الحوار الوطنى والمفوضية المستقلة للقضاء على التمييز
فى مقدمة الدستور المصرى ٢٠١٤ كلمات ومبادئ تنير لنا طريق البناء والنهضة والتقدم وطريق بناء دولة المواطنة والقانون، ومن هذه الكلمات «نكتب دستورًا يصون حرياتنا، ويحمى الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا الوطنية. نكتب دستورًا يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون تمييز».
فى الثامن من أغسطس ٢٠٢٢ تشرفت بحضور اللقاء الافتراضى عبر الإنترنت، بدعوة كريمة من عدد من النقابات المستقلة «النقابة العامة للعاملين بالإسعاف المصرى، والنقابة التضامنية للعاملين بمكتبة الإسكندرية، والنقابة العامة للعاملين بالضرائب العقارية، ونقابة العاملين بالهيئة العامة لتعليم الكبار، ونقابة العاملين بمستشفى كفر الدوار»، وذلك لمناقشة سبل تفعيل المادة «٥٣» من الدستور المصرى ٢٠١٤ المعنية بتجريم التمييز، وإنشاء مفوضية مكافحة كل أشكال التمييز.
وركز النقاش والحوار فى هذا اللقاء على مكافحة التمييز فى مجال العمل، خاصة التمييز ضد النساء، وذلك بحضور ممثلى المجتمع المدنى من منظمات ونقابات، وأحزاب منها رابطة المرأة العربية ومؤسسة المرأة الجديدة، والحزب الاشتراكى المصرى وحزب العيش والحرية.
فى الباب الثالث من الدستور «الحقوق والحريات والواجبات العامة» تنص المادة «٥٣» على «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».
وانطلق الجميع فى الحوار بناءً على المادة «٥٣» التى تُجرِّم التمييز، ومن منطلق إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى سبتمبر ٢٠٢١ التى تتضمن الحريات السياسية، ومواجهة خطاب الكراهية ومكافحة التمييز، وأيضًا من منطلق اعتبار عام ٢٠٢٢ عامًا للمجتمع المدنى.
لقد أشارت الدكتورة هدى الصدة، عضو لجنة الخمسين لوضع الدستور، إلى أنه جرى العديد من المشاورات منذ إقرار الدستور لوضع تصور لإنشاء المفوضية المستقلة لمكافحة التمييز، وتم وضع مقترحات ومشروعات قوانين خاصة بالمفوضية، شارك فيها قانونيون ومنظمات حقوقية، ونواب ونائبات، منهم «النائبة الراحلة أنيسة حسونة رحمها الله، والاتحاد النوعى لنساء مصر، ومؤسسة شراع ومصريون فى وطن واحد، ومؤسسة قضايا المرأة، ومؤسسة نظرة للدراسات النسوية»، ولكن لم ترَ هذه المشروعات النور حتى الآن، رغم أهمية وجود المفوضية ورغم نداءات جميع منظمات المجتمع المدنى بسرعة إنشاء المفوضية وذلك للقضاء على التمييز الذى يتسبب فى العديد من المشكلات والجرائم والمعاناة لأفراد المجتمع المصرى.
وانتقل بعد ذلك الحوار حول أنه لا بد من أن يسبق إنشاء المفوضية قانون لتجريم التمييز، وتعريف ماهية التمييز، وآلية لمتابعة وتنفيذ القانون، هذا بجانب أن يكون للمفوضية دور فى الانتصار لضحايا التمييز، ودور فى رصد ظواهر التمييز بكل أشكاله فى جميع المؤسسات وأماكن العمل العامة والخاصة ومناهج التعليم.
كما تطرق النقاش إلى أهمية أن تكون المفوضية مستقلة، وليست تابعة لأى جهة تنفيذية، وأيضًا حول التشكيل، والتمويل، والحوكمة، والصلاحيات، مع عدم تعارضها مع القضاء.
وفى حديثها أكدت الأستاذة رحمة رفعت «المحامية والمستشار القانونى لدار الخدمات النقابية والعمالية» أنه لا بد من إصدار قانون يتضمن تجريم فعل التمييز، وينص على استقلالية المفوضية عن كل الجهات التنفيذية والتشريعية، وأن تتكون من أشخاص يتمتعون بسيرة طيبة فى مجال مكافحة التمييز.
لقد ازداد فى الفترة الأخيرة خطاب الكراهية ضد الآخر من حاملى الأفكار المتطرفة دينيًا ومذهبيًا، كما ازدادت جرائم العنف الأسرى والمجتمعى ضد الفتيات والسيدات، وفى أماكن العمل، حيث لا يقوم عدد من أصحاب العمل بتشغيل النساء، بجانب إعطاء النساء أجرًا يقل عن أجر الرجال عن نفس العمل، هذا غير بعض حوادث التنمر ضد ذوى الإعاقة.
كل ذلك يقتضى سرعة إنشاء المفوضية المستقلة لمناهضة التمييز.