صندوق الشكاوى شمال فى يمين
مفيش أي داعي لـ الاجتهاد والتعب، والدراسة والجدية، والموهبة وتنمية الإمكانيات، آدي واحد أهو عمل فيديو تافه جدا، بـ دون أي مجهود يذكر، أو موهبة في أي حاجة، وتعاقد على إعلان مقابل مئات الآلاف من الجنيهات، في النهاية الهلس بـ ينتصر".
مشكلة العبارة السابقة وما شابهها من أحكام، إنه لـ المرة المليار بـ نستنتج أحكام شديدة العمومية من أمر شديد الخصوصية، وخلينا نجيبها من الأول:
في الواقع، كلنا كلنا كلنا بياعين، بـ معنى إننا بـ نسعى لـ إنتاج شيء يشتريه منا آخرون، حتى العلم والفكر والإبداع والـ والـ والـ، كل واحد بـ يسعى يبيع منتجه. لو منتجك دا مثلا بحث علمي، فـ إنت بـ تدور على جامعة أو مؤسسة تشتريه.
لـ ذلك، دايما لما حد يقول قدامي مثلا: "الفيلم دا تجاري"، بـ أسأله: وهل فيه فيلم مش تجاري؟
حتى أفلام المهرجانات، الأفلام المستقلة، أي أفلام، هل فيه حد بـ ينتج فيلم ويصرف عليه من جيبه، فقط كدا لـ الفن من أجل الفن؟
لا، حضرتك بـ تسعى لـ تمويل من جهة، جايزة مالية من جهة، أي شيء، لكنك في النهاية تسعى لـ "بيع" الفيلم، المختلف فقط هو الزبون المفترض.
المهم، هل هناك أي قاعدة في الدنيا تبني عليها حساباتك في بيع منتجك أيا كان؟ الإجابة: كلا البتة! مفيش أي قاعدة مطردة ونهائية، ودا مش بس في مصر، إنما في كل العالمين.
فيه ناس بـ تبيع من خلال سوق، يعني تنضم لـ جماعة ما، وسَط ما، بـ ينتج شيء ما، وكونه جزء من هذا الوسط بـ يتيح له فرص أكبر. فيه ناس بـ تبيع منفردة، فيه ناس بـ تبيع جملة، فيه ناس بـ تبيع قطاعي، فيه ناس بـ تحاول تعمل نظام، يحقق لها فرص أكبر. فيه ناس بـ تسيبها لـ الصدفة، فيه ناس بـ تجهز نفسها، فيه ناس بـ تسيب نفسها لـ الحياة تجهزها، فيه وفيه وفيه وفيه.
لكن، في الأغلب، كل واحد فينا بـ يفترض إنه طريقته في أن يكون مُنتجًا هي الطريقة الصح والسليمة والعادلة، وبناء عليه بـ يفترض افتراضين:
أولا، هو نفسه عمل اللي عليه، بـ التالي حصوله على مقابل مُرضي هو أمر بديهي "مستحق".
ثانيا، اللي ما عملش اللي هو عمله المفروض ما يحصلش على حاجة، أو يحصل على حاجات بسيطة أقل منه بداهة.
الكلام دا مالوش علاقة بـ الواقع، الواقع بـ يقول إنه "الكورة إجوان"، وكل واحد بـ يحصل على حاجة بـ يكون نتيجة إنه وجد من يشتري بضاعته "الآن"، اشتراها ليه؟ مش مهم.
سيبك من الشاب دا، اللي بـ المناسبة حصل على مقابل زهيد لـ بضاعته، تريند مكتسح منطقة فيها مئات الملايين من البشر بـ أقل من نص مليون جنيه، يا بلااااااش!، سيبك منه، خلينا مثلا في اللي بـ يكسب اللوتارية، اليانصيب يعني، أهو دا واحد كسب ملايين الملايين لـ إنه اشترى ورقة بـ عشرين جنيه، حتى الهلس ما عملوش، دا تقول فيه إيه؟
ما أقولش، هو لجأ إلى القمار، هو وملايين البشر زيه، هـ ندفع مبالغ بسيطة لـ شخص ما/ مؤسسة ما، المبالغ البسيطة دي هـ تعمل مبلغ ضخم جدا جدا، نعمل سحب، واحد ياخد أغلب هذا المبلغ، وأنا كـ منظم هـ آخد نسبة من المبلغ، ديل؟ ديل!
"ديل" له قواعد واضحة، واحد اشترى "احتمال" ودفع تمنه "حقيقة"، مفيش غرابة إنه الاحتمال دا ما يتحققش، ومفيش غرابة إنه يتحقق، لـ إنه أكيد فيه واحد على الأقل هـ يكسب اليانصيب.
كذلك مراهنات كرة القدم أو المنافسات الرياضية عموما، حضرتك بـ تحط دولار، ممكن يرجع لك عشرة/ مية/ ألف/ مليون أو اكتر، وممكن جدا جدا ما يرجعش، في الأغلب مش هـ يرجع.
فيه مجالات كتير طبيعتها بـ تخليها أقرب لـ اليانصيب، زي مجالات الترفيه بـ شكل عام، فنون الأداء وكرة القدم وما شابهها، لو لفقت بـ تكسبك أرقام كبيرة، ولو ما لفقتش «ودا الغالب» بـ تعيش حياة فيها قدر من المعاناة، يتجاوز المعتاد على نحو كبير، يعني اللي داخل هذا المجال هو ابن الصدفة غالبا، مش لـ إنها عديمة القيمة أو الأهمية، لكن لـ إن معاييرها مش ممسوكة على نحو حسابي.
كلامنا دا قد لا يشمل الفنانين اللي عندهم "مشروع"، زي عمرو دياب وتامر حسني وأحمد سعد وخلافه، لـ إنه دول ليهم كلام منفصل، بـ نتكلم هنا عن الطفرات غير الممنهجة، زي علي حميدة مثلا.
لكن كووول دول، عندهم مشروع أو ما عندهمش، موجودين بـ الصدفة أو العلاقات أو الواسطة أو "الموهبة"، قدر المخاطرة عندهم كبير ونسب النجاح ضئيلة، وقصاد كل واحد منهم بـ يكسب كتير، فيه ألوف وألوف مش بـ تلاقي حق العشا، ومن كل عشر نجوم كبار، بـ الكتير اتنين تلاتة بـ يستمروا لـ فترات طويلة، ونادرة النوادر إنه حد منهم يكمل حياته كلها نجم، فين أحمد عبدالعزيز دلوقتي؟ فين محمد رياض؟ فين علاء سلام؟ فين حسن عبدالمجيد؟
يبقى حضرتك بـ تجتهد ليه؟ علشان ما تبقاش ابن الصدفة دي، عشان تلاقي "وظيفة"، وظيفة يعني زبون دائم أو شبه دائم، مجال ينفع تترقى فيه بـ منطقية وطريقة محسوبة، فـ نسبة المخاطرة هنا أقل، فـ طبيعي المكسب «لما تكسب» يبقى أقل، فـ الحكاية بـ أشوفها "موزونة"
هل هي عادلة؟
لأ، مفيش حاجة أساسا اسمها عدل أصلا، إنما فيه توازن، وعموما، أنا أفضل إني أفكني من العدل غير الموجود، والمتوازن المتحقق، وأخليني في اللي بـ أعمله وأملكه ومحاولاتي لـ الحياة، وزي ما كان ناصر بـ يقول لـ أي شخص يكلمه عن صعوبات الحياة:
صندوق الشكاوى شمال فـ يمين، سيب ورقتك فيه.