الكاتب الإيطالى والباحث جيوفانى جياكالون: العالم مدين لمصر بنجاح الحرب على الإرهاب
قال الكاتب الإيطالى والباحث فى شئون الجماعات الإسلامية جيوفانى جياكالون، كبير المحللين فى الفريق الإيطالى للأمن والقضايا الإرهابية وإدارة الطوارئ فى الجامعة الكاثوليكية فى ميلان، إن توجيه ضربات قوية وحاسمة لمصادر تمويل جماعة الإخوان الإرهابية هو الفعل المناسب للقضاء عليها، معللًا تأخر إدراجها على القوائم السوداء فى أوروبا وأمريكا، للدور الذى تلعبه فى خدمة مصالح بعض الحكومات وأجهزة المخابرات الأجنبية.
وأشاد بالدور الرئيسى الذى لعبته ولا تزال تلعبه مصر فى التصدى للإخوان وغيرها من الجماعات التكفيرية، مطالبًا جميع دول العالم خاصة أوروبا بتعزيز التعاون مع القاهرة فى الملف الأمنى والاستخباراتى، لأنها ضمانة قوية لحفظ استقرار المنطقة بما لها من ثقل سياسى وعسكرى.
■ ما تقييمك للدور المصرى فى مواجهة ومكافحة الإرهاب والتطرف؟
- العالم مدين لمصر بنجاحها فى الحرب على الإرهاب، ومساندتها فى هذه الحرب أو فى أى جانب آخر واجب على الجميع، لأنها لعبت ولا تزال تلعب دورًا رئيسيًا فى مكافحة التطرف والإرهاب، ومن الظلم أن نحصر رؤيتنا لجهودها فى التصدى لجماعة الإخوان الإرهابية فقط.
مصر تحارب على أكثر من جبهة، وتتصدى للذئاب الضالة التى ترفع أعلام القاعدة وداعش وغيرهما من الجماعات التكفيرية، وهى شريك أساسى لمجابهة هذا الخطر بسبب أهمية موقعها الجغرافى الاستراتيجى، وتضمن الاستقرار الجيوسياسى فى المنطقة، لذلك فمن الواجب على أوروبا دعمها وتعزيز التعاون ومساندتها فى الحرب على التطرف والإرهاب.
■ كيف تتوقع مستقبل الإخوان على ضوء الضربات القاصمة التى تلقتها فى مصر وعدة دول عربية؟
- يمكننا القول إن الإخوان تمر بأسوأ مرحلة فى تاريخها، والشعوب فى العالم العربى باتت تدرك جيدًا مدى خطورة هذه الجماعة، والطريقة التى تتغلغل بها فى جميع قطاعات المجتمع. ولسوء الحظ، لا يبدو أن الجميع يفهم هذا فى الغرب، خاصة فى الساحتين السياسية والمؤسسية.
لا يزال البعض يدعى أنه بعد كل شىء، قد تكون جماعة الإخوان بطريقة ما متطرفة، ولكنها ليست إرهابية. مثل هذا التصريح يعنى بالفعل عدم وجود دليل على ماهية الإرهاب، لأن التطرف هو الأيديولوجية التى تغذى الإرهاب.
■ تقارير ودراسات كثيرة تستخدم وصف اختراق الإخوان لأوروبا.. فما تعليقك؟
- أعتقد أن اختراق الإسلام السياسى لأوروبا ليس وليد الساعة، لكنه حدث فى وقت سابق، من حقبة الحرب الباردة، فى القرن الماضى، حين كان الغرب بحاجة إلى حلفاء للتصدى للقومية العربية الاشتراكية التى كان يدعمها الاتحاد السوفيتى.
وجد الغرب فى الجماعات الإسلامية الاختيار المثالى للمهمة، ولهذا السبب وجدت كرم الضيافة فى أوروبا، فى البداية فى المملكة المتحدة حيث استقرت، ثم انتشرت فى بقية أنحاء القارة.
اعتبرت الحكومات الغربية وأجهزة المخابرات الإخوان شريكة مهمة فى الحرب على الاشتراكية التى يتبناها الاتحاد السوفيتى، وعقب انهيار الكتلة السوفيتية، تحولت الإخوان لـ«حصان طروادة» وأداة سياسية غربية لاستخدامها ضد الحكومات فى الدول العربية التى سبق أن دعمها الغرب.
على مر السنين، قدمت الإخوان نفسها للحكومات الأوروبية على أنها كيان معتدل وديمقراطى، بينما تابعت من ناحية أخرى أجندتها السياسية والعقائدية داخل المجتمعات الإسلامية.
تمكنت «الإخوان» من ممارسة ضغوط مكثفة داخل المؤسسة السياسية الأوروبية، ووفق تقارير حديثة، تلقت الجماعات والمنظمات التابعة للإخوان ما يقرب من ٨٠ مليون يورو كتمويل من الحكومات الأوروبية خلال العقد الماضى.
خلال ما يعرف بأحداث «الربيع العربى»، قدمت الحكومات الغربية بقيادة إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما الإخوان على أنها «القوة الديمقراطية الوحيدة» فى العالم العربى. ومع ذلك عندما تولى التنظيم السلطة فى مصر، أظهرت وجهها الحقيقى، الذى كان بعيدًا جدًا عن الديمقراطية والتسامح واحترام حقوق الإنسان.
وظّفت «الإخوان» عناصرها النشطة فى أوروبا كأدوات دعائية ضد بشار الأسد فى سوريا، كجزء من أجندة دولية للإطاحة به، وضد الحكومة المصرية الجديدة، بهدف تشويه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهذا يفسر جيدًا لماذا وجدت جماعة الإخوان مثل هذه الأرض الخصبة فى أوروبا.
■ ما وضع الإخوان فى إيطاليا وكيف تسللت إلى روما وما أبرز المنظمات التابعة وقياداتها؟
- نشاط الإخوان فى إيطاليا يعود إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضى، حين أصبح طلاب الجامعات القادمون من سوريا والأردن ناشطين دينيًا، وبدأوا فى فتح مراكز إسلامية سرعان ما أصبحت نشطة سياسيًا، وانتشر مثل هذا النشاط تدريجيًا فى جميع أنحاء البلاد وولد جمعيات وجماعات فرعية مختلفة تهدف إلى هيمنة التعليم الإسلامى، فضلًا عن أن تصبح الممثل الوحيد للإسلام فى إيطاليا.
فى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، فى إيطاليا، شهدنا دعمًا متكررًا للإخوان من جناح يسار الوسط، خاصة من بعض عناصر حزب «بارتيتو ديمقراطية»، الحزب الديمقراطى الإيطالى، وهذا لا يشكل مفاجأة، فبالنظر إلى قربها من الحزب الديمقراطى الأمريكى، أظهر الحزب الإيطالى ميلًا للإخوان، ومصر تعرف ذلك جيدًا.
أما بالنسبة لإيطاليا، فتجدر الإشارة إلى أنه فى ١٢ يونيو ٢٠٢٠، نشر الأمين العام للجامع الكبير فى روما، وهو أيضًا مقر «المركز الثقافى الإسلامى لإيطاليا- UCOII»، الدكتور عبدالله رضوان، بيانًا على صفحة المنظمة على فيسبوك، متهمًا «اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية فى إيطاليا- UCOII» بنشر المعلومات المزيفة والانتماء إلى جماعة الإخوان.
ووصف رئيسه السابق، الرئيس الحالى الفخرى، الطبيب السورى محمد نور داخان، بأنه «مؤسس جماعة الإخوان المسلمين فى إيطاليا».
كما اتهم «رضوان» منظمة UCOII بمهاجمة تلك الجمعيات الإسلامية التى لا تريد أن تكون تحت حكم الإخوان المسلمين، ودحض مزاعم منظمة UCOII بأنها صوت الأغلبية الإسلامية فى إيطاليا.
■ هناك حضور كبير لعناصر الإخوان فى فرنسا.. لماذا باريس على وجه التحديد؟
- تتمتع فرنسا بتاريخ طويل من هجرة المسلمين بسبب تاريخها الاستعمارى القوى، وبالتالى يعتبرها العديد من الجماعات الإسلامية، بما فى ذلك جماعة الإخوان، أرضًا خصبة جدًا لانتشار أيديولوجيتها، إضافة إلى ذلك، فإن بصمة فرنسا العلمانية تجعلها هدفًا مثاليًا لما يسمى دعاية «الإسلاموفوبيا».
■ لماذا لم تدرج أوروبا الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية رغم أفعالها الإجرامية الواضحة؟
- لأن جماعة الإخوان منظمة سرية، فهى لا تصدر بطاقات العضوية ولا تقدم قائمة بأسماء أعضائها، لطالما عملت تحت الأرض منذ بدايتها. وبالتالى، من الصعب إثبات من هو العضو، وثانيًا، أعتقد أنه حتى الآن لا توجد إرادة سياسية لوضع جماعة الإخوان فى القائمة السوداء، لأنها كانت مفيدة للعديد من الحكومات الغربية وأجهزة المخابرات فى قضايا السياسة الداخلية والخارجية.
■ من أبرز القيادات الإخوانية فى أوروبا؟
- الإجابة عن هذا السؤال يجب ألا تشغلنا كثيرًا، أعتقد أنه بدلًا من التركيز على أفراد الجماعة، لا بد من التركيز على مكان وجودها ونشاطها، وفى أى البلدان والمناطق السياسية تجد أرضًا خصبة.
فى أوروبا هناك تواجد كبير للجماعة فى لندن وتركيا وكذلك فى إيطاليا، ومن المهم أن نضع فى اعتبارنا أن أيديولوجية الإخوان تجد جوهرها فى فكر سيد قطب وهذه حقيقة معروفة، وأيمن الظواهرى نفسه من جماعة الإخوان، ولم يترك التنظيم لأنه لم يكن يشاركه أيديولوجية الجماعة، بل للعمل بشكل مختلف.
وبينما اختار الإخوان التسلل التدريجى من الأسفل وداخل المجتمع وصولًا إلى المؤسسات، اختار الظواهرى التحرك المسلح الفورى، ومع ذلك، لا يوجد فرق كبير بين أيديولوجية جماعة الإخوان وتلك التى ينشرها تنظيم القاعدة أو داعش.
■ كيف نوقف تمدد الإخوان فى أوروبا؟
- أعتقد أن الخطوة المهمة للغاية ستكون اتخاذ إجراءات قوية ضد قنواتهم المالية، لأن ذلك من شأنه أن يوجه ضربة قوية للجماعة، وبمجرد أن يتوقف تدفق الأموال، فإن المنظمة لن تدوم طويلًا.
حتى الآن أصبحت خريطة المنظمات والجمعيات والمجموعات الفرعية المرتبطة بجماعة الإخوان معروفة جيدًا، لذا لا ينبغى أن يكون من الصعب تنفيذ التدابير المناسبة.
لا يمكن اعتبار الأفراد والجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان محاورين بعد الآن داخل الدوائر السياسية والمؤسسية، لأن ذلك يقوض سلامة الغالبية العظمى من المسلمين فى أوروبا الذين سئموا رؤية المساجد تستخدم كأماكن للدعاية الأيديولوجية.
■ لماذا يحرص الإخوان على تقديم أنفسهم فى المجال العام باعتبارهم ضحايا مقهورين؟
- كما كشف بالفعل إمام الجامع الكبير فى روما والعديد من العلماء المشهورين، يريد الإخوان الهيمنة على الجاليات المسلمة فى أوروبا وأن يكونوا الممثل الوحيد للمسلمين.
تريد «الإخوان» فرض أيديولوجيتها داخل المجتمع الإسلامى والتأثير على الساحة السياسية فى كل من القضايا الداخلية والخارجية. ويمكننا أن نسمى سلوكها تسللًا على مستويات متعددة بهدف فرض وجهات نظرها وهذا أخطر بكثير من مفهوم الجهاد الذى تتبناه الجماعات المسلحة، لأن أسلوب الإخوان خبيث ويصعب تمييزه.
■ هل سيؤثر اغتيال أيمن الظواهرى زعيم القاعدة على مستقبل جماعات الإسلام السياسى؟
- لا أعتقد أن تؤثر وفاة أيمن الظواهرى على مستقبل الإسلام السياسى كثيرًا، لأن الظواهرى كان يفتقد التواصل والتأثير على المشهد الإسلامى العالمى، وكان مسنًا، ويفتقر إلى الكاريزما، وفشل تنظيم القاعدة تحت قيادته فى الانتشار أو تحقيق المكاسب، وانقسم إلى مجموعات فرعية لا مركزية.
يمكن أن يُنظر إلى وفاة «الظواهرى» على أنها خاتمة حقبة «عصر الجهاد العالمى» الذى بدأه أسامة بن لادن، زعيم القاعدة السابق، الذى ترك المكان تدريجيًا لعصر جديد، حيث تحول الجهاد لفعل لا مركزى غير منظم، مستقل.
■ داعش والقاعدة وطالبان جميعها حركات تكفيرية خرجت من عباءة الإخوان هل تتفق مع هذا الطرح؟
- نعم، فالاختلافات بين هذه المجموعات طفيفة، فمثلًا تركز طالبان على ما يحدث فى أفغانستان، بينما تتبنى «القاعدة» ما يسمى بـ«الجهاد العالمى» ضد الغرب، فيما يحاول تنظيم «داعش» إقامة ما يعتقد أنه «خلافة».
مع ذلك، إذا تعمقنا فى الأيديولوجيات، فسنرى أنه لا توجد فروق كبيرة بينها وبين أفكار ومنهج عمل الإخوان، ومفكرهم الشهير سيد قطب الذى أسس لمفاهيم من نوعية «الجهاد» و«جاهلية المجتمع».