لا تسمع لـ«غراب البين»!
يذكرنى بعض النماذج بـ«غراب البين».. أنا شخصيًا لا أكره طائر الغراب ولكنى أكره الإنسان الغراب.. رمز الشؤم.. الذى ينفر ولا يبشر.. غراب البين هو الغراب الذى ابتعد عن قومه.. و«البين» هو البعد أو مفارقة الجماعة.. ويقال إن النبى نوح أرسل الغراب من بين كل حيوانات السفينة ليستطلع الأرض التى يمكن أن ترسو عليها بعد انحسار الطوفان.. لكن الغراب فارق قومه ولم يعد.. لذلك كرهه الناس وصاروا كلما تشاءموا من أحدهم أطلقوا عليه «غراب البين».. لا تشكيك فى وطنية أحد ولكن الرسول «صلى الله عليه وسلم» يقول بشروا ولا تنفروا.. والمعنى أن زراعة الأمل فى الناس تمكنهم من مواجهة الصعاب بروح واثقة ونفس قوية.. أما النواح والتبشير بالخراب فيمكن أن يغريا الناس بالانهزام والاستسلام وهما هنا يرقيان لمرتبة الخيانة.. العالم كله يواجه أزمة ضارية ولا أحد ينكر هذا.. لكن كيفية المواجهة هى الفارق.. من يحب هذا الوطن فعلًا سيدعو للتكاتف والتماسك والحوار ومواصلة الطريق مع الإصلاح المستمر وسيبث الأمل فى نفوس الناس بأننا قادرون أن نعبر المحنة وأننا أفضل مما يحاولون أن يصوروا لنا.. سيضع أمامهم عيوبهم ليعالجوها لا ليكرهوا أنفسهم.. أما بث روح اليأس والقنوط والسواد فلا يهدف سوى تحويل المصرى من داخله إلى «خردة» يشتريها سماسرة الإخوان بتراب الفلوس.. أنا من مدرسة لا تحب المبالغة فى تصوير الإنجازات.. لكننى لا أحب أيضًا التعامى عن الجوانب الإيجابية فى الصورة.. المفكر الراحل محمود أمين العالم كان يصف نفسه قائلًا «أنا متفائل تاريخى»، والمعنى أنه يتخذ كم تفاؤله مبررًا للاستمرار فى الحياة والحلم بغد أفضل.. إذا قلت لى إن التفاؤل غير مفيد.. فسأسألك بدورى: «وهل التشاؤم هو المفيد»؟؟.. بعضهم يريد أن يرسل رسالة بأن العالم كله ينهار ولن يبقى سوى من يملك النقود.. هذه رسالة خاطئة.. الحضارة الإنسانية كلٌّ واحد.. وإما أن يغرق الجميع أو ينجو الجميع.. من قلب المحنة تولد المنحة.. ومن قلب الألم يولد الأمل.. نحن نعانى ولكننا سنعبر.. اقتصادنا مريض لكنه لم ولن يموت.. من بواعث الأمل القمة الخماسية فى مدينة العلمين الجديدة.. منذ سنتين لم تكن هناك مدينة من الأساس.. هذه المدينة طالب بها كاتب كبير مثل أحمد بهاء الدين منذ عام ١٩٧١.. نعم.. طالب الرجل بتعمير الساحل الشمالى من وقتها.. كان يقصد أن نبنى المدن والمزارع والمصانع، لا القرى السياحية.. الرئيس السيسى جاء بعد خمسة وأربعين عامًا لينفذ هذه الرؤية.. يستصلح ملايين الأفدنة فى الضبعة ويؤسس مفاعلًا نوويًا لتوليد الكهرباء، ويخطط لمدن تصلح للإقامة طول العام ويبنى قاعدة عسكرية كبيرة تقوم بأدوار دفاعية وتنموية كثيرة.. فلماذا لا نتفاءل؟.. ولماذا لا نثق أننا سنعبر؟.. اجتماع القادة الخمسة نفسه رسالة أمل كبيرة.. وكالات الأنباء تقول إن هدف الاجتماع تأسيس مشروع «الشام الجديدة»، الشام معنى تاريخى وحضارى كبير جدًا جدًا.. تاريخيًا كانت الشام ومصر إقليمًا سياسيًا واحدًا.. فى كل العقود تقريبًا.. هذا الإقليم تم تمزيقه بيد الاستعمار وتمت مطاردة الدول الوطنية فيه والتآمر عليها.. الآن تسعى مصر لعهد جديد.. الإمارات العربية تراهن على استثمارات كبيرة فى هذه الدول ذات البعد الحضارى العريق.. مصر لديها القوى العاملة والقيادة الملهمة.. العراق بلد الخير والحضارة الذى غدروا به وسرقوه ومزقوه.. الأردن بلد ذو موقع استراتيجى وقيادة محترمة.. والبحرين شريك استراتيجى لمصر فى أشياء كثيرة.. التجمع فى مصر وفى العلمين أيضًا رسالة سياسية بكل تأكيد.. الاجتماع لا يعنى أن المشروع تم إنجازه أو أننا سنجنى الثمار غدًا.. لكنه خطوة كبيرة تدعو للتفاؤل بكل تأكيد.. وستتلوها خطوات أكبر وأكبر.. أنا لا أطلب منك أن تنسى مشاكلك.. أنا أطلب منك فقط أن تتفاءل.. وأن تحذر ممن يدعوك للتشاؤم.. بمعنى آخر.. لا تسمع لـ«غراب البين».