فى ذكراه.. محمد فوزى نهر الفن الذى لا ينضب كنهر النيل
محمد فوزي نهر الفن الذي لا ينضب كنهر النيل، حتى لو غاب الجسد، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1966، صاحب المواهب المتعددة، فهو أول من أسس مصنعًا للأسطوانات في الشرق الأوسط "مصرفون"، وهو من وضع لحن النشيد الوطني الجزائري في أقل من ساعتين وأهداه بالمجان إلى ثوار الجزائر.
محمد فوزي الذي ارتبطت به الأجيال، جيلًا بعد جيل، من خلال أغنيته الأشهر عن شهر رمضان، فمن منا لا يتذكر أول ما تأتي سيرة الشهر الفضيل، أغنيته المرحة "هاتوا الفوانيس يا ولاد" فتستدعي في ذاكرته أيام الصبا والطفولة، وهو ما يتجلي في أغنيته للأطفال "ماما زمانها جاية".
من ينسى محمد فوزي الذي لا ينضب خياله الإبداعي، فمن الوقائع المعروفة عنه استعانته بالأصوات البشرية بديلًا عن الآلات الموسيقية عندما تخلفت الفرقة عن موعدها، فاستخدم أصوات الكورال الرجالية والنسائية بديلًا عن الكمان والقانون وغيرها من الآلات الموسيقية في أغنيته "كلمني طمني".
من منا لا يتذكر أدواره السينمائية الخالدة، والتي ترك من خلالها بصمة مميزة له وحده عبر أدواره التي قدمها في حوالي 36 فيلمًا سينمائيًا، ولا خفة ظله التي لا تخطئها قريحة في أفلام: شحات الغرام، فاطمة وماريكا وراشيل، الزوجة السابعة، بنات حواء، كل دقة في قلبي، الآنسة ماما، ابن للإيجار، وغيرها العديد من الأفلام البارزة في تاريخ السينما المصرية والتي حملت بصمة محمد فوزي.
محمد فوزي الذي عرف عنه نبله وشهامته، ووصف بأخلاق الفرسان في الوسط الفني المصري، فمما يؤثر عنه، أنه عندما طلبت منه كوكب الشرق أم كلثوم لحنًا لتغنيه، اقترح عليها وقدم لها الملحن الشاب في ذلك الوقت بليغ حمدي، ليقدم لها الأخير أغنية "حب إيه" لتكون انطلاقته في عالم الفن والموسيقي.
ــ محمد فوزي أخ غيور على شقيقاته
وفي كتابه الأخير الذي قدمه قبل رحيله عن عالمنا، والصادر بعنوان "حكايات العمر كله"، يقول الفنان سمير صبري عن محمد فوزي: "كان حلم حياتي أن أكون مثل محمد فوزي الذي لم التق به، فقد رحل قبل بداياتي في الفن. وعندما جاءت لي فرصة تمثيل شخصيته في مسلسل إذاعي رمضاني، اسمه "عوام على بر الهوي"، في إذاعة الشباب والرياضة، حرصت على معرفة كل شيء عن هذا الفنان العبقري في النغم، وفي عشقه للحياة".
التقيت شقيقته الفنانة هدى سلطان، وحدثتني عن محمد فوزي الأخ الغيور على أخواته، الذي كان يرفض أن تغني، أو تعمل في الفن، وعندما عرف أنها غنت في الإذاعة دون علمه، بعد طلاقها، أخذ مسدسًا وذهب إلى استديو النحاس يبحث عنها، حيث كانت تمثل فيه فيلم "ست الحسن"، وكان يريد أن يقتلها، فخرج إليه فريد شوقي، وقال له إنه تزوجها، وإنه هو المسئول عنها، ورغم ذلك قاطعها لرفضه عملها في الفن لعدة سنوات.
ــ أما همشي موسيقاي ستكون مثل نهر النيل
ويضيف صبري: من يستمع لألحان محمد فوزي يشعر أنها ألحان حديثة، حيث برع في تقديم الألوان الموسيقية كافة، بدءًا من التواشيح الدينية، حيث نشأ محمد فوزي في طنطا بجانب مسجد السيد البدوي، فأثرت فيه الألحان الصوفية التي استمع إليها في طفولته.
وعندما عاد محمد فوزي من لندن إلى مصر عقب مرضه الذي حار الأطباء في تشخيصه أو علاجه، جمع أولاده ووقف أمام منزله في جاردن سيتي على النيل، وقال لهم: "أما همشي موسيقاي وأغاني ستكون مثل نهر النيل، ليست لها بداية ولا نهاية، وستبقى موسيقاي عايشة في قلوب الناس".
ويشدد صبري على: "كان محمد فوزي إنسانًا عظيمًا جدًا، ومات في أكتوبر وهو في الثامنة والأربعين من العمر، مثله مثل عبدالحليم حافظ، مات صغيرًا جدًا، وأعتقد أن فن محمد فوزي سيبقي متدفقًا في حياتنا فعلًا مثل نهر النيل".