«علمنا أن نختلف معه».. ذكريات محمود أمين العالم مع طه حسين
"لم تكن لي مع طه حسين في الحقيقة ذكريات حميمة، اللهم إلا في أيامه الأخيرة، كان أغلب ذكرياتي معه من بعيد، على حد عنوان لكتاب من كتبه الملهمة، بل كانت لحظات عابرة، وإن تكن ما زالت صورتها حية في عيوني الباطنية وما زال عطرها نفاذًا أخاذًا في وجداني"، هذا ما رواه محمود أمين العالم من ذكرياته مع طه حسين لجريدة "الأهالي" 1998.
وقال محمود أمين العالم، إنه كان يتمرد على قرار حرمانه من حضور المحاضرات من جامعة الملك فؤاد بقرار رسمي، لكي يحضر محاضرات الدكتور طه حسين في قسم اللغة العربية مفضلًا محاضراته على محاضرات قسم الفلسفة، رغم أنه كان يتعلق بها.
وأشار إلى أنه لا ينسى محاضرة لطه حسين بدأت بتحيليل وتقويم لمسرحية شعرية لأحمد شوقي، قام بها محمد حسن الزيات زوج ابنته، ثم انتهت بعليق لطه حسين، وأضاف: "وما زلت أذكر مناقشاته في القاعة 78 لرسائل الدكتوراة خاصة، التي كانت تحتشد بمئات الطلبة والباحثين من مختلفة الكليات ومن خارج الجامعة، وكنا ننتظر دائمًا حتى ينتهي من كلمات التحية الأولى للجهد المبذول في الرسالة، ليبدأ قوله ولكن لتنطلق القاعة في التصفيق والضحك، لإدراكنا ما تعنيه هذه العبارة من بداية الحوار النقدي الحاد".
وفي أواخر فترة الأربعينيات قرر محمود أمين العالم رفقة مصطفى سويف ويوسف الشاروني أن يلتقوا بطه حسين في بيته ليعرضوا عليه إنتاجهم الأدبي، واستقبلهم في بيته وجلسوا معه، لكن بعدما لمح منهم فكرهم الماركسي ونشاطهم السياسي عمليًا، ترك الحديث حول الأدب وفاض معهم في الحديث عن الصراع الذي كان محتدمًا بين اليمين واليسار.
وأشار محمود أمين العالم إلى أن طه حسين أصبح كاتب ثورة 1952 الأول في جريدة "الجمهورية" في الوقت الذي كان فيه "العالم" معارضًا للثورة في بدايتها الأولى، وكان يكتب في جريدة "الوفد" المعارضة، وأضاف: "وأشهد أن طه حسين كان في اختلافه معنا كان يناقشنا بدماثة وبمنهج عقلي على حين أن العقاد الذي اشتبك معنا في هذه المعركة الأدبية كان لا يناقشنا بل يسلمنا لأقرب مخفر بوليس باتهامنا بالشيوعية، على أننا في المساء كنا نسعى للقاء طه حسين في جلسته باتحاد الأدباء".
وقال محمود أمين العالم إن طه حسين لم يتحدث معهم في لقائهم معه عن اختلافهم معه، واكتفى بالقول: "لماذا لم تستخدموا كلمة صيغة بدلًا من صياغة"، وفي آخر اللقاء خاطبه "العالم": "قد علمتنا يا دكتور طه حسين أن نختلف معك"، فابتسم طه حسين.