50 سنة على صناعة السلام..
الاحتفال بـ 6 أكتوبر الذى عبرت فيه قواتنا قناة السويس قبل أكتوبر 1981 يختلف عما بعده.. حيث كانت البلد تحتفل بانتصارات أكتوبر من خلال عروض عسكرية مبهجة.. تستعرض فيها قواتنا أسلحتها الجديدة المتطورة، كما تستعرض قدراتها القتالية وتدريباتها العسكرية المتقدمة.. والتى نرى بعضها محلقة فىسماء القاهرة. كان لتلك العروض تأثير إيجابىواسع المدى على الجميع بغض النظر عن السن. وهو أمر يعود بشكل مباشر إلى فكرة الشعور بالقوة والفخر بعد الانكسار والهزيمة.
أتمنى إعادة النظر فىاحياء فكرة العروض العسكرية، وإعادة تنشيط ذاكرتنا الوطنية لكى لا يصبح الاحتفال بانتصارات 6 أكتوبر بمثابة النغمة التىنرددها بدون هدف أو معنى على غرار حديثنا على اعتبار كوننا من أصحاب حضارة السبعة آلاف عام.. تلك الحضارة التىأصبحنا تدريجياً نهملها ولا نحترمها.. للدرجة التى جعلت غيرنا يهتم بها أكثر مما نهتم بكثير.
أثناءزيارتىللولايات المتحدة الأمريكية، جلست بمطعم أحد الفنادق بالقرب من البيت الأبيض.. ولاحظت توافد العديد من الزوار له.. وعرفت أن هذا الفندق قد استضاف المناضل مارتن لوثر فىسنوات الستينات. يتعاملوا مع هذا الأمر باعتزاز وفخر لدرجة الاهتمام والحفاظ على نفس المنضدة الذى جلس عليها ليكتب كلمات خطابه الشهير حينذاك أمام البيت الأبيض، كما يتعاملوا مع درجة السلم التىوقف عليها أمام مدخل الفندق على اعتبار أنها أثر تاريخىعريق.. رغم أن عمره لم يزيد على سبعين عاماً.
الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر من الدول الحديثة التىلم يتجاوز تاريخها 500 عاماً غير أنهم يصنعوا من المواقف اليومية تاريخاً لهم، وهو تاريخ يجبر كل زائر للولايات المتحدة الأمريكية على احترامه.. وهو احترام نابع من مكانة بلادهم لديهم. وهو أمر لا يقارن بأىشكل من الأشكال بتاريخنا المصرىالممتد إلى آلاف السنوات سوى فىدرجة التقدير والاحترام الذاتى.
يقوموا هناك بإنعاش دائم داخل المجتمع الأمريكىلتنشيط الذاكرة التاريخية لهم بحيث لا يمر تاريخ محدد أو موقف دون حالة من تنشيط الذاكرة الجمعية فىسبيل تأكيد الصورة الذهنية للدولة الأمريكية الحديثة العهد تاريخياً. نحتاج إلى تنشيط ذاكرتنا الوطنية.. كنوع من إعادة الثقة فىأنفسنا وفى مجتمعنا، وقبل ذلك كله فىوطننا مصر. وهو أمر لا يحتاج إلى رجال تاريخ ومؤرخين.. بقدر ما يحتاج إلى سياسيين لديهم القدرة على تحديد صورتنا أىالشكل الذى سيكون عليه المجتمع المصرىمستقبلاً طبقاً لرؤية سياسية واضحة المعالم حول مستقبل هذا الوطن.
نقطة ومن أول الصبر..
نحتفل فى6 أكتوبر 2023 بمناسبة مرور نصف قرن على انتصارات أكتوبر العظيمة. وهى مناسبة عظيمة تستحق منا الاعداد والتجهيز لها ليس محلياً فحسب، بل ودولياً أيضاً.. ليس لاعتبارها انتصار للحرب، ولكن باعتبارها بداية طريق السلام الذى اعتمدته مصر فىسياساتها الخارجية.