«عن العشق والسفر».. اعرف نفسك فى بلاد الآخرين
انتهيت من قراءة كتاب «عن العشق والسفر» للكاتبة «نهى عودة» فى طبعتها الأولى الصادرة عن دار «كتوبيا» بعدد صفحات ٢٦٠ صفحة.
الكتاب ينتمى إلى أدب الرحلات، لكنه ليس مثلما سبقه من كتب أدب الرحلات. الحقيقة أنه فى بداية قراءتى شعرت بأن به القليل من روح كتاب «حول العالم فى ٢٠٠ يوم» لـ«أنيس منصور»، لكن عند تعمقى فى الكتاب أدركت خطأى فى المقارنة، فالكتاب هنا متفوق على كتاب «حول العالم» فى جزئية مهمة.
كتاب «حول العالم» هو سيرة صحفى ذاهب للبلاد المختلفة فى مهام صحفية، ويكتب ما تراه عيناه الصحفية فى طريقه، بطريقة سرد عملية توثيقية. أما تلك التحفة الأدبية «عن العشق والسفر»، فالكاتبة تكتب بروح طفلة صغيرة منبهرة، حتى إننى فى كثير من المواقف أتخيلها تتقافز سعادة. تلك الطفلة تملك قلبًا ينبض بالعشق والشغف. فتخيل كم حلاوة الكلمات والوصف الذى يجعلك تعيش داخل الذكريات مع أبطالها.
نعم فالكتاب يحتوى على أبطال. فالكاتبة أدخلتنا داخل صندوق ذكرياتها الخاصة مع عائلتها الجميلة، فى رحلاتهم التى كان أساسها عشق الحياة والمعرفة، وعشق رفيق السفر والدرب والعمر. تلك المشاعر الجميلة هى التى وثقت الألفة والدفء بين القارئ وصفحات الكتاب.
فمن فينيسيا «البندقية» والجندول، وجسورها، وقصورها، وأقنعتها المزركشة، وكازانوفا، وجزيرة الزجاج الملون، وعلى الجانب القبيح منها تاريخ سجون محاكم التفتيش المخبأة أسفل مظاهر البهرجة. إلى سيريلانكا «سيلان» أو «سرنديب»، وأزيائها المبهجة، وأشجار القرفة، ومزارع الشاى، ومدرسة أحمد عرابى للشريعة الإسلامية، ومحمية السلاحف، وركوب الأفيال، والسباحة تحت المطر، وسواحل المحيط الهندى الرائعة، وفن الباتيك، والصيادين المعلقين على عصى، والاستقبال السيريلانكى والعادات اللافتة، وعلى الجانب المظلم كارثة تسونامى وآثارها الباقية. إلى «الأردن» التى تشبه إلى حد بعيد طابع المصريين وتداخل أصل الطعمية والفلافل بيننا، والشراكسة واحتفاظهم بأصولهم وتقاليدهم وتراثهم الرائع، والبحر الميت وطمى البحر الميت ومغامرات السباحة فيه، ومدينة البتراء الأثرية وحضارة الأنباط.
كل ذلك بكتاب «عن العشق والسفر» مكتوب بإسهاب سردى بلغة عربية فصحى قوية بأسلوب لا يدعو للملل، بل الجذب والاندماج. فقد أمسكت نفسى متلبسة وأنا أقرأ متجاوزة الساعتين متصلة بابتسامة لم تذهب لحظة من على شفتى. وعند نهاية الكتاب ظللت أفتش عن صفحات مفقودة متبقية لمواصلة القراءة، ولكنى لم أجد بكل أسف.
حتى الغلاف تصميمه رائع واختيار ذلك اللون ليغازل الأعصاب والقلب، ويغريه بالقراءة. لا أجد من الكلمات ما يسعفنى لوصف تلك العظمة التى ستحتل جزءًا مهمًا ومميزًا فى تاريخ أدب الرحلات. وننتظر المزيد بكل شوق وشغف وحب.