المُودِعُون المسلحون.. هل تتحول «سالى حافظ» إلى مثال يحتذى به اللبنانيون؟
"لو بدا تكلفني حياتي.. عليّ وعلى أعدائي".. عهد أطلقته اللبنانية سالي حافظ عبر صفحتها على "فيس بوك"، قبل ساعات قليلة من إقدامها على تنفيذ سطو مسلح على أحد البنوك اللبنانية لاسترداد ودائعها ومساعدة شقيقتها في السفر للخارج من أجل العلاج من مرض السرطان اللعين.
قبل ساعات من تنفيذها للسطو المسلح، كتبت سالي عبر صفحتها على فيس بوك منشورًا قالت فيه: "يا عمري بوعدك راح تسافري وتتعالجي وترجعي توقفي على رجليكي وتربي بنتك"، قبل أن تتجه إلى المصرف الذي تودع به أموالها وتشهر سلاحها الناري في وجه الموظفين والأمن الخاص بالمصرف، وخرجت وهي تحمل مبلغ 20 ألف دولار، وتسرع للسفر خارج لبنان.
سالي حافظ ليست الأولى
في أغسطس الماضي، اقتحم مودع آخر بنك لبناني، وقام باحتجاز الرهائن، بعدما قام بالاستيلاء على سلاح أحد موظفى الأمن، مهددًا بإشعال النار في نفسه، حيث أقدم على هذه الخطوة بعد وعود كثيرة حصل عليها من إدارة المصرف للحصول على ما قيمته 5 آلاف دولار لدفع تكلفة العلاج في المستشفى، إلا أن كل هذه الوعود لم تنفذ، بحسب شقيق المحتجز.
إلى ذلك، هذا التطور في الأحداث اللبنانية ينذر بسيناريو فوضوي في البلاد بعد انتشار العنف، واعتقاد المواطنين أن عدم قدرتهم على استرداد أموالهم لن يحل إلا بالعنف.
أزمة مصارف لبنان
انفجرت أزمة المودعين بعد التظاهرات الشعبية في 17 أكتوبر 2019، حين اتخذت المصارف التجارية بإيعاز من تعاميم مصرف لبنان المركزي، إجراءات غير قانونية آلت لاحتجاز أموال المودعين، وترافقت مع تقارير محلية ودولية تتحدث عن تحويل ملايين الدولارات من لبنان إلى الخارج.
ومنذ ذلك الحين، تفرض المصارف قيودًا مشددة على السحب بالعملات الأجنبية، وتعددت أسعار الصرف فيها، فتآكلت قدرة اللبنانيين الشرائية وسط هبوط مدوٍ ودرامي لليرة، وبلغت أمام الدولار مؤخرًا بالسوق السوداء -التي تتحكم بالقيمة الفعلية لليرة- أكثر من 31 ألفًا، في حين أن سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات مقابل الدولار.
عنف المودعين نتيجة واقع اقتصادي منهار
شارل جبور، المستشار الإعلامي لحزب القوات اللبنانية، قال إن ما يقوم به المودعون في لبنان يأتي على خلفية سرقة مدخراتهم كاملة، نتيجة واقع اقتصادي منهار تسببت فيه منظومة سياسية فاسدة، مضيفًا: "المواطن اللبناني هو ضحية منظومة سرقت ونهبت أملاكه، وأخذت منه ما جناه طوال عمره، فأصبح فقيرًا أعزل غير قادر على الدخول إلى المستشفى ولا الحصول على أي خدمة".
وتابع جبور في تصريحات خاصة لـ"الدستور": "المواطن اللبناني لم يجد أمامه سوى العنف كي يسترد حقه المنهوب"، معتبرًا أن هذه التصرفات من شأنها أن تصعد بلبنان إلى مستوى آخر من الفوضى.
وأضاف:" بالرغم من غضب المواطنين وأحقيتهم في أي ردة فعل لاسترداد حقوقهم، ولكن لا بد أن نستوعب أن لبنان لا يتحمل مزيدًا من الفوضى، مما يؤدي إلى إسقاط آخر عمود في لبنان وهو الاستقرار، لذلك هذا النوع من الأعمال على الرغم من أن له دوافع شخصية مفهومة ولكنه يأخذ لبنان إلى منحدر أصعب".
من جانبه، قال الدكتور مصطفى علوش، عضو المكتب السياسي في حزب تيار المستقبل اللبناني، والنائب البرلماني السابق، إن ما يحدث اليوم من انفلات أمني عام هو تعبير عن وصول لبنان إلى مرحلة الدولة الفاشلة، وعودة الناس إلى حال الطبيعة واستسهال القيام بأعمال العنف والاعتداء والخروج عن القانون.
وأشار علوش في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، إلى أن عدم الخوف من القانون والعقاب كان سببًا أساسيًا في انتشار الانفلات الأمني مُضيفًا: "الميليشيات المسلحة في لبنان أعطت المثل الصارخ في الخروج عن سلطة الدولة وتحدي القانون والسيادة".
انهيار المنظومة المالية في لبنان
وتابع: "في ظل هذا تأتي كارثة انهيار المنظومة المالية، ورفض البنوك الصرف من حسابات المودعين، بسبب عجزها عن تأمين سيولة المودعين لتضع القانون والعدالة في موضع أزمة جديدة، لأن المودعين يطالبون بحقهم والدولة عاجزة".
واعتبر المحلل اللبناني، أن الدولة تساهم في السطو على أموال المودعين، مما يدفع البعض لأخذ حقوقهم بالقوة دون الخوف من العقاب.
سيناريوهات ما بعد السطو على البنوك
وفي هذا السياق، توقع علوش أن يشجع نجاح البعض الآخرين على تجربة حظهم وتكرار الأمر، مردفًا: "قد يؤدي ذلك إلى شلل تام في القطاع المصرفي، وإغلاق الفروع البنكية بشكل كامل مما يعني المزيد من الأزمات".
واختتم السياسي اللبناني: "كل هذا يأتي في ظل انتشار انعدام إمكانية الوصول إلى حلول سياسية واقتصادية، واستمرار فشل القوى السياسية في إيجاد الحلول لإنهاء حالة اللادولة، مما يعني إفلاتًا قريبًا للوضع الأمني بشكل كارثي".