صفاء عبد المنعم: مساحات الحزن في الكتابة تأتي من الفقد.. وحزني بسبب فقدي لزوجي ومعي طفلتين (حوار)
الكاتبة صفاء عبد المنعم لها مشوار طويل مع الكتابة الإبداعية في مجال الرواية والقصة والسرد للأطفال والفتيان بدأت منذ مايزيد عن أربعة عقود، قدمت خلالهم أكثر من ثلاثون عملاً في مجالات إبداعية مختلفة نالت عنهم العديد من الجوائز والتكريمات، كان آخرهم تكريمها من قبل ملتقى الشارقة الأخير، والذي احتفى بها تقديرا لدورها المميز والحافل بالإنجازات الثقافية، والتي وضعها في مصاف تلك الكاتبات اللواتي إهتتمن بضرورة التآلف الثقافي والفنى بالرسالة التربوية وصيغتهما سوياً من أجل النهوض بكافة الأجيال.
قدمت أكثر من عشرة أعمال روائية حفرت من خلالهم مكانتها المختلفة كساردة تعي دور الجمال وفتنة اللغة ما بين الفصحى والعامية، فصنعت شخصيتها الإبداعية التي نالت كل التقدير والإحتفاء، وهذا لا يقلل بل يعضد من خلفياتها وبنيتها الواعية والفكرية الثقافية كمعلمة ومديرة مدرسة تعى دور التنوير مع العلم والإبداع، لتضفيرهم سوياً في بنية تراكمية استحقت عنها وعليها كل تلك الحفاوة التي نالتها عبر تاريخها الطويل، “الدستور” ـلتقت صفاء عبد المنعم وكان هذا الحوار..
– ما رأيك فيما يثار حول ما يخص الجيل والمجايلة، وما هو تعقيبكِ على هذه الأمور، وهل أنتِ تؤمنين بمسألة المجايلة وإلى أى جيل تنتمي الكاتبة صفاء عبد المنعم؟
فكرة الجيل والمجايلة جاءت لكى تحسر الكاتب فى زمن محدد، ربما بسبب الوجود فى هذا التاريخ من بدء الكتابة أو التشابه المناخ والظرف الاجتماعي والسياسى داخل العمل، ولكن هناك جملة جميلة قالها الشاعر الكبير عفيفي مطر: “طالما أنا أرقص نفس الرقصة معكم فأنا من نفس الجيل”، وقد قالها عندما بدأتم تصنيف الشعراء سبعينيات وما قبلها.
أنا لا أؤمن بفكرة الجيل، طالما أن الكاتب مازال قادراً على الكتابة والإنتاج، وإبداع بشكل يواكب العصر ويشتبك مع الجيل الحاضر، فحبس الكاتب داخل قفص زمني محدد هذا عمل جائر وغير ضروري، وبمناسبة المجايلة فأنا أعتبر من جيل الثمانينيات، حيث بداية الظهور والتكوين الثقافي وحضور الندوات، وهناك من يعتبرني من جيل التسعينيات، حيث صدرت لي مجموعة (تلكَ القاهرة تغريني بسيقانها العارية) عام 1990 ثم مجموعة (أشياء صغيرة وأليفة) عام 1996 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
– تعددت المسارات الإبداعية لديكِ، فيما يخص مشوارك مع الكتابة 40 عاماً تقريباً، بعد أربعة عقود من الإبداع الرواية، الأطفال، كيف تجدين ملاذك وفى أي المسارات؟
- فى البداية كتبت القصة القصيرة وصدر لي أربع مجموعات قصصية، ثم صدر لي أول رواية بالعامية عام 2001 ثم كتبت مجموعات قصصية وروايات عديدة، وكتبت في الأدب الشعبي أيضاً، حيث صدر لي كتاب أغاني وألعاب شعبية للأطفال عام 2004، وكتاب داية وماشطة عام 2017، والآن أجهز كتاب صورة المرأة في المثل الشعبي، وقد ألتحقت بمعهد الفنون الشعبية بالأكاديمية عام 2008 بعد أن حصلت على دبلومة النقد الأدبي – قسم تذوق فني- من الأكاديمية عام 2007.
أما الكتابة للأطفال فيعود ذلك إلى حدوتة قبل النوم التي كنت أحكيها لأولادي، وعندما نفد المخزون الشفاهي لدي والذي كنت أحفظه من حكايات وحواديت شعبية، أصبحت أألف لهم حكايات، ونشر لي كتاب سفينة الحلوى عام 2006. ثم قمت بعمل ورش لتدريب التلاميذ الموهوبين من عام 2011 حتى 2020، وورش حكي للأطفال.
أنا أحب القصة بشكل خاص وأجد فيها متعة القبض على اللحظة فى سخونتها وطازجتها.
– عن مسألة الجدوى من الكتابة، هل تنتهي هذه المفاهيم مع أنتهاء الكاتب من نصه أم أن هناك تنظيرات ومسميات أخرى؟
- الجدوى من الكتابة سؤال مهم، مع كل كتاب أسال نفسي ما جدوى الكتابة؟ ولماذا أكتب؟، خاصة أن المبدع هو الذي يصرف على إبداعه، ويسوقه، ويقيم الندوات، ويدعو الأصدقاء، ويذهب إلى النقاد والجرائد والصفحات الأدبية.
فالكتابة أحيانا تكون نوع من العلاج النفسي أو الشفاء، وأحيانا تكون نوع من التأمل والفلسفة أو اللإنقاذ من الوقوع فى براثن الأوهام، وربما رصد دقيق لما يحدث، وبعد الأنتهاء من نص ما أشعربحب شديد للعمل ومتعةالقراءة يزيد شعورى بأن هناك فائدة ما كبرى، ربما لا تكون مادية وعندما أصادف قارئ قرأ لى عملا وأعجبه أو يناقشني فيه أشعر بسعادة أكبر وأعتقد هذا هو المهم السعادة.
–فى هذه اللحظة القلقة الحرجة التى تواجه البشرية من الحروب والأوبئة والهويات، كيف ترى المبدعة صفاء عبد المنعم مستقبل الكتابة والكاتب وكيف تستشرفينهما؟
- الكتابة دائماً ترصد تحولات وتغيرات المجتمع حتى دون أن يعتمد الكاتب ذلك بشكل قصدي، فمثلا هو لا يكتب رواية سياسية ولكنه داخل سياق العمل عندما نقرأ مثلاً رواية وداعا للسلاح لهمنجواي، نعرف الكثير عن الحرب العالمية والمتغيرات التى حدثت فى العالم، مثلما نقرأ الأعمال الكلاسيكية أو نقرأ شكسبير مثلاً فنعرف الأحداث الكبرى التي وقعت في ذلك الزمن. أما بالنسبة لمستقبل الكاتب والكتابة فالأفق الفضائي الواسع عبر النت والتكنولوجيا فتح أفاقاً عريضة للمبدع، فالأن يمكن أن يقرأ كاتب من مصر وسوريا والعراق وتونس وغيرها من البلاد نص لكاتب يعيش فى قارة بعيدة فى نفس اللحظة ويمكن أن يعلق على ما كتبه، فالنشر أصبح سريعاً وجميلاً.
–بعدما تم تكريمك من ملتقى الشارقة ما هي ردود أفعالك؟ وهل أرضى غروركِ بعد هذه الرحلة الطويلة؟
- تكريم ملتقى الشارقة عام 2022 يعتبر حدث جلل بالنسبة لي، وغير متوقع فأنا أشكر إمارة الشارقة الحبيبة على دعمها للكتاب، كما أشكر حاكم الشارقة المحب للمبدعين. ولكن أراد الله أن يقول كلمته، ويجمل الرحلة الطويلة التى تمتد إلى 42 سنة تقريباً من الإبداع، وحوالى 40 كتاباً بين القصة والرواية والأدب الشعبي والكتابة للأطفال. فكرة غرور الكاتب هو يتمنى أن يحصل على جائزة كل يوم وعن كل عمل أو كتاب يصدر له، وعندما نقرأ السير الذاتية للمبدعين في الغرب، نلاحظ كم الجوائز الكبيرة وللكتاب الواحد، ويمكن أن يعيش الكاتب من دخل عمل واحد، حيث يطبع ملايين النسخ والعديد من الطبعات، ويترجم إلى عدة لغات، أما الكاتب المصري هنا فهو فقير، ويمكن أن يكون مبدعاً كبيراً ولا ينتبه إليه، ويموت كمداً ولا يحصل على جائزة واحدة، وعندما يمرض يبحثون له عن متبرعين ويناشدون الدولة لرعايته مسألة مهينة بالفعل، وأتنمى ألا يحدث ذلك معي. فالجائزة بها شق مادي وشق معنوي وهذا مهم لمواصلة الإبداع.
– تناول كبار النقاد والاحتفاء بكتابة الطفل والرواية، لماذا يستشعر القارئ مساحات من الحزن وعدم الرضا في ملامحك وصمتك الغالب على حضور البهي؟
- مساحات الحزن فى الكتابة تأتي من حالة الفقد الدائم للأصدقاء والأهل، خاصة وأنني فقدت زوجي الشاعر الكبيرمجدي الجابري فى بداية مشوار الحياة، وترك لي طفلتين صغيرتين والمشوار لم يبدأ بعد، وعدم الرضا يأتي بسبب التجاهل وعدم التقدير الجيد، ؤربما يكون متعمد من المؤسسات الثقافية، خاصة وأنني لا أنتمي لشلة ما ولا أعمل فى مؤسسة ثقافية ولا جريدة أو مجلة.
– عن أشكال النقد التنظيري فى مصر وانطلاقا من كتابتك، كيف ترين الحالة النقدية فى مصر من خلال نصوصك؟ ومن هى الكاتبة الأقرب لحواس صفاء عبد المنعم؟
- الحالة النقدية فى مصر دائما كانت داخل جدران الجامعة والمدرجات والكتب وقليل من النقاد من يأتى إلى الندوات كى يناقش مبدع أو كتاب ويتفاعل مع الحياة الثقافية عن قرب، لأنه يعتبر ذلك عمل تطوعي دون مقابل، ولكن الآن هناك شباب من النقاد الجدد يتواجدون على الساحة الأدبية بشكل جيد ويتابعون الكتاب الجدد ويطلبون من تلاميذهم أختيار كتاب محدثين لرسائل الماجيستير والدكتوراة.
وماذا عن أهم الكاتبات التي تأثرت بهن الكاتبة صفاء عبد المنعم في مشوارها الطويل مع الإبداع والسرد المغاير؟
أنا من عشاق الكاتبة فرجينيا وولف في كل نصوصها وسرودها وحتى موقفها من جدوى الكتابة والوجود والعيش وحراك الذات.
– ما هو رأيك عن الأزمات التي تواجه الوجود فيما يخص العزلة (للفرد) والغربة والأغتراب؟.. ما هي علاقتك بهذه المفاهيم وتحديداً في اللحظة الآنية؟
الغربة والأغتراب هما سمات الكاتب بطبعه، المبدع الحقيقي دائماً ما يعاني الاغتراب وهو منعزل يتأمل الحياة بشكل جيد دون الإنغماس فى الواقع بشكل كامل، فهو يعيش (فوق الحياة قليلاً) كما وصفه الكاتب الكبير سيد الوكيل، ولكن هناك المثقف العضوي كما قال عنه جرامشي، وهو المنغرس فى الواقع ويعمل داخله بفاعلية، وربما أكون أنا من هذا النوع، حيث طبيعة عملي كمدرسة ثم مديرة مدرسة، وأقامة ورش للحكي وورش لتدريب التلاميذ الموهوبين فتحت لى مساراً مختلفاً ومغايراً عن مصير الكاتب المنعزل، أما الإحساس بالأغتراب ربما يكون بسبب شعور الكاتب أن لا أحد يفهمه ولا يتفاعل مع هواجسه وأفكاره بشكل تفاعلي جيد.
– حدثينا عن علاقتكِ بالجوائز داخل مصر، وتحديداً جوائز الدولة، وما هي المهيات أو المرتكزات التي تنطلق من خلالها لجان التحكيم في المنح وحجب الجوائز؟
- جوائز الدولة دائما حولها علامات أستفهام كثيرة!، وربما يكون بسبب أن المحكمين لا يعرفون الخريطة الإبداعية الآنية بشكل جيد، فيوجد انفصال ثقافي ومعرفي أو هناك بعض التربيطات والتحيزات لنوع من الكتابة وكتاب بعينهم، وللأسف الشديد تقدمت إلى جميع الجوائز منذ عام عدة أعوام عديدة ولم أحصل على جائزة واحدة إلى الآن، رغم تنوع الآعمال التى قدمتها من القصة إلى الرواية والأدب الشعبي وكتب الأطفال، وربما يكون العيب عندي أو داخل ما أكتبه، فأنا لا أكتب كى يرضى عني الجميع، خاصة الكبار، ولكنني أكتب ما أرضى عنه وأقتنع به حسب ما أتبنى من أفكار وقناعات، ففكرة حجب الجوائز هذا فقر ليس فى الإبداع ولكن عند اللجان، فى عام 2001 تقدمت إلى جائزة الدولة التشجيعية وكان معي الأستاذ سيد الوكيل والكاتبة صفاء النجار، ومع ذلك حجبت الجائزة فى هذا العام عن القصة القصيرة لضعف المستوى المتقدم، وهذا هراء طبعا، يضاف لذلك أنهم أحيانا يغلقون الباب عند سن معين 40 سنة، وأحيانا تفتح ويحصل عليها من هم فوق 70 سنة، فليس هناك معيار ثابت، ولكن المعيار يخضع للأهواء وأحيانا يتم ترشيح كتاب لم يتقدموا للجائزة.
– المبدعة صفاء عبد المنعم تنتمي للكتابة بقوة قلباً وقالباً، فما هي رؤيتكِ لأشكال الكتابة وتحديداً النسوية في 10 سنوات الأخيرة؟
- الكتابة النسوية أو المفهوم النسوي هو هدف مهم بالنسبة لي منذ البداية، وكل عمل أكتبه أحاول طرح سؤال مهم لماذا نحن هكذا؟ وأقصد بنحن النساء والمهمشين وكل من هم خارج المتن وعلى يسار السلطة بالمفهوم الأعمق.
فى العشر سنوات الأخيرة هناك كتابة تسعى بشكل جيد ومناقشة لوضع المرأة وقهرها، خاصة عند الكاتبات الشابات وبعض الكتاب أيضاً.