى شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، ترك جامعته بسبب المصاريف وخرج لتأمين مسقبله، ولكن لم يمهله القدر ليحقق أحلامه وآماله، مطالبًَا المسئولين والقادة الفلسطينيين بوضع حد لتلك المأساة والفاجعة، وتأمين حياة كريمة لهؤلاء الشباب وتوفير فرص عمل.
واختتم الشاعر تصريحاته: «أخى شهيد كان فداء لأهله وشعبه وأبناء شعبه مش خسارة فيهم، اليوم أتمنى أن تنتهى تلك المأساة، كل يوم فى فاجعة جديدة، مئات الشاب يغادرون من الموت للموت، أتمنى أن تكون فاجعتنا فى أخى الصغير هى الأخيرة فى وطنى، وخاصة أنه لم تتبق غير الحسرة فى قلوبنا وقلوب أهاليهم، نطالب بوضع حد لهذا الوضع المأساوى».