بعد حصولها على وسام فارس.. مي التلمساني: حين أعجز عن القراءة أو الكتابة أشعر أن الموت وشيك (حوار)
مي التلمساني هي ابنة المخرج الكبير الراحل عبد القادر التلمساني وهي المتفردة في كافة تجلياتها الإبداعية وفي مسارات متعددة الجماليات والرهافة، مستعينة بالحس الإنساني، وحواس بصرية ودلالية متعددة الرموز والتأويلات والتفاسير.
للغات ثلاثة ترجمت أعمال التلمساني، وحصدت جائزة الدولة التشجيعية عن روايتها "دنيا زاد"، تلاها الكثير من الجوائز والتقديرات
تعد الروائية مي التلمساني إحدى أبرز الكاتبات الشابات بمصر أو ما اصطلح بتسميته «أدب التسعينيات» الى جانب نورا أمين وميرال الطحاوي ومنتصر القفاش ومصطفى ذكري، وغيرهم الكثير.
ترجمت روايتها «دنيازاد» الصادرة عام 1997 إلى ست لغات وحصلت على جوائز، أبرزها جائزة «آرت مار» لأفضل عمل أول في البحر الأبيض المتوسط من مهرجان باستيا بجنوب فرنسا عن الترجمة الفرنسية لروايتها عام 2001، وجائزة الدولة التشجيعية لأدب السيرة الذاتية من وزارة الثقافة المصرية عن نفس الرواية عام 2002.
والى جانب الرواية فإنها تكتب القصة أيضا ومن مجموعاتها القصصية: «نحت متكرر» 1995، «خيانات ذهنية» 1999، ومن أعمالها الروائية هي رواية «هليوبوليس». كما أن لها دراسات وترجمات منها: «السينما العربية من الخليج الى المحيط» 1994، «فؤاد التهامي وزهرة المستحيل» 1995، «لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي» 1999 و«المدارس الجمالية الكبرى»2001. وأكابيلا وأخيرا روايتها المدهشة " الكل يقول أحبك" والتي جاءت قبل حصولها على وسام العلوم والفنون بدرجة فارس من قبل الحكومة الفرنسية الشهر منذ شهور.
الدستور التقت مي التلمساني وكان هذا الحوار..
بعد صدور روايتك الأخيرة الكل يقول أحبك، ليتك تحدثينا عن الدوافع الملحة التي مثلت لك كل التحفيز لكتابة هذا العمل الأثير؟
تجربتان في حياتي كان لهما التأثير الأكبر في كتابة تلك الرواية، وهي الأولى من ثلاثية أعكف على كتابتها حاليا تدور أحداثها في كندا. التجربة الأولى هي الهجرة للدراسة والعمل خارج مصر، والانخراط في مجتمع المهاجرين في شمال أمريكا، والثانية هي تجربة الحب عن بعد، حيث أقمت على مدار ما يقرب من خمسة عشر عاما بعيدا عن عائلتي الصغيرة بسبب عملي بجامعة “أوتاوا” وسفر الأبناء للدراسة في مدن وبلدان مختلفة، أردت الدمج بين التجربتين بمضاهاة الحب الصغير والحب الكبير، حب الأسرة وحب الوطن الأم، من خلال خمس شخصيات تتحرك في أفلاك متنوعة وتلتقي بالمصادفة على طرق السفر، في قطار أو في مطار، ربما كان الدافع الأول هو فهم التجربتين من خلال الكتابة، وأثناء الكتابة اكتشفت أني أكتب عن نفسي وعن ما أعرفه عن الآخرين من حولي، عن الحبل السري الذي يربطنا كعرب بأوطاننا رغم المسافات، وعن محاولة البعض تعويض البتر المؤلم الذي تخلفه عملية الهجرة بالخوض في قصص الحب وتبرير الخيانات المتكررة.
_في الكل يقول أحبك كان هناك العديد من رؤى الاغتراب والترحال في الواقع والسفر والهجرة وقراءة الذات فما هي ردودك في هذا الإطار التأويلي؟
الكل يقول أُحبُك رواية عن الطريق، الحب عن بعد، الهجرة، العالم عند الحافة من وباء كاسح من شأنه أن يغير -ربما إلى الأبد- طرق العيش والحب والزواج. تتشكل الرواية مثل أفلام الطريق أو ما يسمى "road movie"، حيث تتقاطع مصائر الشخصيات مصادفةً، في قطار، في طائرة، أو على طرق سريعة، وتتخلق أحداثها تحت أعين القارئ عبر حديث عابر أو ذكرى بعيدة تطفو فجأة لتحتل المشهد. الكل يقول كلمة "أحبك" في الواقع وفي الخيال، في لقاء قصير أو في محادثة سرية على الهاتف أو الإيميل. أما العنوان فهو مستوحى من عنوان أغنية أمريكية خفيفة صدرت في ثلاثينيات القرن العشرين، كما اختاره المخرج الأمريكي وودي آلن عنوانا لفيلم من أفلامه عام 1996، تتعامل الرواية مع إشكالية الحب عن بعد وحب أكثر من شخص في الوقت ذاته، لكنها تضع هذا في إطار ظاهرة كونية تمس شرائح مختلفة من المجتمعات الحديثة، المهاجرين والعمال الموسميين على حد سواء.
الشخصيات إذن في حالة حركة دائبة بين المدن والبلاد والقارات. الكل يتحايل على الغربة والافتقاد بالحركة، بين تورونتو الكندية والقاهرة، ديروتا الإيطالية والإسكندرية، ديترويت الأمريكية، وحلب الشهباء.
البعض يسعى لرأب صدوع الروح التي تخلفها الهجرة، والبعض الآخر يمعن النظر في مرآة الآخر لعله يرى ذاته. في تلك الحركة ثمة ألعاب تخص المرآة والقرين وتشابهات وتقاطعات كثيرة ومدهشة بين شخصيات تدور في عالم شبه منغلق على نفسه، عالم المهاجرين العرب الكنديين والأمريكيين، من ولد هناك ومن هاجر متأخرا، رجال ونساء، أزواج وزوجات، نازحون، لاجئون، إلخ.
عادة ما يلتقي هؤلاء في أماكن الترانزيت، وترتبط حيواتهم في الماضي البعيد بحاضرهم الراهن المؤقت. يضنيهم أحياناً الشوق إلى الحب الحقيقي، الممتد في الزمن أو العابر، كما يضنيهم الاغتراب عن الأوطان فيشرعون في مطاردة وهم الحب ولو عن بعد، وتحويل الأوطان إلى أسطورة حتى ولو ملفقة.
_عن الذاتي والنفسي الاجتماعي في عالمك السردي وتحديدا في عملك الأخير هل انت مقتنعة بتفسيرات النقاد حول تماهيك الدائم من واقعك اليومي وطروحاته وهذا سبب تفرد مسارك بين كتابات وكتاب جيلك؟
لأني أمارس النقد الأدبي والسينمائي، تجدني لا أعترض كثيرا على تأويلات الزملاء في مجال النقد، خاصة وأني أعتبر هذه التأويلات اجتهادات في سبيل إضاءة العمل - أشكرهم وأشكرهن عليها- ولكننا نعلم جميعا أنها ليست مطلقة أو أبدية، ثمة وشائج لا سبيل لإخفائها بين الذاتي والجمعي فيما أكتب، ولا أعتقد أني أنكرت ذلك في يوم من الأيام، بل احتفيت بأصوات السيرة الذاتية من منطلق قد يكون "نضالي" بمعنى من المعاني، كوني امرأة تكتب بالعربية في سياق مجتمعات تتلصص على المرأة وتقهرها في آن واحد، ربما يحصر البعض ما أنجزته حتى الآن (ثمان أعمال أدبية) في مسألة التماهي بين السيرة والكتابة، ولكن بالنظر لعمق وتنوع ما كتب من نقد أكاديمي وغير أكاديمي، أعتبر نفسي محظوظة فعليا بما أثارته تلك الكتابات من قضايا وأطروحات. أما تعيين التفرد فقضية شائكة لم ينتبه إليها الكثيرون. في النهاية فإن سوق النشر الأدبي متسعة والتأريخ لما كتبت على مدار ما يقرب من ثلاثين عاما والنظر لتأثيراته على آخرين وأخريات مسألة تتطلب جهدا أكبر.
_بعد حصولك على وسام الآداب والفنون الفرنسي ماذا وكيف ترصدين رحلة الكاتبة والأكاديمية مي التلمساني من واقع تلك القفزات او النجاحات؟
الوسام اعتراف بما تم في الماضي وايحاء -ربما لا يكون في محله- بإمكانية الثقة في المستقبل، أعتقد أني كنت بحاجة للاعتراف واستعادة الثقة بنفسي كإنسانة وككاتبة في تلك المحطة الهامة من حياتي الخاصة والمهنية، أشعر وكأني كنت على عتبة تغيير كبير، بما يحمله التغيير من مخاوف وحيرة، ولم ينته عام 2021 إلا وكنت قد حسمت أموري الخاصة وأهداني الوسام لحظة طمأنينة فيما يخص مستقبل الكتابة والعمل الثقافي. الرحلة إذن لم تكف عن البدء من جديد، الرحلة مستمرة وثبا، وكل بداية جديدة تحمل وعدا وأملا وثقة في أن الفشل والنجاح ما هي إلا مسائل نسبية ووقتية، الأهم والأكثر ثباتا من الفشل والنجاح هي الرغبة في الاستمرار.
_رغم كل النجاحات التي حققتها الكاتبة مي التلمساني ألا أنك دائما ما تخفين الكثير من الحزن وتحديدا تجاه ما وصلت اليه مجتمعيا مفاهيم الحرية والعدالة؟ كيف ترين نوافذ الخروج من هذه الحالة وماهو دور الكاتب الحقيقي في تدعيم تلك الثوابت؟
انتبهت بالحديث مؤخرا مع طبيبي النفسي أن مشاعر الحزن لدي ربما تكون تعويضا عن الغضب أو درءا له، أدركت أن الشعورين يقفان على الطرف النقيض من بعضهما البعض في عالمنا المعاصر بصفة عامة، مرة أخرى تجدني أفهم شيئا عن نفسي يعينني على فهم العالم المحيط بي، أنا، أو نحن، نحزن كثيرا ونغضب قليلا، انتبهت لأن الغضب ضرورة للتغيير تماما كما حدث في ثورات الربيع العربي. الغضب يجب أن يكون بديلا للحزن، لا أظن أني أخفى مشاعر الحزن لكني بالتأكيد أسعى لأن يكون الحزن فاعلا، فما جدوى المعاناة لو لم نكتبها أو نكتب من وحيها. ولا أظن أني أمجد الحزن على حساب الأمل في التغيير، بالعكس، فحتى الحزن الجماعي المطروح في روايتي الأخيرة يأتي بوصفه دافعا للتغيير، تغيير نظرتنا للآخر، تغيير مصائرنا بالثورة.
_مي التلمساني ومساراتها المتعددة مابين الأدب والسينما والترجمة عبر ثلاثة عقود ويزيد، فأي المسارات الإبداعية والجمالية التي ترينها أقرب لروحك الفنية والثقافية الفكرية؟
مسارات متشابكة لا أقوى فعليا على حسم كفة أحدها على حساب الآخر، إجمالا أكتب في الأدب، في السينما، في الترجمة، في النقد الثقافي، لا أكف عن الكتابة، الكتابة هي الأقرب لروح الفن والفكر التي تتقد بداخلي، ولا أخفي عليك أنها والقراءة متصلتان، قراءة عمل أدبي أو سينمائي أو أوبرا أو لوحة فن تشكيلي، كل القراءات لقاء بيني وبين آخرين، تتسع له رقعة الكون فجأة وأصبح أنا وهم واحدا، لا يتسق النهار إلا بالكتابة والقراءة، وحين أعجز عن أيهما أشعر بأن الموت وشيك أو أن السماء تطبق على روحي.
_عن الأنا والآخر في مراياك السردية وظلال رؤاك للغرب والتي طرحتيها كثيرا في كتاباتك وأحاديثك، كيف ترى مي التلمساني مستقبل العالم الفكري والثقافي في ظل تلك النكسات والانتكاسات في الشأن السياسي والاقتصادي والديني؟
العالم الفكري والثقافي بخير على عكس عالم السياسة والاقتصاد حيث تتسيد الديكتاتوريات وتنتشر دعاوى اليمين المتطرف وتتوحش الرأسمالية على حساب الشعوب والأغلبية الصامتة. لا أدري سر هذا التناقض بين المنجز الثقافي والانحطاط السياسي سوى ربما كون دوائر الفكر والثقافة هي أيضا دوائر للنضال ضد السلطات السياسية والدينية وغيرها ومقاومة العنف السياسي والمجتمعي. في الكتابة أسعى لأن تكون منطقة الأدب والنقد الأكاديمي منطقة لطرح الأسئلة الإنسانية والاجتماعية الملحة: رفض ثنائيات الأنا والآخر، فضح العنف الذكوري ضد المرأة، الاحتفاء بالحريات والمطالبة بها، المناداة بعدالة اجتماعية كونية بين الأفراد في المجتمع الواحد وبين الشعوب شمالا وجنوبا. والمستقبل لمن يقوى على الصمود في وجه العنف بكافة أشكاله، لمن يروج لسياسات الأمل وينهض ضد سياسات اليأس.
_دائما ما أرى أن هناك شخوص أو بطلات جوانيات تطل ظلالهم وظلالهن في كتاباتك الروائية والقصصية وكأنك تكتبين عن عالم خارج عن ذاتك بل يخص الوجود فهل توافقين على انك تكتبين شبه سير ذاتية تتماس مع أزمات العالم وخاصة المرأة فيه؟
أتفق تماما مع هذا التحليل وأشكرك عليه، السيرة متكأ أو منطقة استكشاف للنهوض والتجاوز. لم تكن الأنا يوما محورا هاما فيما أكتب إلا كونها توصلني بالآخرين على اتساع رقعة الأرض. وهي أداة اعتراف وكشف لا أخجل منها، لأنها تتماس مع العالم بصدق وتنأى عن النرجسية المدمرة.
_عن دور النشر المصرية والعربية التي تعاملت معها الكاتبة مي التلمساني.ليتك تحددين تلك الآليات الخاصة التي تدفعك او تحمسك للتعاقد معها وعلى أي الأسس تختارين الناشر؟
تعاملت مع عدد محدود من دور النشر الحكومية والخاصة، مع هيئة الكتاب في الأدب والترجمة، ومع هيئة قصور الثقافة والمركز القومي للترجمة أيضا، وهي من التجارب الهامة في مسار الكتابة حيث سمحت بوصول ما أكتب لرقعة أكبر من القراء في مصر، أما الدور الخاصة فلدي تجارب مثمرة مع شرقيات والمصرية اللبنانية والآداب ومؤخرا دار الشروق، ما يهمني في المقام الأول، في الماضي كما في الحاضر، أن تظهر الكتب في مكان محدد وأن يعاد طبعها بانتظام، لم يحدث هذا في الماضي كما كنت أتمنى، لكن وجود الروايات الأربع في دار الشروق حاليا يحقق هذا الهدف من حيث الانتشار في مصر والخروج للعالم العربي والتواجد في المكتبات وعلى المنصات الالكترونية. أختار الناشر الذي يقرأ العمل ويناقشه، ويؤسفني أحيانا ألا يكون الكتاب متاحا أو أن يتم حجبه لمصلحة كتب أخرى أقل ما يقال عنها إنها متواضعة القيمة، لكني لا أتوقف كثيرا عند مشاعر الأسف كوني أعول على التاريخ وأثق في أن الفرز يحدث الآن وفي المستقبل.
_بعد عودتك الأخيرة من كندا كيف ترى مي التلمساني خطواتها القادمة وهل ستمكثين بمصر أم أن هناك عتبات اخرى جديرة بطرقها في مسار الفن والأدب؟
الإجازة السنوية في مصر باتت أمرا مفروغا منه، أما العودة النهائية فأرتب لها حاليا، أريد الانتقال للعيش بشكل دائم في مصروالانتقال منها إلى أماكن أخرى في أوروبا إن استطعت. العتبة الأهم حاليا هي انهاء عملي الأكاديمي والتفرغ للعمل الإبداعي والثقافي. أنشأت بيت التلمساني ليضم مكتبة أبي وليكون دارا لاستقبال الكاتبات والكتاب من مصر والعالم لهذا الهدف، هدف العودة. وفي مجال الكتابة، ستكون لتجربة العودة مكان الصدارة في السنوات القادمة. أعتقد أن رحلة العودة بدأت بثورة يناير ولم تصل لمنتهاها بعد.
_عن جيل التسعينيات ان كنت تؤمنين بمسألة المجايلة، كيف ترين هذا الجيل الآن ومن هم أقرب رموزه اليك في فن السرد او الإنساني؟
الأقرب إلى قلبي هو منتصر القفاش، فهو خارج سرب الكتابة الإبداعية الحالية، يحفر بدأب في منطقة صغيرة تتسع باتساع العالم، وهو المتحرر من السيرة الذاتية الموغل فيها في الوقت نفسه لمن يرصد تطور كتاباته الروائية والقصصية، وهو الذي أسس لأسلوبه الخاص في الكتابة، تدركه من السطور الأولى لأي نص من توقيعه. وكذلك أعتبر نفسي من أشد المعجبات بشعر فاطمة قنديل، وأتصور أن عملها السردي الأخير "أقفاص فارغة" عمل ملهم وتجربة فريدة تجمع بين الشعر والنثر والسيرة بشكل رائع. كذلك أتابع بانتظام كل ما كتب ياسر عبد اللطيف، أحمد يماني، هيثم الورداني وأعتبر أعمال هؤلاء بلا استثناء من أقوى ما قرأت في السنوات العشر الأخيرة، ولكل منهم أسلوبه وبصمته الخاصة التي لا تخفى على القارئ. كما أحب كتابات الصديقان عادل عصمت وميرال الطحاوي وكلاهما يحفر مسارا يخصه أيضا، الكل من أبناء هذا الجيل يضيف لخريطة الأدب المصري والعربي، وهو الجيل (لو شئنا تعيين الفترة الزمنية) الذي يتصدر المشهد الأدبي الحالي بأعمال وتجارب ملهمة، جنبا إلى جنب مع الأجيال التالية.
_بعد حصول الفرنسية آني آرنو على جائزة نوبل كيف ترين مؤثرات هذا الحدث على الآداب والأدباء مصري وعربي وفرنسي أوروبي او غربي؟
أرى التأثير كبيرا على منظور القارئ عامة والقارئ العربي خاصة لما يسمى بأدب السيرة الذاتية أو التخييل الذاتي الذي تكتبه النساء تحديدا. نوبل ستتيح الفرصة لقراء آني إرنو في العالم كله لإعادة النظر في تقييم هذا النوع من الأدب ورفعه لمصاف الأنواع المتسيدة في القرنين العشرين والواحد والعشرين مثل الرواية التاريخية أو الرواية الواقعية الاجتماعية أو الرواية الملتزمة بالمعنى الفرنسي للكلمة... ثمة تقاطعات كثيرة بين ما تكتبه إرنو وكل تلك الأنواع على أية حال، فهي أيضا معنية بالتاريخ المعاصر وبالواقع الاجتماعي وبالالتزام اليساري، لكن منطلقاتها ودأبها في تأكيد تلك المنطلقات هو ما يلفت النظر ويمثل صك اعتراف لا يستهان به في مجال كتابات المرأة اليوم حيث لم يعد ممكنا أن نستهين بتلك الكتابات ولا أن نحصرها في منطقة البوح الذاتي أو التلصص على مشاعر الأنثى كآخر بعيد أو غريب أو عاطفي إلى آخر تلك المقولات الساذجة.