عمرو الكفراوي: أبقيت والدي «سعيد» في الذاكرة.. ويعرف الواقع السياسي من العمران (حوار)
الفنان عمرو الكفراوي والمولود بالقاهرة العام 1980، والذي ترك القاهرة مغادرا مصر عقب ثورة يناير ليدرس بجامعة" دي كونكوردية" الكندية، حاصلاً على درجة الماجستير في التخطيط العمراني وتلك الأساليب ما بعد الحداثة لشكل وطرز العمارة، ليضيف أبعادا أخرى لعلاقته الجادة برؤيوية الفن وتناغم مساراته، عمرو الكفراوي حاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة وأقام العديد من المعارض الفنية والجماعية داخل مصر وخارجها وتحديدا بكندا وقطر وكثيرا من عواصم العالم العربي، والذي أتاحت له فرص أخرى لتكوين وبلورة موقفه من دلالات ودور المسطح الأبيض وخروجات بل وجماليات اللوحة التشكيلية في عالم البورتريه. الكفراوي هو الابن الأصغر للكاتب الكبير والقاص الراحل سعيد الكفراوي، والذي يستحضر عمرو سيرته وعلاقاته بالبشر والعالم، في البيت ومع أسرته وأصدقائه بحب وحميمية وشفافية، وقد أكد لـ"الدستور" أنه يعمل حالياً على صنع وإنتاج فيلم عن حياة ومواقف سعيد الكفراوي الإنسان.. الدستور التقت الكفراوي وكان هذا الحوار..
كيف كانت بدايات الإنطلاقة الأولى صوب احتراف الفن التشكيلي خاصة منذ أقمت معرضك الأول خمسة + خمسة بجاليري عدلي رزق الله؟
البداية كانت طبعا مع الدراسة في كلية الفنون الجميلة. وبعدها بدأت رحلة الفن بتجارب كان فيها الناجح وكان فيها غير الموفق، ولكن الاتنين أفادوا تجربتي واتعلمت من كل تجربة فنية خضتها.
_عن رؤيتك للمدن هل كان لشكل المدينة السياسي والنفسي دورا في تركك للقاهرة؟
المدينة هي شغلي الأساسي، وبالنسبة لي يعتبر العمران وتوسع المدن من أكثر الأفكار التي تشغلني، فتلهمني بالكثير من رؤى التأويل والتحريك لأفكاري فوق المسطح الأبيض أو في لوحاتي وأعمالي الفنية. أرى أن العمران لا ينفصل عن الواقع الاجتماعي والسياسي أبدا. أحيانا، بل في الغالب أعتبر أن شغلي بشكل عام في التخطيط والعمارة والرسم هو حالة تعبيرية تتعدد تفسيراتها، فمن الممكن بل بالتأكيد يعتبر طرح و"شغل سياسة" وهذا يعود بسبب حالة التسجيل للواقع المديني وتطوراته خلال مراحل الوطن المختلفة.
_عن ماهية العمران وعلاقة تخطيط المدن وأفكار المدينة/ المدنية، كيف ترصدها مصرياً؟
مثلما ذكرت من قبل، التطور العمراني دلالة على التطور السياسي لأي مدينة. يمكن من خلال مراقبة التطور العمراني لمدينة القاهرة نرى التطور السياسي في مصر من أول الملكية مرورًا بوصولنا لما سمي ثورة الضباط الأحرار في العام 1952. بعدها خاضت القاهرة وحكوماتها المتعاقبة بنظمها السياسية، مجموعة من القرارات غير المدروسة وغير المناسبة للمدينة ولا مفهوم المدنية، والتي أدت لوجود أحياء ممتدة في ضواحي القاهرة، وهي التي تعتبر بمعايير الدنيا والدين والتمدن، غير إنسانية.
_وكيف ترى تلك الأحصدة الفنية والنفسية على البشر من خلال أشكال التخطيط والعمران؟
أعتقد أن الإنسان المصري المعاصر تم تشويه شخصيته وتجميد إبداعه بسبب الحالة الاجتماعية التى فرضت عليه. والعمران أحد أسباب هذا التشوه الذي عصف بقوام وطبيعة للشخصية المصرية في آخر ٧٠ سنة.
_في مساحاتك اللونية وحتى أشكال الوجوه المنقبضة والتي تشي بالعزلة والتأمل في بدايات لوحاتك ورؤيتك المضافة، الجمالية في هذا الإطار، ليتك تحدثنا عن الدوافع النفسية والثقافية وتحديدا فيما يخص عوالم البورتريه المصدر لأحلام وهواجس الأنثى تحديداً؟
مجموعة اللوحات التي قدمتها في مجال وأشكال البورتريه كانت حالة نوستالجية، حاولت من خلالها الإمساك بلحظة كانت فيها الشخصية المصرية لم تزل في حالة تأنق، وكانت صورة المدينة بوجوهها، تمثل وتؤكد انعكاس هذه الحالة على جوهر وشكل ومضمون العمارة والبشر كذلك. لم أزل أحاول من خلال فني ورؤيتي للتصميم والشكل العمراني في العمارة أن أعبر وأؤكد ارتباط العمران بالإنسان كارتباط مؤثر ومهم وفاعل.
_ولماذا كانت هجرتك لكندا تحديداً؟
هاجرت لكندا مقتنصاً الفرصة لدراسة ماجستير والتعرف على ثقافات جديدة، والبحث عن فرص جديدة تثري تجربتي.
_عمرو الكفراوي المصروع بهوس وجنون اللوحة التشكيلية برؤى فلسفية ونفسية جمالية وهذا بجانب الشغف بالتكوين العمائري، ماهو المسار الأقرب لنفسك وتكوينك وحواسك؟
مؤخرا وبجانب لوحاتي والتي تدور في إطار التمدد العمراني وعلاقته بالذاكرة الجمعية، أعمل حالياً على فيلم عن والدي أناقش واستعرض فيه علاقتي بأبي الإنسان الجميل المتفاني مع كل البشر، وكذلك علاقتي بالمدينة التي عشت فيها طوال حياتي، هذا بخلاف بعض أعوام في كندا. وهذا الفيلم أعتبره من الأشياء التي تستحوذ على جليل فكري والكثير من وقتي، كونني أرى فيها مساحة جديدة للتجريب وأفاق جديدة من الممكن الخوض فيها.
_منذ البدايات وتحديدا مع العام 2004/ 2005، كيف كانت بدايات الرؤية الفنية للعالم، وكيف تطورت؟
مثلما ذكرت من قبل، كانت غالبية اهتماماتي تقع وتقوم على ضرورة توثيق الاهتمام، بل بلورة ثمة علاقة وثيقة ما بين السلطة والعمران والفرد داخل مجتمع واحد. كل أطرافه مرتبطة بالتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تشكل جزءاً هاما من ذاكرة الوطن.
_أقدمت على تجربة جمالية وحسية فيما يخص علاقتك بدور أغلفة الكتب الإبداعية كرسم أو لوحة درامية موحية لعوالم وأعمال إحسان عبد القدوس بالمصرية اللبنانية بالإضافة لأعمال أخرى كثيرة مختلفة في هذا المسار؟
التصميم الجرافيكي بالنسبة لي لا يقل أهمية عن الفن التشكيلي، حتى ولو كان يخضع لسوق النشر و متطلباته. هو مساحة للتجريب، وهناك شيء آخر. أحيانا لا يوجد مساحات من القرب بين المعروض من الفن التشكيلي وعين المتلقين، فلو توفرت تلك الآليات لكان وصار متذوقي الفن التشكيلي أكثر عدد ودراية بل ومشاركة في قراءة أية لوحة، لأن الفن والرسم لغة تعبيرية أسرع انتشاراً، وبالتالي ننتقل إلى غلاف الكتاب وشكله ومضمونه حتى لمجرد نظرة أولى لرائي أو قارئ غير مدرب، فجمال الغلاف حسياً يخلق ويؤكد بل ويجعل هناك علاقة حيوية وفنية قائمة بل ورؤية جمالية تجمع كلاً من الغلاف والفنان أو الرسام وتقربه للجمهور لتصيرا لعلاقة أوسع وأكثر حميمية.
_عن ما أثير مؤخراً من ردود متناقضة بل رافضة لقوام ومتون أغلفة الطبعات الحديثة لأعمال أديب نوبل نجيب محفوظ الصادرة عن دار ديوان؟
أرى أن التصميم به مجهود، وأنا عموما مع إعطاء الفرصة لمصممين جدد حتى يثري المجال الفني في مصر. وفرضاً، من الممكن أو يجوز أن نوعية كتابة نجيب محفوظ تحتاج إلى نوع من التصميمات الأكثر كلاسيكية، حتى وإن كانت حديثة لتعود الكثير من محبي وقراء الكاتب الكبير على الأغلفة القديمة.
وماهو حصاد رحلة الفنان/ المبدع عمرو الكفراوي بعد أكثر من عشرة أعوام على تركك لمصر والسفر للدراسة والتحصيل في جامعة _ ب"كونكوردية" بكندا؟
أرى أن تجربة كندا وهي كانت خمسة سنوات فقط، غنية جدا جدا. الفن الكندي والأمريكي مختلف عن الفن الأوروبي، والذي نعرفه بشدة. ولهذا فقد أثريت وراكمت الكثير من معرفتي بنوعيات جديدة في الفن يضاف لذلك دراسة الماجستير في جامعة كبيرة " دي كونكوردية" أتاحت لي الخوض في تجارب جديدة أفادتني بشدة.
وهل هناك طرح ما ثقافي يطرحه أويؤكده الفنان عمرو الكفراوي عن علاقة الآنا بالآخر فيما يخص علاقة ودور الفنان في الشرق والغرب، هل هناك موقف ما حضاري أو نفسي سياسي تبلور به رؤيتك للعالم ؟
الفنان التشكيلي منذ الأزل علاقته ليست وثيقة بالجمهور على مستوى عريض مثل المطربين والممثلين وحتى الكتاب. إلا أن تأثير الفنانين يكون أكثر على النخبة والذي تحتل دوراً كبيرا في تغيير مفاهيم اجتماعية وفكرية وسياسية. ومن هنا تأتي أهمية الفن بالنسبة لي، لأن للفنون دور مؤثر وله السطوة والقدرة على التأثير على شريحة مهمة وعريضة في أي مجتمع شرقي أو غربي، وكذلك يطرح الفن بشكل عام تصورات فنية ورؤيوية وبصرية وسياسية جديدة تعين البشر على فهم أنفسهم والعالم من حولهم.
_أخيرا فقد مر على وفاة كاتب القصة العظيم سعيد الكفراوي عامان.. كيف تنظر لسيرة ومسيرة "الأب"؟
قلت إن هناك محاولات لأسجل علاقتي بوالدي وعلاقتي به عبر حياتنا في القاهرة من خلال فيلم عنه. الفقد شيء في غاية الألم والحزن. ولا يمكن لأي شيء أن يداوي جرح الفقد وتبعاته. ولكن من الممكن استغلاله لإنتاج شيء له وعن معنى، وأنا بادئ فيلمي عن والدي بجملة: "لو لم أستطع أن أعبر عن أبي كما يجب، فلعلي أبقيته في الذاكرة ولو قليلًا".