رواية «ذئب وحيد».. فانتازيا إبراهيم أحمد عيسى عن صداقات البشر والحيوانات
انتهيت من قراءة رواية «ذئب وحيد» للكاتب إبراهيم أحمد عيسى، الصادرة عن دار الكرمة فى طبعتها الأولى، وتضم ٣١٧ صفحة.
وسبق أن قرأت للكاتب إبراهيم أحمد عيسى روايات «بارى» و«البشرات» و«ابق حيًا» و«الحاج ألمان» و«حكايات الأشبونى»، ومن الواضح أن «ذئب وحيد» ستكون سلسلة من ثلاثة أجزاء.
فى تلك الرواية، سلك الكاتب نهجًا جديدًا مختلفًا عن طرق كتابة رواياته السابقة، التى تميزت بطابعها التاريخى، والتى كان فى بعض منها يحاكى أسلوب الكاتبة الراحلة رضوى عاشور، التى من الواضح تأثره بها من حيث كتابته بالفصحى العميقة والانتقال فى بحور تاريخ الأندلس واللعب بالكلمات لرسم مشهد دقيق الوصف ومفصل وكامل الأركان اللغوية والتعبيرية، ما يجعل القارئ يعيش فى أجواء المشهد كأنه يراه بل وأيضًا يسمع صوت أبطاله. فالكاتب قادر من خلال تعبيراته وإحساسه أن يفتح فجوة لعالم مرئى فى كتابه.
فوجئت فى تلك الرواية بأنى انتقلت لعالم فانتازى، لكنها ليست كمثل الروايات الفانتازية الحالية، إنما نوع خاص قريب الشبه بعالم محمد أمين راضى فى مسلسل «العهد».
خلق الكاتب أرضًا مختلفة ببلاد قريبة الشبه للبلاد الشرقية، وأعطاها اسم «أرض تلال الشمس»، ولكنها فى الحقيقة أرض الخيانة. فالرواية تدور أحداثها عن الغدر والخيانة والإنكار والخديعة بكل أنواعها، التى تجسدت فى ملحمة أسطورية ليس بين الخير والشر كمنظور سطحى، ولكنه تعمق فى النفس البشرية لندرك أن الخير قد يكون غير صافٍ وأن الشر قد يكون مبررًا. فالحكم على الخير أو الشر يتغير حسب موضع جلوسك لمشاهدة الملحمة.
وهناك الحكمدار حاكم كفر البردقوش، الذى يرى أن ملكه وملك أجداده سلب منه من قبل السلطان، فيخطط وفقًا لمبدأ «الغاية التى تبرر الوسيلة»، فيرضى بالغدر بأقرب أفراد عائلته حتى يصل لهدفه.
وهناك زوجة الحكمدار التى كانت ابنة شهبندر التجار التى ترى نفسها مجرد سلعة قايضها أبوها مع الحكمدار حتى ينقذه من الإفلاس- وجدت نفسها تعيش فى قرية وهى «كفر البردقوش»، والتى تضيق فيها روحها التواقة إلى الأفضل، ومن أجل ذلك تكره زوجها رغم حبه لها وكل محاولاته لإسعادها، فهى لا ترى غير تعاستها النفسية معه، ما يدفعها للكيد له حتى ترضى رغبتها فى الانتقام والسيادة.
وعلى صعيد آخر، نرى الأصدقاء الثلاثة «سعد البرغوث وبياض القرش وسلام»، الذين اجتمعوا فى حياة بائسة واحدة وقرروا الهرب لحياة قد تكون أفضل، وكانت علاقة «سعد وبياض القرش» لافتة للنظر، فـ«بياض» دائمًا كان الملاك الحارس لسعد وصديقه الصدوق، صاحب الجسد الضخم المنفر للناس والقلب النقى. والذى كانت هيئته هى سر عذابه وظلم الناس له عن طريق حكمهم عليه بالمظهر ووضعه فى دائرة الأشرار وهو على عكس ما توقعوا، فحتى شره الذى وقع فيه بالخطأ كان نتيجة حبه ودفاعه عن صديقه «سعد».
على العكس، كان «سعد» الذى ظهر للناس ضعيفًا مسكينًا حتى أسموه «البرغوث»، كانت علاقته مع بياض علاقة استغلالية، استغل حبه وطيبته وحمايته حتى وصلا لنقطة أن يكون بياض عبئًا عليه، فقرر التخلص منه، واعتاد استغلال ضحاياه ليصل إلى أعلى المراتب.
ثم تظهر علاقة من نوع آخر، وهى «الذئب دهب» وأبوه «أبودهب»، أو ما كان يعرف بـ«الأمير برهان»، وهى علاقة بين بشرى وحيوان، وأفضل وأسمى وأوفى علاقة فى كل علاقات الرواية المختلفة. ربطت بينهما نفس البداية، فكل منهما هرب من الموت ومطارد وخاض رحلة مريرة غيرت حياته، فكانا وجهين لعملة واحدة وفضلا الوحدة والاكتفاء ببعضهما والابتعاد عن الجميع، إلا أن من ابتعدا عنه لاحقهما وأقلق وحدتهما، إذ لحقهما ظلم وبلاء جديد، فكان «دهب» كجده ذئب ابن يعقوب، ما أيقظ الماضى فى صدر الأمير برهان.
رواية «ذئب وحيد» من الروايات الممتعة والدسمة جدًا كما عودنا الكاتب، ممتعة أدبيًا وذهنيًا، فهى رواية فانتازية ملحمية ذات أثر كبير على النفس. وطبعًا مشهد النهاية كان صادمًا وغير متوقع ويؤكد وجود أجزاء جديدة، ننتظرها بشغف.