هموم الأدباء فى مصر
مقال أضعه أمام وزيرة الثقافة الجديدة الدكتورة نيفين الكيلاني، وآمل أن تقرأه لتتعرف على جزء يسير جدا مما يدور في أروقة وزارتها وبعض مؤسساتها.
لا أقصد هموم الأدباء المعيشية، فهذا موضوع آخر ربما تناولته في مقال آخر، ولكن سأتحدث عن همومهم مع الكتابة والإبداع، ومع مؤسسات الدولة الثقافية.
في البداية يعتقد البعض أن الإبداع، سواء كان شعرا أم نثرا أم رواية أم رياضة أم إجادة لأي هواية، إنما هو نوع من إفراغ شحنة إبداعية ناتجة عن فراغ في عقلية المبدع، ولا يعرفون أن الإبداع هو عملية ينتج عنها عمل جديد غير مسبوق، تقبله جماعة على أنه مفيد، والإبداع هو الانحراف عن الاتجاه الأصلي، والانشقاق عن التسلسل التقليدي في التفكير، إلى تفكير مخالف كليًا، كما يعتبره علماء النفس مرضًا من الأمراض، وهو بالفعل مرض يصيب المبدعين، فلا يستطيعون منه فكاكا إلا بمزاولة هوايتهم بالكتابة أو الرسم أو الرقص أو اللعب.. ولا يشعر المبدعون بأي إرهاق وهم يزاولون إبداعهم، لأنهم يشعرون براحة نفسية عندما يحلقون في الخيال.
الحقيقة تعاملت مؤسسات الدولة الثقافية مع المبدعين بطريقة غريبة، فهي لا تحتمل المبدع ولا تقدره، خصوصا إذا كان ضمن أعضاء طاقمها الحكومي أو في أي وظيفة من وظائفها، فهي تتنكر له، وعندما يتحقق ويصبح معروفا تحاول التنصل منه، وتنساه من أجندتها، وتبدأ الدور مع الأجيال الشابة، بعضها يكمل وينزوي، وبعضها لا يكمل ويختفي.
كانت توجه الدعوات لبعض المبدعين لحضور وإدارة جلسات مؤتمرات هيئة قصور الثقافة أو في معرض الكتاب الذي تشرف عليه الهيئة العامة للكتاب، وبعضهم يسافر من أقصى الصعيد إلى للقاهرة لحضور ندوة في أرض المعارض والعودة أو المبيت إذا كانت هناك أكثر من ندوة، ومع ذلك فالهيئة العامة للكتاب لا تصرف لهم أي مقابل مادي أو تكاليف السفر التي تكبدوها في مختلف وسائل المواصلات، وتاكسي من القطار لمقر المعرض والعودة بالمثل، ثم المبيت في فندق مناسب، في حين أنها تعطي لمن تدعوهم من الأدباء العرب، وبعضهم دون المستوى الأدبي والإبداعي لكثير من المصريين، وتحجز لهم الطائرات والفنادق لعدة ليال وتعطيهم مقابلا نقديا نظير حضورهم الندوات.
لماذا هو حلال للكاتب العربي وحرام للكاتب المصرى؟
من ناحية أخرى، فإن عضوية المجلس الأعلى للثقافة، بلجانه المختلفة، أصبحت حكرا على مجموعة معينة لم تتغير. كما أن الترشيحات لعضوية تلك اللجان أصبحت شللية مطلقة، ولا مجال لعضوية المجلس لأي مبدع يحترم نفسة بعيدا عن الشللية، فقد روي الصديق والناقد أشرف البولاقي على صفحته، وقرأها كل أصدقائنا، وأنا أثق في روايته وأثق فيه، أن أحد أصدقائه عرض عليه عضوية لجنة من لجان المجلس وهي لجنة الشعر، ولم يطلب منه سيرة ذاتية، ولما استنكر أشرف تلك الطريقة الفجة في العرض، أخبره الصديق بأنه رشح خمسة آخرين لعضوية لجان المجلس وللجنة الشعر، ويقول أشرف إن الغريب أن ترشيحاته صدقت وتم اختيار أربعة من الخمسة الذين رشحهم هذا الصديق في لجنة الشعر، وبعضهم لا يمت للشعر بأي صلة.
وفي التليفزيون المصري كذلك، ففي حين يتمتع ضيوف البرامج الرياضية والغنائية والفنية بأجور عالية تحسب بالدقائق، فإن ضيوف القنوات والبرامج الثقافية لا يحصلون على أي مقابل ولو أجر التاكسي الذي ينقلهم إلى ماسبيرو، مما جعل البرامج الثقافية معادة ومكررة لنفس الضيوف، يتكررون كل فترة يقولون نفس الكلام، مما جعل تلك البرامج لا يقبل عليها أحد، وما لم تكن المذيعة جميلة فلن يشاهد أحد تلك البرامج.
ونأتي لجوائز الدولة، التي هي حلم لكل كاتب أو مبدع مصرى سواء كان في أول السلم أو في آخرة، فكل المبدعين المصريين يطمعون في الوصول لتلك الجائزة الرفيعة، ولكن، لكي يصل المبدع إلى تلك الجائزة يجب أن تقوم بترشيحه هيئة من الهيئات أو المؤسسات الثقافية أو أقسام كليات الآداب فى الجامعات المصرية. وربما يعلم الكثير أن الكثير من تلك المؤسسات يتم تشكيل مجالس إدارتها بالانتخاب، وبالتالي يتعين على عضو مجلس الإدارة أن يجامل من انتخبوه، وليس سرا أن إحدى تلك الهيئات كان الكثير من المبدعين يلاحقونها بالاتصالات أثناء جلسات التصويت على الترشيح لجوائز الدولة، ويتم طرح أسماء الأصدقاء والمحاسيب ويتم التصويت بطريقة انتخب مرشحي وانتخب مرشحك ويفوز بالترشيح من كان له نصيب أكثر من الشللية والتربيطات وكثرة الاتصالات، ومدى قدرته على الإلحاح.
وهو نفس ما يحدث عند التصويت في لجان المجلس الأعلى للثقافة على الفائزين بتلك الجوائز، وفي النهاية يصل أغلب الجوائز لمن لا يستحقها.
آن الأوان أن تعيد الدولة ووزارة الثقافة النظر إلى طريقة ترشيح المبدعين لجوائز الدولة التي هى حق لكل المبدعين طالما أثروا مجتمعهم بإبداعهم وفنونهم.