سياحة الطاقة
التطورات المتسارعة فى العالم تخلق أوضاعًا جديدة علينا أن نتعامل معها.. ليس علينا أن نلجأ للأفكار التقليدية لتعويض نقص الموارد.. كما قال الرئيس السيسى ذات يوم.. أوروبا تعانى من أزمة كبيرة فى الطاقة فى سبيلها للتصاعد.. سبب الأزمة هو تداعيات الحرب فى أوكرانيا.. روسيا هى المصدر الأول للغاز فى أوروبا وقد خفضت إمداداتها لأوروبا بمقدار ٤٠٪، حتى الآن.. هذه النسبة مرشحة للتصاعد والجانبان يتبادلان الاتهامات.. روسيا ردت على حصار الغرب لها بطلب تحصيل ثمن الغاز بالروبل الروسى.. أوروبا رفضت وقالت إن تعاقدات التوريد لا تنص على الدفع بالروبل.. روسيا قالت إن لديها إجراءات صيانة عاجلة فى أنابيب الغاز تقتضى تخفيض ما تورده لأوروبا بنسبة ٤٠٪، ربما تكون قابلة للزيادة! بكل الحسابات فالقارة العجوز مقبلة على شتاء قارس.. أسعار الطاقة تضاعفت ست مرات فى ألمانيا، وفى إنجلترا رفض المواطنون دفع فاتورة الكهرباء بعد الزيادة التى قررتها الحكومة لتمويل ارتفاع سعر الغاز.. الأمر فى الشتاء يختلف بكل المقاييس.. الشتاء فى أوروبا قارس وليس له علاقة بالشتاء الذى نعرفه فى الشرق الأوسط.. درجات الحرارة تقترب من الصفر ولا بديل عن أنظمة تدفئة مركزية فى كل المبانى.. هذه الأنظمة تعمل بالغاز بشكل مباشر، والاستثنائى منها يعمل بالكهرباء التى يولّدها الغاز أيضًا، وبالتالى فالأزمة واحدة.. بعض الدول لجأ لدعم الشركات التى تزود المواطنين بالغاز حتى لا ترفع الأسعار أكثر من هذا.. لكن الدعم لن يستمر مع استمرار الأزمة.. الخوف من البرد فى شتاء أوروبا يصلح لأن نبدأ سياحة جديدة فى مصر يمكن تسميتها بـ«سياحة الدفء» أو «سياحة الطاقة»، تكلفة السفر لمصر لقضاء شهور الشتاء فى الشمس أرخص تقريبًا من الزيادة فى سعر الطاقة «٦٠٠ يورو زيادة فى الشهر الواحد وربما تتصاعد»، الفكرة أن كثيرًا من المواطنين هناك يعملون من المنزل عبر الإنترنت وبالتالى يستطيعون أن يواصلوا العمل من مصر، الفكرة فى تقديم عروض مغرية لإقامة طويلة خلال الشتاء، مطلوب من وزير السياحة خطة لترويج هذا النوع الذى يستهدف المواطن العادى، هو يريد فقط أن يهرب من البرد الذى يهدد حياته ويستقر فى فندق بسعر مقبول وتذكرة طيران رخيصة.. يمكن طبعًا أن نمنح الحملة طابعًا إنسانيًا ونقول إن مصر تمد يدها لمن يعانى من برد الشتاء فى أوروبا.. لكن هذا لا ينفى الطابع السياحى والاقتصادى للاستضافة، يمكن لإدارة منتدى شباب العالم أن تطلق دعوة للشباب الأوروبى للقدوم لمصر والإقامة فى بيوت الشباب أو مشاطرة بعض الغرف فى بيوت الشباب المصريين.. قد يكون لهذا أيضًا بعد اقتصادى.. أحد مبررات اختيار وزير السياحة الجديد الأستاذ أحمد عيسى هو أنه عقلية اقتصادية ويستطيع تسعير الخدمات السياحية بشكل مُرضٍ للسائح ومفيد للخزانة العامة أيضًا.. يمكن أن تستهدف سياحة الدفء هذه ملء الفنادق التى ليس عليها إقبال فى الشتاء.. يمكن أن تكون العروض شاملة لفنادق القاهرة مثلًا أو غيرها من المدن إذا كانت شرم الشيخ والغردقة محجوزتين لسياحة الشواطئ أو السياحة العادية، مطلوب أن تشمل العروض فئات مختلفة من الفنادق وأن تشمل الإقامة فى البيوت أيضًا وفق إيجار محدد.. الفكرة أنك تسمح للمواطن الأوروبى بأن ينقل حياته عندك لمدة ستة أشهر يهرب فيها من برد الشتاء ويستمتع بدفء القاهرة.. خلال هذه الشهور هو ينفق على الطعام والشراب والخدمات والإقامة والإنترنت ويعيش حياته بشكل طبيعى جدًا.. وعندما تنتهى فترة البرد فى أوروبا يعود ليواصل حياته وقد عرف الكثير عن مصر التى استضافته ولجأ لها.. بغض النظر عن بعض الشكاوى التقليدية للسائحين من سائقى التاكسى والاستغلال المادى هناك حالات ولع أوروبى بمصر أكثر من أن تُحصى أو تُوصف.. لو استهدفنا مليون سائح أوروبى، أنفق كل منهم ثلاثة آلاف يورو فقط فى مصر «الحد الأدنى للأجور هناك»، فستدخل مصر ثلاثة مليارات يورو مقابل سلع وخدمات ورسوم.. الأفكار الجديدة تبدو غريبة وصعبة التنفيذ لكن المفاجأة أنها تؤدى إلى نتائج مبهرة إذا تم تنفيذها.. أدعو وزير السياحة إلى إطلاق حملة «مصر الدافئة» على الفور وقبل بدء الشتاء القاسى، وأدعو سيادة الرئيس لإعلان ترحيب مصر باستضافة مواطنى أوروبا على أرضها.. لدينا تسعة ملايين لاجئ من الأشقاء العرب والأفارقة، ولا مانع من استضافة مليون لاجئ أوروبى ولكن على نفقتهم هذه المرة!!