قضايا التعليم الجامعى والحوار الوطنى
تنص المواثيق الدولية والإعلان العالمى لحقوق الإنسان والدستور المصرى والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى أُطلِقت فى سبتمبر ٢٠٢١، على حق الإنسان فى التعليم والصحة والسكن والعمل دون تمييز، وفى المادة «٢١» من الدستور المصرى من الفصل الأول «المقومات الاجتماعية» من الباب الثانى «المقومات الأساسية للمجتمع» يؤكد الدستور على التزام الدولة باستقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعى وفقًا لمعايير الجودة العالمية، كما تعمل الدولة على تطوير التعليم الجامعى وتكفل مجانيته فى جامعات الدولة ومعاهدها.
كما تنص نفس المادة على التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم الجامعى لا تقل عن ٢٪ من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
إن التعليم يعد الأساس والضمانة الحقيقية لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، وذلك لأن التنمية هى حركة نحو تطوّر النظام الاجتماعى ككلّ من خلال تطوير مستوى المعيشة والأجهزة والسلوكيات، كما أن التنمية الشاملة المستدامة لا تعتمد على رأس المال المادى فقط، بل إن الاحتياج الأكثر أهمية يتمثّل فى وجود قوى عاملة مدرّبة ومؤهلة وقادرة على الإنتاج الأكثر والأجدر، هذه القوى هى رأس المال البشرى الذى يتراكم من خلال التعليم.
ويمثل التعليم الجامعى قمة السلم التعليمى، وهو يهدف إلى بناء الإنسان ليصبح القوة الدافعة لتقدم وبناء المجتمع وتطوره، وتتحدد وظيفته فى نقل المعرفة، وتطوير المعرفة من خلال الدراسات العليا، وتطبيق المعرفة من خلال توظيف الأبحاث العلمية لخدمة المجتمع، وتنمية البيئة.
وفى ورشة عن أهم قضايا التعليم الجامعى «المعوقات والحلول» عقدتها أحزاب الحركة المدنية فى الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وتحدث فيها الأستاذ الدكتور جمال شيحة والأستاذ الدكتور سامى نصار والأستاذة الدكتورة نادية جمال الدين والدكتور حمزة السروى، أجمع المتحدثون والحضور على عدد من القضايا الهامة سأوجزها فى السطور التالية:
أهم معوقات التعليم الجامعى:
١- سيادة منهجية غير علمية، تتمثل فى الخلط بين العلم والسياسة والدين جميعًا.
٢- معوقات اقتصادية، منها ارتفاع أسعار الكتب، والمواصلات، وفقر المعامل وقلة الخامات بها وفقر المكتبات.
٣- ضعف المستوى العلمى للطلاب وبعض الأساتذة، وانتشار ظاهرة مكاتب الأبحاث للترقى مقابل أجر.
٤- تعدد نظم التعليم فى مصر بين تعليم وطنى وأجنبى، ودينى ومدنى، الأمر الذى يؤدى إلى تعدد الولاءات، والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، حيث شهدت مصر فى السنوات الأخيرة افتتاح عدد من الجامعات الخاصة والدولية، وأخيرًا الجامعات الأهلية. وفى بيان صادر عن وزارة التعليم العالى، بلغ عدد الجامعات الحكومية ٢٧ جامعة، والجامعات الخاصة ٢٥ جامعة.
أما الجامعات الأهلية فقد بلغ عددها ٢١ جامعة، من بينها ١٢ جامعة أنشئت فى ظل الجامعات الحكومية «العامة»، هذا بجانب عدد من الجامعات الدولية، وإلى جانب عدد من المعاهد العليا، والجامعات ذات الطابع الخاص، مثل جامعة زويل.
وبالنسبة للجامعات الأهلية التى نشأت داخل الجامعات الحكومية، فهى ظاهرة مخالفة لعدالة التعليم، حيث إن الجامعات الحكومية قامت بأموال الدولة «من المواطنين دافعى الضرائب» بإنشاء ما سمته جامعات أهلية تحمل نفس اسمها، ومستخدمة إمكانياتها المادية والبشرية نظير مصروفات يسددها الطلاب، وكأنها خطوة على طريق إلغاء مجانية التعليم التى نص عليها الدستور المصرى والمطبقة فى كثير من الدول الرأسمالية.
الحلول المقترحة للنهوض بالتعليم الجامعى فى مصر:
١- إعادة الاعتبار لدور المدرسة ولدور المدرس فى التعليم العام، باعتباره مقدمة ضرورية لنهضة التعليم الجامعى.
٢- ضرورة التوسع فى التعليم الجامعى والعالى، وتنويع مؤسساته لاستيعاب الأعداد الكبيرة من خريجى المرحلة الثانوية، ولزيادة الفرص المتاحة أمام جميع أبناء الشعب لمواصلة التعلم بأقصى ما تتيح لهم قدراتهم، وحسبما تدفعهم إليه ميولهم واهتماماتهم وتصوراتهم لمستقبلهم، مع الحفاظ على مجانية التعليم باعتبارها ضمانة لتحقيق المساواة الاجتماعية.
٣- ربط قبول الطلاب بالجامعات بحاجة المجتمع إلى التخصصات المطلوبة، أى ربط التعليم بسوق العمل واحتياجات المجتمع المصرى، والاهتمام بتطوير منظومة العلوم والتكنولوجيا الحديثة.
٤- توفير مناخ ديمقراطى داخل الجامعة يتيح حرية التعبير والمساواة بين جميع الطلاب داخل الجامعة.
٥- ضرورة تطوير المناهج بما يتناسب مع المنهج العلمى والقيم الإنسانية.
٦- توحيد أنواع التعليم فى إطار مدنى حكومى أو على الأقل تقرير مواد مشتركة بين كل أنواع التعليم، مثل التاريخ الوطنى والأدب الوطنى، لتكون قاسمًا مشتركًا بين أبناء الوطن الواحد بما يضمن حدًا أدنى من الانتماء، والولاء المشترك بين أبناء الوطن الواحد.
٧- الحفاظ على الحريات الأكاديمية، فيما يخص حرية البحث العلمى والتطوير، وديمقراطية العلاقة بين الأستاذ والطالب وبين المستويات المختلفة للقائمين على العملية التعليمية.
البحث العلمى:
تعانى الدول العربية، ومنها مصر من نقص نسبى فى معدلات الإنفاق على البحث العلمى، ففى الوقت الذى تم فيه تقدير المتوسط العالمى للإنفاق على البحث العلمى عام ٢٠١٨ بـ«١٫٧٩٪» كنسبة من الناتج القومى الإجمالى، نجد أن متوسط إنفاق مصر على البحث العلمى «٠٫٧٢٪».
ومن الجدير بالذكر أن الدستور المصرى فى المادة «٢٢» حدد نسبة ١٪ من الناتج المحلى الإجمالى للإنفاق على البحث العلمى، ولم تنفذ حتى الآن.
وتفيد مؤشرات التنمية العالمية وتقارير منظمة اليونسكو، بأن مدخلات منظومة العلوم والتكنولوجيا العربية تعانى من قصور فى متطلباتها من أجل تنمية رأس المال البشرى البحثى والارتقاء بقدراته.
إن النهوض بالتعليم يحتاج لإرادة سياسية، تؤمن بأن التعليم حق، وبأن النهوض بالأمة يرتكز على التوسع فى الإنفاق على التعليم والبحث العلمى، ويحتاج إلى برلمان حقيقى يجىء بانتخابات معبرة عن إرادة الشعب، يقوم بمهامه فى التشريع والرقابة والمحاسبة من أجل تحقيق مصالح الشعب والوطن.