القطيع الإلكترونى.. من يحكم العالم؟!
تزداد تدريجيًا سيطرة الشركات عابرة القوميات على مقدرات العالم، وهو ما ترتب عليه التراجع الواضح لدور رجال السياسة ونفوذهم لحساب فئة محددة من كبار رجال الأعمال الذين يتحكمون بصورة رئيسية فى بعض المجالات، وعلى سبيل المثال العائلة السرية «عائلة روتشيلد»، وجورج سوروس وما يقوم به من مضاربات من شأنها أن تهز أركان الاقتصاد الوطنى لأى دولة كما فعل مع النمور الآسيوية منذ عدة سنوات، وبيل جيتس صاحب شركة مايكروسوفت التى تحتكر صناعة البرمجيات على مستوى العالم كله، وهو ما جعل الحكومة الأمريكية تقاضيه فى وقت من الأوقات.
ساعد على ظهور هذه الفئة من رجال الأعمال التطور السريع والمتغير للنظريات الاقتصادية وأساليب تطبيقها العملى على مستوى الدول من جانب، ومن خلال بعض المؤسسات، منها: صندوق النقد الدولى والبنك الدولى بمؤسساته، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية من الجانب الآخر.
هذه الفئة من كبار رجال الأعمال قد تعدت وصف كونهم «رجال أعمال» حسب المفهوم التقليدى لرجل الأعمال الذى يدير وينظم عمل مشروع أو مشروعات تعود عليهم بالربح دون أن يتسببوا فى ضرر أحد، إلا أنهم قد تجاوزوا هذا المفهوم التقليدى إلى تسخير كافة مجالات التطور التكنولوجى المذهل للوصول لأهدافهم فى تحقيق أقصى ربح ممكن، بالإضافة إلى تحقيق أكبر سيطرة وهيمنة ممكنة على أسواق العالم وبورصاته.
يطلق على هذه الفئة الجديدة غير التقليدية من رجال الأعمال فى زمن العولمة الآن «القطيع الإلكترونى»، هذا التعبير الذى اختاره الكاتب الأمريكى توماس فريدمان ليصف هؤلاء المضاربين بالمال فى الأسواق وعملائهم فى داخل الدول، والذين ينتشرون فى أسواق المال والشركات عابرة القوميات وشركات الاستثمار مما يؤهلهم لأن يصبحوا أكبر قوة ضاربة وغير مسلحة عرفها الإنسان على مر التاريخ حتى الآن.
أصبح هذا القطيع الإلكترونى هو الحاكم الفعلى الجديد لكل دول العالم، خاصة فى ظل انتشاره كإحدى أهم آليات العولمة للتدخل فى الشأن الداخلى للدول واحتلالها والسيطرة عليها بأساليب عديدة، منها: الثقافة والتجارة والاقتصاد والتكنولوجيا، والدين أيضًا.. دون الحاجة إلى القوة العسكرية التقليدية التى تحتاج إلى مبالغ طائلة لتجهيزها وتشغيلها ونقلها. ومن الأمثلة الواضحة لخطورة هذا القطيع الإلكترونى هو ما حدث منذ عدة سنوات فى تايلاند من أزمة مالية ضخمة سرعان ما انطلقت إلى باقى النمور الآسيوية.. حيث راهن هنا القطيع على صمود العملة التايلاندية «الباهت» فى ظل عجز الاحتياطى النقدى التايلاندي، ثم سقوط ماليزيا فى أزمة مالية بسبب الهجوم العلنى الذى شنه رئيس وزراء ماليزيا حينذاك على كل من: جورج سوروس والقطيع الإلكترونى.. فانخفضت العملة الماليزية «الرنجت» كما حدث مع العملة السابقة من قبلها.
نقطة ومن أول الصبر..
لقد تكاثر هذا القطيع وانتشر فى دول العالم معتمدًا على قوة العولمة الهائلة والمتشابكة، وفرض آليات محددة للتعامل معها حتى تتجنب هذه الدول سقوط اقتصادها الوطني، وتأتى هذه الآليات فى إطار من الشرعية الدولية.. يفرضها صندوق النقد الدولى والبنك الدولي، وتنفذها اتفاقية منظمة التجارة العالمية «الجات» بالتعاون مع كل من الشركات عابرة القوميات والمضاربين الدوليين، بالإضافة إلى القطيع الإلكترونى فى نهاية الأمر.
التاريخ يعيد نفسه بآليات الهيمنة الاستعمارية الحديثة العابرة للقوميات.