«الصخب والعنف».. ويليام فوكنر يصور الانحلال العام للجنوب الأمريكي
في مثل هذا اليوم من العام 1897 ولد ويليام فوكنر، بمدينة نيو ألباني، في ولاية ميسيسبي الأمريكية. وهو روائي أمريكي وشاعر وأحد أكثر الكتاب تأثيرا في القرن العشرين.
حصل ويليام فوكنر، علي جائزة نوبل في الآداب في العام 1950، وكان عمره وقتها 53 سنة، وكان قد قضي أكثر من ربع قرن في الكتابة الروائية، وأنجز منها عددا كبيرا، من بينها روايات: الصخب والعنف، البعوض، راتب جندي، دخيل في التراب، بينما أرقد محتضرة، اللصوص، البعوض، سارتوس وغيرها.
ــ أسلوب ويليام فوكنر السردي
وعن أسلوب ويليام فوكنر السردي، يقول الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا: “كان أكثر القراء كانوا يجدون في أسلوب ”فوكنر" الطويل الجمل، المركب الصور، المعقد المبني، الملئ بالكلمات المزدوجة الصياغة، إشارة إلي ضرب من الفوضي الذهنية والعاطفية في المؤلف، وعائقا لهم عن تذوق فنه.
ولكن ويليام فوكنر ظل منزويا في بلدة صغيرة في إحدي الولايات الجنوبية، منصرفا عن المعارك الأدبية إلي كتابته وأسلوبه. وقد خلق أسطورة بعيدة الأصول، منتشرة الفروع، تضيف إليها كل رواية يكتبها تفصيلا جديدا واتساعا جديدا.
وكان رائده في إيجاد هذه الأسطورة الخلاقة أن يصور ما يدعوه الأمريكيون “الجنوب”: وهو يتألف من الولايات التي أنتعشت علي زراعة القطن واستخدمت الزنوج رقيقا إلي أن اندلعت نيران الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، فخسر الجنوب الحرب، وألغي الرق، وغزا الشمال الجنوب بوسائل شتي وتغيرت معالم الحياة فيه.
ــ هكذا صنع ويليام فوكنر حدود أسطورته
ويلفت “جبرا” إلي أن ويليام فوكنر: قد وضع لأسطورته حدودا جغرافية، وأرقاما للمساحة وعدد السكان، وأوجد للمقاطعة عاصمة وقري، كلها من خلقه. وجعل هذه المقاطعة الخيالية في ولاية ميسيسبي، واسمها “يوكناباتوفا”، وعاصمتها “جيفرسون”.
ولكي يحسن القارئ فهم أي رواية من روايات ويليام فوكنر، يجب أن يطلع مقدما علي موجز للأسطورة التي تجعل من الروايات أجزاء متواشجة. وفحواها أن الجنوب القصي كان يأهله قوم من الأرستقراطيين، كعشيرة سارتويس، وجماعة من النازحين الجدد، أمثال الكولونيل “ستبن”. وكلتا الجماعتين عازمة علي إنشاء نظام اجتماعي دائم علي الأراضي التي أغتصبوها من الهنود الحمر، وذلك بتخليف نسل يحافظ علي التقاليد الأوروبية، وهي تقاليد الشرف والفروسية.
علي إنه كانت في صلب خطتهم خطيئة لازمة، وهي الرق، إذ استحضروا الزنوج من أفريقيا بمئات الآلاف لهذا الغرض. فوضع الرق لعنة علي الأرض، وسبب الحرب الأهلية، فلما خسروها، أرادوا استعادة خطتهم بطرق أخري فلم يصيبوا إلا نجاحا جزئيا.
ــ الصخب والعنف صورة من حياة ويليام فوكنر
وحول رواية “الصخب والعنف” لـ ويليام فوكنر، يذهب “جبرا” إلي أن: يبدو أن فوكنر الشاب، وقد سئم الدراسة الجامعية، فتركها دون الحصول علي شهادة، وحاول نظم الشعر، وتسكع ما شاء له التسكع في نيو أورليينز، والحي اللاتيني غي باريس، وبلدته الصغيرة أكسفورد، كان يتشرب هذه التأثيرات علي مهل.
ويروي المحدثون كيف كان ويليام فوكنر يتمشي في شوارع أكسفورد في تلك الأيام مفلسا، حافيا، غير حليق الذقن، يجلس القرفصاء في مدخل أحد الدكاكين حاملا المجلات ويقرأ، أو يستمع إلي حديث الناس وثرثرة الزنوج، وأسطورة الجنوب تتبلور في ذهنه.
ويشدد “جبرا” علي: ويليام فوكنر عندما بدأ يكتب “الصخب والعنف”، كان قد هضم تأثيرات فترته، بحيث استطاع أن يجعل منها عدة لكتابة عجيبة. فالكتاب يعتمد علي المونولوج الداخلي، وتأثير جيمس جويس واضح، ولكنه تأثير خلاق، لا محطم، والقصة في خطوطها العريضة توسيع وتمثيل لعبارة مشهورة من مأساة “ماكبث”، وكل شخص من أشخاصها الثلاثة المهمين وهم أخوة يعبر عن إحدي الشخصيات اللاواعية التي أسماها “فرويد”: الهو، والأناو والأنا العليا، والأخت وابنتها تمثلان الليبيدو أي الطاقة الجنسية.
هذه عدة ويليام فوكنر، ولكنها وسيلة لا غاية، وسوف يتوقف نجاحه علي مقدار ما أصاب من غايته. وغايته هي أن يصور إنحلال أسرة “آل كمبسن”، ضمن إطار الانحلال العام في الجنوب وعليه أن يجعل من ذلك شيئا فنيا، مؤثرا، وهذا بالضبط ما نجح ويليام فوكنر في انجازه.