كيف فند النائب العام محمد نور الاتهامات التى وجهت إلى طه حسين؟
محمد النور النائب العمومي لمصر في العام 1926، كلف بالتحقيق مع الدكتور طه حسين، إثر البلاغات التي قدمت ضد الأخير بالطعن في الإسلام والمقدسات الدينية، إثر نشره لكتابه الأشهر في الشعر الجاهلي.
وبعد أن انتهت فصول القضية بحفظها إداريًا، نشر النائب العام محمد نور، كتيبًا صغيرًا يضم ملابسات القضية، والتهم التي وجهت لـ طه حسين وتفنيدها، وهو الكتاب الذي عثر عليه لاحقًا الروائي الراحل خيري شلبي، في أحد محال بيع الكتب القديمة.
وفي هذا الصدد، يقول محمد نور مفندًا الاتهامات التي وجهت لـ طه حسين: «من حيث أن حضرات المبلغين ينسبون للأستاذ المؤلف أنه طعن في كتابه النبي -صلي الله عليه وسلم- طعنًا فاحشًا من حيث نسبه، قال في صفحة 72 من كتابه «ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلي الجاهلين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي، وأن يكون قصي صفوة قريش، وقريش صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية كلها».
وقالوا أن تعدي المؤلف بالتعريض بنسب النبي يسئ إلى المسلمين والإسلام فهو قد أجترأ علي أمر لم يسبقه إليه كافر ولا مشرك.
المؤلف أورد هذه العبارة في كلامه «علي الدين وانتحال الشعر»، والأسباب التي يعتقد أنها دعت المسلمين إلى انتحال الشعر، وأنه يقصد بالانتحال في بعض الأطوار إثبات صحة النبوة صدق النبي، وكان هذا النوع موجهًا إلى عامة الناس.. وقال بعد ذلك: والغرض من هذا الانتحال على ما يرجع إنما هو إرضاء حاجات العامة الذين يريدون المعجزة في كل شئ ولا يكرهون أن يقال لهم إن من دلائل صدق النبي في رسالته أنه كان منتظرًا قبل أن يجيئ بدهر طويل، ثم وصل ما يتعلق بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش.
ويلفت النائب العام محمد نور إلى أنه: «ونحن لا نري اعتراضًا على بحثه على هذا النحو من حيث هو إنما كلا ما نلاحظه عليه أنه تكلم فيما يختص بأسرة النبي- صلي الله عليه وسلم- ونسبه في قريش بعبارة خالية من كل احترام، بل بشكل تهككمي غير لائق لا يوجد في بحثه ما يدعوه لإيراد العبارة على هذا النحو».
محمد نور مثقف مصري رفيع
توضح تفنيدات النائب العام محمد نور في تحقيقاته مع الدكتور طه حسين عن ثقافة رفيعة وسعة أفق وذهن متفتح، كما تفيد بأنه قد قرأ كتاب «في الشعر الجاهلي» أكثر من مرة ليفند الاتهامات الموجهة لمؤلفه، حيث يقول «نور»: «يقول حضرات المبلغين إن الأستاذ المؤلف أنكر أن للإسلام أولية في بلاد العرب وأنه دين إبراهيم، إذ يقول: «أما المسلمون فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي، وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله إلي الأنبياء من قبل».
ويوضح «نور»: «وحيث أن كلام المؤلف هنا هو استمرار في بحث بيان انتحال الشعر من حيث تأثير الدين علي الانتحال ولا اعتراض على البحث من حيث هو، وقد قرر المؤلف في التحقيق أنه لم ينكر أن الإسلام دين إبراهيم، ولا أن له أولية في العرب، وأن شأن ما ذكره في هذه المسألة كشأن ما ذكره في مسألة النس».
وأضاف: «ونحن لا نري اعتراضًا على أن يكون مراده بما كتب في هذه المسألة هو ما ذكره، ولكننا نرى أنه كان سيئ التعبير جدًا في بعض عباراته كقوله: «ولم يكن أحد قد احتكر ملة إبراهيم ولا زعم لنفسه الانفراد بتأويلها فقد أخذ المسلمون يردون الإسلام في خلاصته إلى دين إبراهيم، لأن في إيراد عبارته علي هذا النحو ما يشعر بأنه يقصد شيئًا آخر بجانب هذا المراد خصوصًا إذا قربنا بين هذه العبارات وبين ما سبق له أن ذكره بشأن تشككه في وجود إبراهيم وما يتعلق به».