هكذا أسهم «ترام القاهرة» فى النهضة الاجتماعية والفكرية والحراك الثقافى
"ترام القاهرة.. دراسة تاريخية، اجتماعية أدبية"، عنوان كتاب الباحث محمد سيد كيلاني، والذي يرصد الحراك الأدبي والثقافي، والتقدم الاجتماعي الذي شهدته مصر والمصريين مع دخول «الترام» شوارعها كوسيلة للانتقال والتمازج بين المصريين بعد أن كانوا منعزلين داخل أحيائهم، حتى أنه كان من أسباب عدم التحاق الأطفال بالتعليم، هو وقوع المدارس في أحياء بعيدة عنهم.
ويشير «كيلاني» إلى أنه: لما سهل على سكان العاصمة الانتقال، كثرت الجمعيات الأدبية والعلمية والدينية. ففي سنة 1898 تألفت الجمعية الطبية المصرية، والجمعية الزراعية، وجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، وجمعية شمس الإسلام. وفي سنة 1904 تشكلت جمعية إحياء العلوم العربية، وتأسس نادي طلبة المدارس العليا سنة 1906، وجمعية زهرة الآداب سنة 1909، وجمعية الشبان المسيحيين سنة 1910، ونادي الموظفين سنة 1911، ونادي العمال سنة 1912، وهكذا توالى ظهور مثل هذه الجمعيات والأندية على ممر الأيام. وكانت تلقي فيها المحاضرات الأدبية، والعلمية والدينية، وتنشد فيها القصائد.
وكثرت الجمعيات الخيرية التي قامت بدور عظيم في نشر التعليم بافتتاح المدارس الابتدائية والثانوية للبنين والبنات، والملاجئ والمشاغل. وانتشرت المدارس الليلية. وظهر أثر ذلك في زيادة الإقبال علي التعليم العالي. ففي سنة 1898، أي بعد وجود الترام بعامين تقدم 21 طالبًا للالتحاق بمدرسة الطب، بينما كانت مجموعة الطلبة الذين التحقوا بها في المدة من سنة 1892ــ 1895 أحد عشر طالبًا. وكان طلبة مدرسة المهندسخانة 16 طالبًا سنة 1897، فبلغ عددهم خمسين في عام 1900، وكذلك زاد عدد طلبة مدرسة الحقوق، ودار العلوم التي جدد بناؤها سنة 1901.
وفي سنة 1897 «أدخل على التدريس بمدرسة الزراعة تغيير شامل، فأنقصت مدة الدراسة النظرية، وزيدت مدة الدراسة العملية، على يد إنجليزي استدعى من الهند خصيصًا لذلك. فيعمل التلاميذ في حرث التربة وريها، وزرعها وحصدها، وبذلك استغنى عن الفعلة. وتعين غلة الأرض للتلميذ الذي يزرعها، وهو مخير في إبقاء ما يجنيه له، أو بيعه والانتفاع بثمنه» وكان عدد من التحقوا بهذه المدرسة سنة 1900 «54» طالبًا، منهم عشرون أجنبيًا.
ــ إدخال العلوم الحديثة في المناهج الأزهرية
ويتابع الباحث «محمد سيد كيلاني»: وفي سنة 1897 قررت إدارة الجامع الأزهر إدخال بعض العلوم الحديثة ضمن مواد الدراسة. قال «كرومر» في تقريره عن تلك السنة: «وأشهر من ذلك أن مديري الجامع الأزهر طلبوا 13 أستاذًا من أساتذة المدارس الأميرية، وأدخلوا طرقًا جديدة للتعليم في الجامع الأزهر من أنفسهم. أما الدروس التي يدرسها أولئك الأساتذة فهي الرياضيات، والجغرافيا، ورسم الخرائط. وإذا نظرنا إلى ازدحام التلامذة عفوًا واختيارًا عليهم لتلقي العلم منهم، حكمنا أن تدريس تلك العلوم في مدرسة اشتهرت باقتصارها علي العلوم الدينية فقط يعد نجاحًا عظيمًا».
وكان عدد طلبة الأزهر سنة 1903 (10٫403)، منهم 645 من أبناء البلاد الإسلامية.
ــ صدى الحراك الذي أحدثه دخول الترام في الأرياف
ويلفت «كيلاني» إلي أنه: ومنذ سنة 1900 بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بإنشاء جامعة. وقد تجاوزت الحركة الثقافية مدينة القاهرة إلى الأرياف. ففي شهر أبريل سنة 1897 اجتمع أعيان الأقصر في منزل الخواجة أندرواس بشارة، وتبرع كل منهم بمبلغ من المال لبناء دار جديدة صحية لمدرسة الأقباط، كما تألفت جمعية خيرية لإنشاء مدرسة الأقصر الصناعية، برئاسة يسي بك أندراوس، وأسندت أمانة الصندوق إلى عبدالكريم بك العماري، وعضوية: أيوب بك صبري، ومنشتح بك كرار، وأحمد بك سليم، والسيد محمد الزيني. قالت صحيفة «المقطم» في الأول من ديسمبر 1909 «جربت الآلات بمدرسة الأقصر الصناعية بحضور حضرات وكيل مديرية قنا، ومفتش الداخلية، ومفتش قسم النظام، وجناب مدير خط سكة حديد أسوان ــ الأقصر. وقد أديرت الآلات الخراطة والجلخ والمثاقب وآلة نشر الخشب وخرطه وغير ذلك من الآلات العديدة، وكلها تدار بالبخار».
وتحتوي مدرسة الأقصر على أربعة عنابر كبيرة للتشغيل. واثنين للتدريس. وهي واقعة في بقعة طلقة الهواء، وفيها فضاء كبير يسع بناء عدة عنابر أخرى، ستبنى كلما دعت الحال، وزادت الرغبة في تعلم الصنائع.
ــ ظهور المجلات الأدبية والدينية والعلمية
ويوضح مؤلف كتاب «ترام القاهرة»: وعلى إثر إنشاء الترام ظهر عدد من المجلات الأدبية والدينية والعلمية. ففي سنة 1897 صدرت مجلات: الأجيال، والصاعقة، حمارة منيتي. وفي سنة 1898 صدرت مجلات: المنار، المرصاد، والزمن، وجهينة، وطبيب العائلة. وفي سنة 1899 صدرت مجلة الجمعية الزراعية، والموسوعات، والأسد المرقسي، والعائلة وهي مجلة علمية أدبية نسائية.
وألفت كتب مدرسية كثيرة. ومنذ سنة 1897 اتجه بعض بعض المؤلفين إلى العناية بشئون المرأة. فصدر في العام المذكور كتاب «إرشاد العائلات إلي تربية البنات» لـ أحمد الحفني. بحث فيه عن أهمية تربية البنات، ووجوب تعليمهن، والفوائد التي تنشأ عن ذلك. وتكلم عن الزواج عند الأمم الأجنبية، وعن الفات التي يجب علي الزوجين أن يتصفا بها، وعن تربية الأولاد، وأعمال الخياطة والغسيل، وتنظيف الملابس، وفير ذلك مما يتعلق بالبنات. كما ظهر سنة 1899 كتاب «آداب الفتاة» لـ علي فكري، أبان فيه فائدة تعليم البنات، والاعتناء بتربيتهن. ومن أهم الكتب الثقافية التي ظهرت سنة 1899 كتاب «تحرير المرأة» لـ قاسم أمين، و"سر تقدم الانجليز الساكسون" تعريب أحمد فتحي زغلول.
وتم بناء المعرض الزراعي الصناعي بالجزيرة سنة 1899. وفي يوم الخميس أول أبريل سنة 1897 احتفل بوضع الحجر الأساسي لدار الآثار المصرية في جهة قصر النيل. «وألقي ناظر الأشغال خطابًا يناسب المقام باللغة الفرنسية، فرد عليه الخديو بالفرنسية أيضًا. ثم أقبل جماعة من العمال الوطنيين بالأثواب البيض والعمائم الحمر، يحملون حجرًا ثقيلًا، هو الحجر الأول، ويمشون رويدًا، رويدًا وينشدون إنشادًا رقيقًا. وكان منظرهم، وهم مقبلون، من أبدع ما في ذلك المشهد. ثم أنزلوا الحجر وطرق الخديو عليه بالمطرقة كما يفعل البناء»، وفي نهاية سنة 1902 نقلت إليه الآثار من متحف الجيزة. وبهذه المناسبة صدر أمر خديوي بإطلاق اسم مريت باشا علي شارع الزهرية، واسم شارع الأنتكخانة علي شارع فم الترعة. وتم بناء دار الكتب، ودار الآثار العربية بباب الخلق في نوفمبر سنة 1902.