الكنيسة المارونية: شرائع الله للبشر تكتمل في نقاوة القلب
تحتفل الكنيسة المارونية، اليوم الاثنين، بتذكار مار حارث ورفاقه الشهداء.
ومار حارث ورفاقه الشهداء أصلهم من نجران في جنوبي غربي الجزيرة العربية، ومن قبيلة الحميّريين. اضطهدهم الملك اليهودي ذو النؤاس في بدء شتاء 522-523. ذلك انه بعد ان احتل مدينة صفر وقتل الأحباش المسيحيين هناك، حاصر نجران، دخلها تحت شروط المصالحة لكنه عاد وحنث وعده فأمر بقتل كل مسيحي لا يجحد. أحرق بالنار جثمان الأسقف المتوفي ثم اربعمائة وسبعة وعشرين مسيحياً مع الكهنة والراهبات.
أحرق الكنيسة وقتل أكثر من اربعة آلاف مسيحي. ومن بينهم القائد المسيحي حارث وجنوده الثلاثمائة والابعون. قتلوا جميعهم بلا شفقة لأنهم لم يجحدوا الايمان. ومن بين القتلى كانت امرأة ذبحت بنتاها عليها ثم قتلت.
وبهذه المناسبة القت الكنيسة عظة احتفالية قالت خلالها: كما أنّ قوّة الشرائع والوصايا الّتي أعطاها الله للبشر تكتمل في نقاوة القلب، بحسب قول الآباء، كذلك كلّ الطرق والأشكال الّتي بها يصلّي البشر إلى الله تكتمل في الصلاة النقيّة. الأنين، الركوع، التوسّلات، النحيب، وكلّ أنواع الصلاة تجد في الواقع غايتها في الصلاة النقيّة... لا يمكن لشيء أن يمنع التفكير: لا الصلاة، ولا التحرّكات، ولا النحيب، ولا السُلطة، ولا الحريّة، ولا التوسّل، ولا الرغبة، ولا اللّذة ممّا يُرجى في هذه الحياة أو في العالم الآتي؛ بَعد الصلاة النقيّة، لا توجد صلاة أخرى... فأبعد من هذا الحَدّ، هناك الاندهاش، وليس الصلاة؛ الصلاة تتوقّف، ويبدأ التأمّل.
إنّ الصلاة هي الزرع، والتأمّل هو حصاد الحِزَم. يندهش الحصّاد لرؤيّة ما لا يوصف: كيف أنّه من حبوب صغيرة عارية زرعها، استطاعت فجأة أن تنمو أمامه سنابل مزدهرة؟ إنّ رؤية حصاده تعيقه عن كلّ حركة...
فكما أنّه بالكاد يوجد إنسانٌ بين الآلاف الكثيرة يتمّم ولو قليلاً الوصايا وأمور الشريعة ويتوصّل إلى نقاوة النفس، كذلك لا بدّ من وجود إنسان واحد بين ألف إنسان يستحقّ الوصول مع الكثير من الانتباه إلى الصلاة النقيّة، واجتياز الحَدّ واكتشاف هذا السرّ. لأنّه لم يُعطَ لكثيرين، إنّما للقليلين، أن يعرفوا الصلاة النقيّة.