في ذكراه.. دراسة عن تأثر الأنبا غريغوريوس بفكر أباء الكنيسة الأوائل في كتاباته
أطلق ماجد كامل عضو اللجنة الباباوية للتاريخ الكنسي، دراسة بمناسبة ذكرى رحيل الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي السابق، جملت شعار كتابات الآباء في فكر وتعليم الأنبا غريغوريوس.
وقال «كامل» إنه تميز المتنيح الأنبا غريغوريوس في كل عظاته وتعاليمه باهتمامه الشديد بفكر وتعاليم آباء ومعلمي الكنيسة الكبار وهذا الاهتمام يرجع الي أيام التلمذة الأولى بالكلية الإكليركية؛ ففي المذكرة التي قدمها نيافته للأستاذ حبيب جرجس في 20 فبراير 1939؛ وقدم فيها رؤية مستقبلية لتطوير الكلية الإكليركية؛ وتحت باب بعنوان «مواد الدراسة» وفي البند العاشر منه وتحت عنوان «مؤلفات الآباء» كتب يقول (ليس له وجود ولم ندرس منه شيئا للآن؛ ويجب أن تعين كتبا معينة كالدسقولية؛ وكتاب المربي لأوريجانوس (صحتها كليمندس السكندري وليس أوريجانوس) وكتب للقديسين أثناسيوس ويوحنا فم الذهب وديوناسيوس وكليمندس؛ لأن الكثيرين قد صبغوا بصبغة بروتستانية أو غير أرثوذكسية في وعظهم؛ وذلك لقراءتهم الكثير من كتب البروتستانت لعدم وجود كتب من كتب الآباء ليدرسوها).
وفي البند الحادي عشر الخاص بتاريخ الكنيسة يطالب نيافته - ولاحظوا ا وقتها إنه كان صبيا في العشرين من عمره - بتدريس شخصيات الكنيسة القبطية العظيمة كالقديسيسن أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس، بحيث نعرف عنه كل ما يخصه وكل ما ذكره عنه التاريخ؛ كذلك طالب أيضا بتقرير كتب تاريخية أخرى في مناهج تاريخ الكنيسة غير الخريدة النفيسة مثل كتب القس منسي يوحنا وكتاب ابن العبري ومدام بوتشر وكتاب موسهيم المؤرخ البروتستانتي.
ولقد تخرج الطالب وهيب عطا الله (أسمه العلماني قبل الرسامة أسقفا في 9 مايو 1967 ) من الكلية الإكليريكية في عام 1939 ؛ وعين مدرسا بالكلية الإكليريكية في العام التالي تقريبا ( 1940 ) فحرص علي تنفيذ كل ما كان يحلم به من تدريس كتابات الآباء؛ فأدخل مادة أسمها الفلسفة المسيحية؛ ومن حرصه علي اتقان هذه المادة اتقانا جيدا؛ حرص على دراسة مادة الفلسفة دراسة علمية أكاديمية رصينة؛ فالتحق بكلية الآداب قسم الفلسفة عام 1940؛ وتخرج فيها عام 1944 بتقدير جيد جدا؛ وكان معه في نفس الدفعة الفيلسوف الكبير الدكتور زكريا إبراهيم صاحب المؤلفات الفلسفية الرائدة وخصوصا سلسلة «المشكلات الفلسفسية»؛ والأستاذ الدكتور يحيي هويدي أستاذ الفلسفة الإسلامية المعروف.
وكان أول فيلسوف أهتم بحياته وكتاباته هو الفيلسوف” أثيناغوراس” فقام بترجمة كتابه الشهير "الدفاع " وقرره علي طلبة الكلية الإكليركية؛ كما قام بنشر الترجمة مسلسلة في مجلة «الإيمان» لصاحبها القمص جرجس بطرس خلال عام 1942 وجاءت عناوين الفصول علي النحو التالي:-
1- المسيحيون يعلنون الجور والبغيان
2- في المطالبة بأن يعامل المسيحيون كما يعامل غيرهم عندما يتهمون
3- الاتهامات التي تثار ضد المسيحين
4- ليس المسيحون ملاحدة ولكنهم لا يعترفون بغير إله واحد
5- شهادة الشعراء لوحدانية الله
6- آراء الفلاسفة في الإله الواحد
7- سمو التعليم المسيحي فيما يختص بالله
8- محالات الشرك
9- شهادات الأنبياء
10- المسيحون يعبدون الآب والابن والروح القدس
11- تعاليم المسيحين الحقيقية تدرأ عنهم ما يوجه ضدهم من اتهام
12- المحال المترتب على تهمة الإلحاد
ولقد انقسم الكتاب الي سبعة وثلاثين فصلا؛ ولقد قدم نيافته دراسة متكاملة تعتبر أول دراسة من نوعها باللغة العربية عن القديس والفيلسوف” بنتينوس” ؛ ( وهو القديس الذي وضع الأبجدية القبطية وأهتم بترجمة الكتاب المقدس من اللغة اليونانية إلي اللغة القبطية) وفي إطار اهتمام نيافته بتعريفنا بآباء ومعلمي مدرسة الاسكندرية اللاهوتية؛ قدم لنا دراسة متكاملة عن القديس والفيلسوف كليمندس السكندري ؛ وأهتم بترجمة فقرات مطولة من كتابه الهام والشهير " المربي " نذكر منها :-
1- الفصل الأول:- مهمة المربي.
2- الفصل الثاني:- كيف يعالج المربي خطايانا.
3- الفصل الثالث:- المربي في محبته للبشر.
4- الفصل الرابع:- الرجال والنساء على السواء تحت أمر المربي.
كما ترجم شذرات هامة من كتابه "المتفرقات " أو "المتنوعات " نذكر منها :-
1-الفصل الرابع:- الفنون البشرية؛ والمعرفة الإلهية جميعها من الله .
2-الفصل الخامس:- الفلسفة خادمة لعلم اللاهوت.
3- الفصل الحادي عشر :- ما هي الفلسفة التي يأمرنا الرسول بإجتنابها .
أما العلامة الأشهر أوريجانوس (185- 254 م) فلقد قدم عنه دراسة متكاملة؛ أهتم فيها بشرح فلسفته ونظريته في تفسير الكتاب المقدس ؛ كما ترجم فقرات كاملة من كتابه الشهير "المباديء " .
ولقد تعرف الطالب وهيب عطا الله علي فكر وفلسفة القديس اوغسطينوس من خلال دراسته للفلسفة في كلية الآداب ؛ فعندما صار مدرسا للفلسفة المسيحية في الكلية الأكليركية ؛ أهتم بأن يقدم لنا دراسة متكاملة عنه ؛كانت تعتبر رائدة في زمنها ؛ وترجم فيها فصلا كاملا من كتابه الأشهر "مدينة الله " هو الكتاب العشرون .
ولم يقتصر اهتمام نيافته علي آباء وفلاسفة الكنيسة الشرقية فقط ؛ بل قدم لنا ملزمة بعنوان " الفلسفة المسيحية الغربية " عرفنا فيها بكتابات يوستينوس الفيلسوف والشهيد ؛ وتاتيان ؛ والقديس إيريناؤس ؛ والقديس هيبوليتوس ؛ والعلامة ترتليانوس ؛ ويوسيبايوس القيصري أبو التاريخ الكنسي ؛ والقديس غريغوريوس النيصي ؛ والقديس أمبروسيوس أسقف ميلانو ...... الخ .
ومن كتابات نيافته الشخصية التي كان يدونها في نوتة نجد فيها فصلا كاملا بعنوان " من أقوال الآباء القديسين " نجد فيها تجميعا لأقوال ما يقرب من أربعون آبا من كبار آباء ومعلمو الكنيسة نذكر منهم ( القديس يوحنا ذهبي الفم – القديس كيرلس السكندري- القديس كبريانوس – القديس جيروم – القديس الأنبا أرسانويوس – القديس مكاريوس الكبير – القديس غريغوريغوريوس الكبير – القديس تيموثاؤس ...... الخ ) .
وفي جميع شروحاته لعقائد المسيحية العظمي ؛ أعتمد نيافته علي اقتباسين :- الاقتباس الأول هو آيات الكتاب المقدس ؛ والاقتباس الثاني هي كتابات آباء الكنيسة الأولين . ففي كتابه "سري التجسد والفداء " أستعان نيافته بنصوص كاملة من كتاب تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولي ؛ونصوص أخري من كتابات القديس بطرس خاتم الشهداء ؛ والقديس ديديوس الضرير ؛ والقديس غريغوريوس النيسي . وعندما تعرض لشرح مشكلة آلام السيد المسيح ؛ أستعان بشروحات القديس كيرلس الكبير ؛ وتناول كيف عالج القديس كيرلس مشكلات الآلام الكبري مثل ( الخوف- الترك –الاضطراب ...... الخ )
ولقد قدم نيافته مجموعة كتب بعنوان " القيم الروحية في أسرار الكنيسة السبعة " ففي كتابه عن سر المعمودية قدم نصوصا تثبت فاعلية هذا السر لكل من :- القديس كيرلس الأورشليمي ؛ القديس غريغوريوس النيسي ؛القديس يوحنا ذهبي الفم ؛ القديس أوغسطينوس ؛ فمثلا القديس كيرلس الأورشليمي(315- 386م ) قال (الماء يغمر المعمد من الخارج ؛وأما الروح فإنه يعمد النفس داخليا بلا انقطاع ) . كما اقتبس نصا آخر للقديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد ( 110- 165م ) قال فيه ( إننا نحصل بالماء علي مغفرة الخطايا السالفة ) .
وفي كتاب "القيم الروحية في سر الميرون " جاء بنصوص لكل من القديس ـامبروسيوس ؛ القديس مار آفرام السرياني ؛ فمثلا القديس أمبروسيوس (339- 397 م ) قال ( إن الله وسمك بعلامة المسيح ربنا وثبتك ؛وأعطاك موهبة الروح القدس عربون الخلاص كما يعلم الرسول ) . أما القديس أوغسطينوس فقال ( إن أسم المسيح من المسحة ؛فكل مسيحي يقبل المسحة إنما في ذلك ليس للدلالة علي أنه صار شريكا في الملكوت فقط ؛بل صار من المحاربين للشيطان ) .
أما كتاب القيم الروحية في سر القربان ؛ فقلد أقتبس نصوصا لكل من :- ( القديس إيريناؤس – القديس هيبوليوطيس - القديس كيرلس الأورشليمي - القديس أثناسيوس الرسولي – القديس أمبروسيوس- القديس يوحنا ذهبي الفم – القديس أوغسطينوس -) فالقديس أمبروسوسيوس قال (إن تناولت منه قليلا ؛أو شربت منه كثيرا تنال نعمة الفداء عينها بالمقدار عينه ).
وفي كتاب "القيم الروحية في سر التوبة " أقتبس نصوصا لكل من :- ( العلامة أوريجينوس- القديس كبريانوس- القديس باسيليوس الكبير- القديس غريغوريوس النيصي – القديس أمبروسيوس القديس يوحنا ذهبي الفم .... الخ ) فمثلا يقول القديس باسيليوس الكبير( 329- 379م) "إن الاعتراف بالخطايا للمؤتمنين علي توزيع أسرار الله ضروري . لأن الذين كانوا يندمون قديما نري أنهم كانوا هكذا صنعوا نحو القديسين ) كما قال القديس غريغوريوس النيصي (335- 394م) "اسكبوا قدامي دموعا حارة وغزيرة وأنا أعمل معكم هذا العمل بعينه . خذوا خادم الكنيسة شريكا أمينا لكم في حزنكم وأبا روحيا . أكشفوا له أسرار نفوسكم كما يكشف المريض جراحه الخفية للطبيب فتنالون الشفاء " .
وفي كتاب القيم الروحية في سر المرضي ؛ اقتبس نصوص لكل من :- (العلامة أوريجينوس- القديس كيرلس الأورشليمي- القديس غريغوريوس النطاق بالألهيات- القديس يوحنا ذهبي الفم ) فيقول القديس غريغوريوس الناطق بالالهيات " لا يبق فيك الروح النجس مختفيا ؛بل فلتسكن فيك قوة المسيح الإله والروح القدس لكي تشفي بتتميم هذا السر وبسسحة الزيت المقدس وبصلواتنا بقوة الثالوث ؛ وتعود إلي الصحة التامة " .
كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم (347- 407 ) فيقول " وأما هؤلاء الكهنة فكثيرا ما خلصوا نفسا مريضة وقريبة من الهلاك ؛ لأن سلطانهم في غفران الخطايا لا ينحصر في البرهة التي يلدوننا فيها بالمعمودية ؛بل يمتد إلي ما بعدها أيضا . لأنه يقول هل فيكم مريض فليدع كهنة الكنيسة وليصلوا عليه ويمسحوه بالزيت بأسم الرب ؛وصلاة الإيمان تخلص المريض والرب ينهضه . وإن كان قد ارتكب خطايات تغفر له ......... لكن الكهنة يسترضون لهم لا رئيسا ولا ملكا أرضيا ؛بل الله ذاته الذي يغضبونه مرارا كثيرة " .
وفي كتاب القيم الروحية في سر الزيجة ؛ أقتبس نصوصا لكل من :- ( القديس كليمندس السكندري- العلامة أوريجينوس – القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو – القديس أوغسطينوس القديس كيرلس الكبير – يوحنا الدمشقي – ثيودوريتوس أسقف قورش ) .
فيقول القديس كليمندس السكندري ( نحو 150- 220 ) " من هما الاثنان أو الثلاثة الذين يشرعون في الاجتماع معا بأسم المسيح ؛ وفي وسطهم الرب ؟ أليس الثلاثة هم الرجل والمرأة والطفل ؛ حيث أن المرأة يربط الله بينها وبين الرجل " .
كما قال القديس باسيليوس الكبير "الزواج المقرون بالبركة يجمع المتباعدين " .
واخيرا قال القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو " نحن لا ننكر أن الزواج قد قدسه المسيح ؛ حيث أنه يقول مقولته المقدسة "ويصير الاثنا جسدا واحد ؛فنحن نعترف بأن الله هو سيد الزواج وحارسه " .
ولعل القضية الكبري التي شغلت قلب وعقل نيافة الانبا غريغوريوس كثيرا هي قضية لاهوت السيد المسيح ؛ ولقد دعم هذه القضية بالعديد والعديد من نصوص وكتابات الاباء ؛ ففي شرحه لعبارة السيد المسيح "انت بطرس وعلي هذه الصخرة أبني كنيستي ؛استعان بالعديد والعديد من كتابات الاباء التي تثبت أن المقصود بالصخرة هنا هو السيد المسيح ؛ فمثلا القديس أثناسيوس الرسول قال " حقا أن إيمانك هو في قديسيك الذين هم في كل جيل أرضوك ؛فإنك قد بنيت كنيستك علي إيمكانك وبوابات الجحيم لن تقوي عليها " .
كما قال القديس يوحنا ذهبي الفم (347- 407 ) " مبارك أنت يا سمعان بن يونا ؛ لأنه ليس لحما ودما الذي كشف لك هذا ....... وإني علي هذه الصخرة سأبني كنيستي ..... أي علي الإيمان بهذا الاعتراف " .
وقال أيضا القديس كيرلس الكبير ( 412- 444 م ) "قال المسيح أنت بطرس ؛ وإني علي هذه الصخرة سأبني كنيستي ؛ والصخرة فيما أعتقد هي إيمان التلميذ الذي لا يتزعزع " .
وقال أخيرا القديس أوغسطينوس (354- 430) " قال الرب إني علي هذه الصخرة سأبني كنيستي .... علي هذه الصخرة ؛ إذن يقول علي ما أعترفت به . سأبني كنيستي . والصخرة كانت هي المسيح وعلي أساسها بني بطرس هو نفسه . لأنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غير الموضوع وهو يسوع المسيح " .
وفي تفسيره لفقرة "خبزنا الآتي " في تفسير الصلاة الربانية ؛أقتبس العديد والعديد من نصوص الآباء .
فمثلا القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد قال " هكذا تعلمنا أن الغذاء الذي يتقدس بألفاظ الصلوات التي نطق بها المسيح وبه يتغذي لحمنا ودمنا بواسطة التحول ؛هو لحم ودم يسوع ذاك المتجسد " .
كما قال العلامة ترتليانوس " إننا نغتذي بجسد المسيح ودمه " .وقال أيضا القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة " فخبز الحياة هو المسيح ؛ وهذا الخبز ليس لأي كان إنما هو لنا هو خبزنا وكما ندعو الله أبانا لأنه أبو المؤمنين ؛فهكذا ندعو المسيح خبزنا لأنه خبز من يتحدون بجسده " .
وعندما كتب الانبا غريغوريوس عن أهمية الكتاب المقدس ؛ استشهد ببعض كتابات الآباء مثل القديس غريغوريوس الناطق بالالهيات ؛الذي وصف عمق وبساطة الكتاب المقدس في نفس الوقت بعبارة بليغة وجميلة هي "أنه المجري الذي يستطيع فيه الحمل أن يخوض والفيل أن يسبح " . واعتبره القديس يوحنا ذهبي الفم سفينة النجاة إذ قال " اتخذ الكتاب الإلهي سفينة في لجة هذه الحياة وانشر عليها شراع الإيمان فإنك تبلغ المرفأ الأمين بسلام ".
وأخيرا ؛ ومن النصوص الدفاعية التي استشهد بها الانبا غريغوريوس في صحة الإيمان المسيحي نص للعلامة ترتليانوس يقول فيه " لماذا يعذب المسيحيون ويضطهدون ؟ ألجريمة أرتكبوها ؟ فتش أيها الملك إن كنت تجد بين المسيحين قاتلا أو زانيا أو خائنا .إنك لن تجد بينهم مجرما واحد إلا إذا كانت جريمته الوحيدة أنه مسيحي ".