عبور الأزمة
مصر على وشك توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولى.. الخطوة لها عدة مؤشرات إيجابية رغم كل تحفظ، أول هذه المؤشرات أن الاقتصاد المصرى يستند إلى أساس قوى، وأنه قادر على تجاوز آثار الأزمة العالمية، فالصندوق ليس مؤسسة خيرية، والمسئولون عنه ليسوا من ذوى القلوب الرقيقة، هم اقتصاديون محترفون، يتخذون قرارهم بعد دراسة دقيقة، وتقديرات متعددة، ومفاوضات شرسة، والمعنى النهائى لتوقيع الاتفاقية هو أن الاقتصاد المصرى قادر على تجاوز الأزمة، وشهادة الصندوق هى أقرب لشهادة طبيب بأن صحة المريض ممتازة وأن ما كان يعانى منه مجرد إرهاق عابر.. فالاقتصاد المصرى يستند إلى استثمارات ضخمة جعلته يحافظ على نسبة نمو عالية رغم أزمتى «كورونا- أوكرانيا».. أما الإرهاق الذى أصابه فهو أقرب لنزيف طارئ جراء حادث مفاجئ وهو سحب عشرين مليار دولار قيمة استثمارات أجنبية من السوق المصرية فجأة ودون سابق إنذار.. وقيل إن هذا لتأثير الأزمة الأوكرانية أو لأى سبب آخر.. ولا شك أن نقص الدولارات المفاجئ ترك آثارًا سلبية، لكن الأكيد أن كل الاحتياجات الضرورية كانت موجودة فى الأسواق بوفرة وباحتياطى إضافى لشهور مقبلة.. وأيًا كان تفسير خروج الدولارات من السوق المصرية، فالاتفاق مع الصندوق يضمن عودتها مرة أخرى لأنه أقرب إلى شهادة ضمان، ولا شك أن الدفعات التى سنحصل عليها ستتدفق فى شرايين الاقتصاد وتضمن الوفاء بقيمة مستلزمات الإنتاج والسلع الضرورية وتحل أزمات المستثمرين، ولا شك أيضًا أن هذا يعنى محاربة التضخم وإيقافه عند حده ومساعدة الحكومة فى السيطرة على الأسعار لأن وفرة السلع تساعد على استقرار الأسعار.. وبعيدًا عن المبلغ الذى سيدفعه الصندوق نفسه فقد أصبح من المتعارف عليه أن الاتفاق مع الصندوق يضمن تدفق الاستثمارات الأجنبية، سواء فى مجال المشروعات أو فى مجال السندات والأوراق المالية، لأن الصندوق أعطى شهادته بمتانة الاقتصاد وانفتاح آفاقه نحو المستقبل، بمعنى أنه لو لم يكن الصندوق مطمئنًا على قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها بانضباط تام لما أقدم على منحها المزيد من القروض، مع الأخذ فى الاعتبار أن ذلك لم يكن فى خطة مصر لولا تداعيات الأزمة العالمية، وتفاقمها، وسيرها نحو سيناريو المواجهة الطويلة والتصعيد، والأمر بالنسبة لنا يشبه شخصًا استثمر فى محل تجارى وجهزه للافتتاح ووضع فيه مدخراته، وفى يوم الافتتاح نشب حريق فى الشارع منع الناس من المجىء ومنع صاحب المشروع «الذى هو مصر» من افتتاحه.. وفى مثل هذه الحالات ليس أمام صاحب المشروع سوى زيادة استثماراته، والحفاظ على ما أنجزه فى المشروع وصيانته من عوامل الزمن، وانتظار إزالة آثار الحريق وعودة الحياة لطبيعتها فى الشارع، وهو بلا شك أمر متعب، ومرهق، ومكلف، لكن هذه هى الحياة واختباراتها و«مقالبها»، فالحياة ليست نزهة خلوية سوى فى عقول الكسالى الذين لم يعيشوها بالفعل.. فى كل الأحوال مبروك علينا شهادة الثقة من الطبيب الكبير حتى لو كان ثقيل الظل بالنسبة لبعضنا، وهى خطوة تمثل مؤشرًا للانفراج وستتبعها خطوات أخرى بإذن الله.