13 سبتمبر.. مناقشة «فراشات المقهى» لـ فيفيان سمير بالصالون الثقافي للوفد
يقيم الصالون الثقافي لحزب الوفد بالدقي ندوة لمناقشة المجموعة القصصية "فراشات المقهى" للكاتبة والقاصة فيفيان أيوب، ويناقش المجموعة الكاتب الصحفي الروائي محمود قنديل، الدكتور منى حسين المدير العام بقطاع الأخبار بماسبيرو، وذلك في الساعة ٤:٣٠ عصرًا يوم الثلاثاء ١٣ سبتمبر.
ـ ومن أجواء المجموعة:
فراشَاتُ المقهَى
تشابكتْ الحكاياتُ برائحةِ ومذاقِ القهوةِ، على موائدِ المقهى الغارقِ بموسيقى "عبدالوهاب"، وصوتِ "حليم" يصبُّ الجمالَ وأرق المشاعرِ بقلوبِ مرتادِي المكانِ، الذِي يفتحُ أبوابَه كذراعينِ يرحبانِ بالقادمِ في وُدٍ. كذلك الألوانُ الصاخبةُ، واللوحاتُ الفنية التشكيليةُ، تُضفي رُوُحًا ساحرةً للمكانِ. رائحةُ القهوةِ القويةِ، وخبيزُ الفطائرِ الطازجةِ، التِي تُقَدَّمُ ساخنةً من الفرنِ، تجذبُ المارينَ بدعوةٍ كريمةٍ لوجبةٍ خفيفةٍ شهيةٍ، خاصةً في أيامِ الشتاءِ الباردةِ.
دخلتْ المقهى مترددةً تقدمُ خطوةً وتأخر الآخرى، لمحَهَا عند البابِ؛ فانتفضَ واقفًا يرحبُ بها. حينَ وصلتْ لطاولتِهِ بدتْ قلقةً ومتوترةً. صافحتْهُ بيدٍ مرتعشةٍ باردةٍ كالثلجِ. اندهشَ قليلاً لهذهِ الحالةِ الغريبةِ التِي هيَ عليْهَا، وهيَ السيدةُ القويَّةُ الحازمةُ، مديرةُ المدرسةِ، فيمَا جاءَتْ كلماتُهَا المرتبكةُ قائلةً "لا أدري ما الذِي أصابَنِي بمجردِ أن خطوتُ داخلَ الكافيه، رُبَّما لأني لم أدخلْه منذُ ما يزيد عن عشرين عامًا. رحيلُ زوجِي وانشغالِي بأولادِي وعملِي، لم يدعْ لي فرصةً حتى لجلسةٍ هادئةٍ، أحتسِي فيها قهوتي بمكانٍ مثلَ هذا".
ابتسمَ مُطَمْئِنًا وهو يقول "قد أديتِ رسالتك كاملة، وآن لك أن تستمتعِي بما تبقى من العمرِ".
لكنَّ إحساسَهَا أنَّهَا امرأة تخطَّتْ الستينَ، جعلهَا تشعرُ بالخجلِ من مجردِ الخروجِ برفقةِ رجلٍ، وقد نسيتْ تلكَ المشاعرَ لعقودٍ طويلةٍ، ولَّىَ معها شبابُها وجمالُها، فكيف تخبر أولادَهَا وأحفَادَهَا، إنَّهَا تذكرتْ فجأةً بعدَ كلِّ هذهِ السنين أنَّهَا مازالتْ امرأةً؟ كيفَ تُخبرهُم أن قلبَهَا خفقَ وروحَهَا تاقتْ لرفيقٍ؟
وكأنَّما قرأ ما يجولُ بخاطرهَا، فأشارَ لقلبِهَا قائلًا "الأهم أن تخبري هذا أنَّه ما زال حيًا ينبضُ، وأنكِ ما زلتِ امرأةً رغمَ أنفِ السنينِ".
مُمسكًا بالجريدةِ الصباحيةِ توجَّهَ مباشرةً لطاولتهِ بالركنِ المواجهِ للبابِ. الكلُّ يعرفونَه، فمنذ ثلاثِ سنواتٍ وبعد وفاةِ زوجتِهِ، لم يتخلفْ يومًا واحدًا عن الحضورِ للمقهى في الثامنةِ صباحًا، ويبقى بها حتى الخامسة مَساءً.
يُغرق وحدتَه بينَ أمواجِ البشرِ الُمتعاقبةِ علىَ مرفأ المقهى، لكنْ تظلُّ عيناه حائرتين بين شاشةِ هاتفهِ، والنافذةِ الزجاجيةِ والبابِ، وتظلُّ جريدتُه مطويةً كمَا هي حتى يُغادرَ. اختار مكانَه هذا بالذات لأنه بجوارِ النافذةِ، يكشفُ الشارعَ بأكملِهِ، وفي مواجهةِ البابِ، يستطيعُ منه مراقبةَ القادمين والراحلين، ربَّما مرَّ بينهم أحدُ أبنائِهِ ولو مُصادفَةً.
يداهَا تحتضنُ فنجانَ قهوتِها الذي لم تمسَّه شفتاها، وعيناها زائغتان تختلس النظر حينا لشاشة هاتفها المظلمةِ، وحينا آخرَ لبابِ المقهىَ. دموعُهَا تتساقطُ في صمتٍ، بعضُها يسقط على الطاولةِ، وبعضُها يمتزجُ بشرابها الُمرِّ كأيامِها الموحِشةِ.
تنظرُ للمقعدِ الخالِي أمامَهَا، وطيفُ وجهِهِ الباسِمِ يرتسمُ بعيونِ خيالِهَا، فتمدُّ يدَهَا المرتعشَةَ تحاولُ لمسَه، لكنَّه يتبخَّرَ ويرحلُ مع دخانِ قهوتِهَا السَّاخِنَةِ.
انحنى النادلُ يسألُها بأدبٍ جمٍ "قهوة حضرتك بردتْ، تحبي أجيب لك غيرها؟"، خرجتْ من شرودِهَا بابتسامةٍ باهتةٍ، وأجابته "ستبردُ كذلكَ ولنْ يأتي".
وفيفيان سمير نجيب أيوب تم نشر أولى مجموعاتها القصصية تحت عنوان "لحظات تانجو" في مارس 2021 والمجموعة الثانية "فراشات المقهى" في يناير 2022.