اختيار ريشى سوناك رئيسًا لوزراء المملكة المتحدة.. الهندى الصغير إلى أين؟
بدت صورة المملكة المتحدة، أمام المجتمع الدولي محيرة، غير مسبوقة، في وقت تبدو مؤشرات الاستقرار العالمي محدودة، جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتداخل جيوسياسية متباينة شملت الاقتصاد والطاقة والنقل والتنمية البشرية، عدا عن القلق العسكري والأمني من أي تصعيد في أوروبا، حلف الناتو والولايات المتحدة، والطبع في الأفق الروسي، الذي دخل الحرب، وها هي تتجاوز شهرها الثامن.
الحراك السياسي والاقتصادي في المملكة المتحدة، جعل مباركة الملك تشارلز الثالث، اختيار ريشي سوناك رئيسًا للوزراء، بداية لاستراتيجية هدفها إعادة بريطانيا العظمى، بعد الإرهاق الذي ولد أزمات سياسية واقتصادية، واجتماعية، لم تشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
* لماذا الأزمة غير مسبوقة؟
في تحليل لشبكة «لو بوينت» الإخبارية الدولية، قالت إن سوناك المصرفي السابق ووزير المالية، يبلغ من العمر 42 عامًا، هو أصغر رئيس حكومة في التاريخ المعاصر للبلاد بعد صعود سريع في السياسة.
وأشارت إلى أنه عقب فوزه في حزب المحافظين البريطاني، التقى ريشي سوناك- سريعًا - بالملك تشارلز الثالث، الذي عينه رسميًا رئيسًا للوزراء، بحسب دستور البلاد، أما لماذا الأزمة، كانت على المملكة المتحدة، غير مسبوقة؟ فنشير إلى:
* أولًا:
سوناك هو الرئيس الثالث خلال شهرين في بلد يعاني من عدم استقرار غير مسبوق وأزمة اجتماعية عميقة.
* ثانيًا:
إنها المرة الأولى التي يعين فيها الملك تشارلز الثالث رئيسًا للحكومة، وكان استقبلت الملكة الراحلة إليزابيث الثانية رئيسة الوزراء السابقة في داونينج ستريت، ليز تراس، في 6 سبتمبر وتوفيت الملكة بعد يومين.
* ثالثًا:
ألقت ليز تراس، التي استقالت بعد 44 يومًا فقط في المنصب يوم الخميس، آخر خطاب لها خارج 10 داونينج ستريت في حوالي الساعة 10.15 صباحًا، ثم سافرت إلى قصر باكنجهام لتقديم استقالتها إلى الملك. ثم استقبل الملك ريشي سوناك قبل ذهابه إلى داونينج ستريت لإلقاء خطاب.
* رابعًا:
كان اللافت أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد تعرض في خطابه للواقع الذي وصلت إليه الحرب في أوكرانيا، واصفًا الغزو الروسي الذي بدأ في فبراير بأنه «حرب مروعة يجب أن تنتهي بالنجاح» بالنسبة لأوكرانيا.
* خامسًا:
ريشي سوناك، رئيس وزراء، الأول من أصل هندي والأول من مستعمرة بريطانية سابقة. وبعد فوزه في تشكيلته يوم الإثنين، وعد بـ«الاستقرار والوحدة». وقال في كلمة مقتضبة «التقريب بين الحزب والدولة سيكون على رأس أولوياتي». «المملكة المتحدة بلد عظيم، ولكن ليس هناك شك في أننا نواجه تحديًا اقتصاديًا عميقًا».
* معدل التضخم 10٪
رئيس الحكومة، برغم خبرته الاقتصادية، يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة.
عمليًا، تجاوز معدل التضخم في المملكة المتحدة 10٪ ، وهو أعلى معدل في مجموعة الدول السبع، وهذا له العديد من المظاهر أبرزها أن أسعار الطاقة آخذة في الارتفاع، وكذلك أسعار المواد الغذائية. مخاطر الركود تحوم. سيتعين عليه أيضًا تهدئة الأسواق التي اهتزت من إعلانات ميزانية حكومة تراس في نهاية سبتمبر ، والتي تم إلغاؤها جميعًا منذ ذلك الحين في كارثة.
العالم ينتظر ما ستؤول اليه الأوضاع، يأتي ريشي سوناك إلى السلطة في فترة من عدم الاستقرار: فهو خامس رئيس وزراء بريطاني منذ عام 2016، عندما اختارت البلاد في استفتاء مغادرة الاتحاد الأوروبي. وهو ثالث رئيس حكومة في شهرين.
* الخروج من الاتحاد الأوروبي.. وصراع الأحزاب
الرئيس الحالي، في متاهة جعلته يستعيد كيف تولى قيادة حزب محافظ شديد الانقسام، بعد اثني عشر عامًا في السلطة. ويوم انتخابه، كان حاسمًا عندما قال للنواب إن عليهم «التوحد أو الموت»، حيث تصدرت المعارضة العمالية صناديق الاقتراع قبل عامين من الانتخابات التشريعية. واستبعد ريشي سوناك إجراء انتخابات مبكرة طالب بها حزب العمال. لكن وفقًا لاستطلاع أجرته شركة Ipsos نُشر يوم الإثنين ، يريد 62٪ من الناخبين إجراء انتخابات قبل نهاية عام 2022. وفقًا لاستطلاع YouGov، فإن 38٪ فقط من البريطانيين مقتنعون بأن ريشي سوناك سيصبح رئيسًا للوزراء، وهذا ما حدث، وعاش لحظات تشكيل حكومة بسرعة، حسمًا للأزمات التي قد تنفجر في وجهه، وهو يسعى بخبرته الاقتصادية لإعطاء ضمانات للأسواق وإرضاء نواب أغلبيته، واضعًا نصب عينيه خطر المعاناة، وربما الفشل من نفس مصير ليز تراس.
التحليل الدولي، كشف عن أن أول قرارات ريشي سوناك، إبقاء جيريمي هانت في وزارة المالية، وأيضًا وزير الخارجية جيمس كليفرلي ووزير الدفاع بن والاس في منصبيهما، وهو ما يعد تكتيكًا استراتيجيًا في اختيار لعبة تعزز الاستقرار في سياق استمرار مخاطر وويلات الحرب في أوكرانيا، بحسب داونينج ستريت، فيما توقفت الترشيحات الأخرى، مع تعيين حليفه المقرب دومينيك راب وزيرًا للعدل ونائبًا لرئيس الوزراء، لامتلاكه خبرات في الإدارة الحكومية، ومواقع أخرى.
* نظرة إلى المستقبل
واقع الحال، المملكة المتحدة، تراهن على برامج الرئيس الجديد، الذي يدرس معالجة أساسية لشبح التضخم، والركود ونقص الطاقة، مع تهديد الشتاء البارد في أرجاء المملكة.
وسائل وتحليلات سياسية موسعة ترنو إلى مواقف سوناك المتعلقة بأزمات العالم العسكرية والأمنية والاقتصادية، والسعي لإقناع المجتمعات في البلاد، بضرورة التصدي لأزمة التغذية والطاقة وارتفاع الأسعار.
هناك من سرب أن الرئيس الجديد، سيلجأ إلى العديد من الجولات الأوروبية والشرق أوسطية، لمتابعة ملفات عميقة تهم بريطانيا والعالم، داعيًا للتعاون الدولي وتبادل الحلول وتحقيق الاستقرار، تحسبًا لانهيارات قد تصيب القارة الأوروبية.. وبقية العالم.