أساطير الخلافة وأوهام عودتها!
«1»
هل أتى الإسلام حقا بنظامٍ جديدٍ للحكم لم يكن معروفا قبل الإسلام اسمه (الخلافة) أم أن الكلمة هى مجرد تعبيرٍ لفظى من مشتقات الفعل (يخلف) وليس لها إلا مدلول زمنى يفيد بأنّ من حمل لقبها قد أتى خلفا زمنيا لفترة النبوة؟!
♦ هناك مجموعة أحاديث منسوبة للنبى (ص) خلاصة ما بها أن الرسول يخبرنا بما سوف يكون بعده فيما يخص من يحكم المسلمين.. فيقول ما معناه إنها ستكون نبوة ثم خلافة راشدة ثم مُلك.. هذا هو خلاصة تلك الأحاديث وهذا ما حدث تاريخيا بالفعل.
لكن هذا لا يعنى إطلاقا أن هناك نظامٌا للحكم خاصا بالمسلمين أتى به الإسلام.. ومؤكداتُ نفى تلك الفكرة كثيرةٌ بارزة فى الأحداث التاريخية ذاتها..
أول تلك المؤكدات هو الواقعة التاريخية التى لا يكاد ينكر حدوثها أىُ دارسٍ للتاريخ الإسلامى وهى ما حدث بعد وفاة الرسول (ص) وتجمع الأنصار فى سقيفة بنى ساعدة لاختيار أمير منهم يحكم المسلمين ثم دخول بعض المهاجرين عليهم (أبوبكر وعمر وأبوعبيدة) والسجال التاريخى الموثق بين المهاجرين و الأنصار..
فى هذا السجال لا نرى أى أثر لأمر من القرآن أو أقوال الرسول (ص) تحدد شكلا معينا لأى نظام للحكم بعد وفاة الرسول، ولكن السجال اللفظى كان قبليا فى جزءٍ منه وسياسيا فى جزءٍ منه ولم ترد كلمة خليفة فى الحوار من أوله لآخره و ما ورد هو ألفاظ (أمير- إمار- وزارة)..
الحقيقة الثانية هو أن كل واحد من الخلفاء الراشدين الأربعة تم اختياره بطريقة مختلفة عن الآخر.. فأبوبكر اقترحه عمر بن الخطاب فى سقيفة بنى ساعدة بتبرير قبلى صِرف باعتباره قرشيا أولا «إن العرب لن تقبل أن يكون هذا الأمر- أى إمارة المسلمين- فى غير قريش»، وثانيا لأن أبا بكر هو من اختاره الرسول لإمامة المسلمين فى الصلاة.. وعمر اختاره أبوبكر اختيارا صريحا.. وعثمان كان واحدا من مجموعة اقترح عمر أن يكون الخليفة من بينهم .. وعلى بن أبى طالب كان اختياره فى لحظة فتنة واضطراب بعد مقتل عثمان.. لذلك فتعدد طرق اختيار الخليفة تلو الخليفة يقطع بعدم وجود شكلٍ معين لاختيار الحكام فى الإسلام وأن ذلك متروك للمسلمين ولما تفرضه الظروف التاريخية..
الحقيقة الثالثة أن عمر بن الخطاب غيّر لقب الخليفة إلى أمير المؤمنين بعد حوار مع أحد الصحابة (المغيرة بن شعبة).. وقد رفض عمر فى هذا الحوار أنْ يُلقب بخليفة الله أو خليفة رسول الله أو خليفة خليفة رسول الله.. كما رفض أنْ يلقبه الصحابة باسمه مجردا حتى يحفظ لمقام الحكم هيبته فقال أخيرا للمغيرة: «أنتم المؤمنون وأنا أميركم»..
لذلك فقد كان المسلمون يتحسسون طريقهم بعد وفاة الرسول (ص) حتى فى اختيار المسمى (الخليفة) أو (أمير المؤمنين)..
«2»
أما من حيث هيكل الحكم وكيفية مراقبة أداء الحاكم، فلم يكن للخلافة أى هيكل إدارى محدد وتُرك الأمر برمته لاجتهاد الخليفة وسماته الشخصية من حيث التقوى والعدل أو الفسوق والجور أو من حيث الشدة أو اللين..
ولم تكن للشورى التى ذكرها القرآن كيانٌ واضحٌ محددٌ وملزمٌ للخليفة فى اتخاذ قراراته.. فقد كان الخليفة يستشير أصحابه لكنه كان صاحب القرار الأوحد فى تعيين الولاة وفى اختيار الاجتهاد أو الجمود فى الأحكام.. ويتضح هذا جليا من التباين فى طريقة الحكم بين عهد عمر وباقى عهود الراشدين من حيث الاجتهاد فى فهم بعض النصوص الخاصة بتطبيق بعض الحدود..
بل إن مقدمات مقتل عثمان وما تم من حوارات وملاسنات بين الخليفة وبين قطاع من المسلمين يشير إلى معضلة عدم وجود نظام أو آلية محددة للحكم.. فالخليفة كان يرى أن المبايعة إلهية أبدية ولا يجوز للمسلمين أن ينزعوا منه قميصا ألبسه له الله..
بينما شعر المسلمون- المعترضون على تولية بعض الولاة من عشيرة عثمان- بالعجز عن التعامل مع الموقف وبالعجز عن إجبار الخليفة إما على عزل هؤلاء الولاة أو التنازل عن الخلافة..
وكان عجز الأطراف كلها عن الوصول لحل هو الذى قاد المشهد إلى الحسم بالسيف واغتيال الخليفة الثالث رضوان الله عليه..
أما إذا كانت الخلافة تعنى فقط وجود حاكم واحد لكل المسلمين بغض النظر عن طريقة الحكم. فإنها- حتى بهذا المعنى الشكلى- لم تتحقق فى عصور الراشدين الأربعة.. حيث نعلم أنه بعد الصراع بين معاوية وعلى فقد تم التوقيع على الصلح الذى قبل فيه كل طرف استقلال الطرف الآخر بجزءٍ من الدولة الناشئة يعين فيه الولاة ويجمع الخراج ويجهز الجيوش ويمارس جميع الحقوق السيادية ولا يتبع أي منهما الآخرَ و لو تبعية اسمية..
إذن فقد قبل الخليفة على أن يكون معاوية خليفة مستقلا على جزءٍ من الدولة.. وهذا القبول من جانب على ينسف فكرة وجوب أن يكون هناك خليفة واحد لكل المسلمين أو تكون هناك دولة واحدة لكل المسلمين..
«3»
ثم نأتى لممارسات الحكم والإدارة فى البلاد التى غزاها العرب واستولوا عليها بقوة السلاح خاصة تلك التى كانت لها حضارة قديمة مثل مصر.. سنجد أن العرب لم يكن لديهم أى جديد يقدمونه فى فنون الإدارة والحكم بل قاموا بإقرار ما كان سائدا قبلهم من نظم للحكم والإدارة..
وما أتوا به من نظامٍ للخراج أو الجزية لم يكن جديدا فى جوهره ولم يكن الاختلاف حاضرا إلا فى المقادير والنسب والمسميات.. وهم فى هذا أيضا لم يأتوا بجديدٍ ففى بداية أى حكم أجنبى جديد يستقر بعد تمام غزو مسلح كان لا بد أن يتبع ذلك بعض الاختلافات فى نسب ومقادير الضرائب ومسمياتها حسب حاجة الغزاة الجدد للمال وحسب رؤيتهم للطريقة المثلى لاستغلال مقدرات البلاد التى استولوا عليها وحسب ثقافتهم وما يرفعونه من مبررات لغزو بلاد الغير..
وحين نقرأ مثلا ولو قليلا فى فقه الخراج سنفاجأ بالحقيقة الكاشفة.. أن هذا الفقه فى مجمله لم يكن منزّلا من الله لكنه كان شرعنة وتقنينا لما مارسه وأقره الجيل الأول من العرب الذين قاموا بالغزو.. ففى كثيرٍ من أحكام هذا الفقه نقرأ عبارات مثل (متروك لأولى الأمر) (حسبما يرى الإمام) ...إلخ.
هناك أيضا صفحة من تاريخ العرب قبل الإسلام لا تحظى بكثيرٍ من النظر والتأمل.. وهى الخاصة بما رآه العرب من حضارة وأسس للحكم والإدارة فى مختلف البلدان التى كانوا يتماسون معها جغرافيا أو عن طريق التجارة مثل حضارة مصر وحضارة الفرس والروم.. ولا شك أنهم حاولوا تقليد كثير من نظم وأسس تلك الحضارات بما فيها نظم الحكم..
«4»
لما سبق فإننى أعتقد أن الإسلام- كديانة- لم يأت بأى نظام للحكم مستقل ومختلف عما سبقه من أنظمة وأن هذا لم يكن نقصا فى الديانة وإنما إجلالا لها وترفعا وسموا بها عن أن تفرض على المؤمنين بها من تفاصيل الحياة ما من طبيعته التغير والتطور مثل نظام الحكم وطريقته وطرق مراقبة الحكام ومدد حكمهم وهل هى أبدية أم مؤقتة..
وأن ما مارسه العرب بعد وفاة الرسول (ص) لم يكن- فى جزءٍ منه- إلا تماشيا واتساقا مع طبيعتهم القبلية البدوية، و كان- فى جزءٍ آخر- اتساقا مع ديناميكية الاحتكاك السياسى والثقافى والتجارى والعسكرى مع الحضارات العريقة القديمة، وكان- فى جزءٍ ثالث- مغموسا بتقوى الخليفة وعدله أو فسوقه وجوره..
أى أن الخلافة لم تكن إلا خليطا من كل ذلك، أما صفة الرشد التى أطلقت على الأربعة الأوائل فلم تكن سوى انعكاسا للتقوى التى سكنت فى قلوب الجيل الأول من حواريى الرسول وصحابته، وأن هذه التقوى هى اجتهادات شخصية لا يمكن أن تصلح أسسا لنظام حكمٍ أو إدارة ولا يمكن أنْ تُترك مصائر الشعوب رهنا لتقوى الحاكم وخوفه من الله..
ولذلك فإن المسلمين الأوائل- بنظام حكمهم الذى سنطلق عليه شكليا (الخلافة)- لم يكونوا متفردين عما جاورهم أو عاصرهم من دول وإمبراطوريات أخرى، سواء فى شكل الحكم أو سيرة الحكام.. فسير حكام تلك الإمبراطوريات تخبر بجلاء عن حكامٍ عادلين راشدين وتخبر عن حكام آخرين متجبرين مثل الخلفاء المسلمين الظالمين والفساق الذين نقرأ سيرهم فى جميع الفترات التى تلت الخلافة الراشدة..
«5»
وإذا ما استقر فى الذهن هذا اليقين المبدئى من انتفاء وجود نظام حكمٍ إسلامى فإن المرؤ يُصاب بكثير من الدهشة والعجب والألم حين يقرأ تاريخ كثير من الحركات المتطرفة والإرهابية فى القرن العشرين..
ومبعث الدهشة لا يكمن فقط فى الكم الهائل من الجنون وتغييب العقل والمنطق الذى يمكن أن يستشفه أى ذى بقايا من عقلٍ و فطرةٍ ولكن القدر الأكبر من تلك الدهشة يأتيك من ذلك التغاضى عن التعرض بالنفى الموضوعى للفكرة الهيكلية أو الرئيسة التى بُنى عليها السواد الأعظم من عقيدة تلك الجماعات..
وتلك الفكرة هى المرور على كل ما سبق من حقائق ساطعة ثم القفز إلى الاعتقاد اليقينى بعودة ما يسمى بالخلافة الإسلامية مرة أخرى، واعتبار ذلك وعدا نبويا محمديا لا يأتيه الباطل، وأن مجرد التشكيك فيه كفيل بأن يُرمى ذلك المشكك بالاتهام فى قواه الإيمانية!
ويبلغ الألم مداه حين نقرأ ونسمع ما يردده من يعتبرون أنفسهم ممثلين للجناح المعتدل من رجال الدين الرسميين أو غير الرسميين.. فهؤلاء قرروا أن يسلكوا ما اعتبروه الطريق الآمن لهم من السقوط فى مرمى الاتهام فى العقيدة وأيضا من الاتهام بمساندة المتطرفين.. حيث تبنى بعضهم فكرة أن الخلافة يمكن أن تعود لكن بشكل يتناسب مع روح العصر ومفرداته مثل التجسد فى شكل اتحاد أو تحالف بين الدول الإسلامية المختلفة.. بل إن بعضهم قد اعتبر أن بعض الهياكل مثل منظمة المؤتمر الإسلامى أو الجامعة الإسلامية هى بالفعل إرهاصات لتلك الخلافة!
لكنهم لم يتجرأوا فى أقوالهم أو إجاباتهم على الإقتراب من التابو الحقيقى وهو جوهر الفكرة نفسها، باعتبار أن عودة الخلافة وعدٌ محمدى واجب التحقيق و اعتبروا- مثلما اعتقد قادة الجماعات الإرهابية- أن تلك الفكرة هى مسلمة لا يجوز الاقتراب منها !
ومصدر تلك الفكرة العقيدية هو حديث تم نسبته للرسول، عليه الصلاة والسلام، وهو من جملة الأحاديث التى سبق أن أشرت إليها فى بداية حديثى لكنه يختلف عن المجموعة فى طول روايته لفظيا ثم فى تلك العبارة الخاتمة: «.. ثم تعود خلافة راشدة على نهج النبوة تسود الأرض»..
وهذه العبارة فى نهاية الحديث هى التى يتشبث بها جميع من داعبت أحلامهم وخيالهم قعقعة السيوف فى بداية الدولة الإسلامية وقرروا أن يستنسخوا تلك المشاهد مرة أخرى مهما حملت تلك المحاولة من صفاتٍ ليس أقساها الجنون!
فكل الدماء التى أريقت والدول التى استبيحت والأعراض التى انتهكت والأوطان التى أسقطت لم تكن إلا محاولة لتنفيذ ذلك الوعد المنسوب للرسول (ص)!
وتتجسد المأساة فى أنّ قليلا من البحث فى كُتب الحديث ذاتها سوف يقود إلى مفاجآت صادمة لمن اعتقدوا طوال عمرهم أن هذا الوعد حقٌ لا ريب فيه..
وأهم تلك المفاجآت الصادمة أن هذا الحديث تحديدا به مشكلة أكاديمية كبرى فى سلسلة رواته.. حيث إن أحد الرواة (داود بن إبراهيم الواسطى) قد طعن فى صدقه أكثر من واحدٍ ممن يُطلق عليهم علماء الرجال أو المتخصصون فى تتبع سير رواة الأحاديث وهو العلم الذى ارتضاه علماء الحديث كأحد أسس قبول أو رفض ما نسب للرسول عليه الصلاة و السلام..
فقد قال الحافظ بن حجر عن داود بن إبراهيم الواسطى إنه (كذاب مجهول متروك الحديث) وقال عنه آخرون (إنه كان يكذب).. وهذا الطعن يكفى لتنحية الحديث جانبا!
أما ثانى المفاجآت التى يتجاهلها من يرددون هذا الحديث فهى أن يزيد بن النعمان بن البشير قد كتب إلى عمر بن عبدالعزيز كتابا يذكره بهذا الحديث، وقال فى آخر كتابه إنه يرجو أن يكون أمير المؤمنين (يقصد عمر) هو المقصود بعودة الخلافة الراشدة بعد الملك الجبرى!
وأهمية هذه القصة هى أنّ والد يزيد كان أحد رواة هذا الحديث.. وهذا يعنى أن من رووا هذا الحديث كانوا يعتقدون أن نبوءة الرسول (ص) قد تحققت بالفعل فى عصر عمر بن عبدالعزيز! أو أن أحدهم قد كذب بإضافة العبارة الأخيرة مجاملة للخليفة!
«6»
إذا وضعنا ما سبق من حقائق تثبت تداعى فكرة وجود نظام للحكم فى الإسلام بجوار هذه الشبهات الكبرى حول تلك الرواية المتداعية، يمكن أن يتبدد الضباب الذى غشى عقول كثيرٍ من المسلمين حول أساطير وجود نظامٍ للحكم واردٍ إلينا من السماء.. ثم يتبدد بالتبعية والوجوب ما يترتب على الأساطير الأولى من أوهام لاحقة ومعاصرة من انتظار عودة ذلك النظام ثانيا ليحكم جميع الدول الإسلامية..
وهناك أخيرا حقيقة هامة لا ينبغى أن ينتهى الحديث دون إلقاء الضوء عليها، وهى أن الذين يعتقدون أن البشرية كانت خواءً من أنظمة الحكم الرشيد حتى نزول الإسلام هم لا يعبرون عن حقيقة دعوة الإسلام ولكنهم يعبرون عن جدب عقولهم وخواء معلوماتهم وفقر إطلاعهم على ما أنجزته الحضارة الإنسانية قبل الإسلام..
فحتى الشورى التى ذكرها القرآن لم تكن جديدة كأساس من أسس الحكم الرشيد الناجح الذى عُرف فعلا قبل الإسلام.. فقد توصل إلى حقيقة معناها ونجح فى صياغة آلياتٍ شتى لها أصحابُ الحضارات القديمة قبل الإسلام بآلاف السنين، وتجلى ذلك فى وظائف المستشارين والوزراء ومجالس الحرب التى كانت تنعقد قبل خوض المعارك..
بل إننى أدعى أن بعضا من أصحاب هذه الحضارات قد نجحوا فى تطبيق معنى الشورى بشكلٍ أفضل مما تم فى عصور الخلافة حتى الخلافة الراشدة! فالثابت أن الخلفاء الراشدين لم يتوصلوا لآليةٍ عملية محددة وملزمة لتفعيل معنى الشورى إلا فى وقائع محددة مثلما حدث فى اجتماعات اختيار عثمان كخليفة عن طريق يشبه التصويت على ما اقترحه عبدالرحمن بن عوف..
بل إنّ الرواية الشهيرة لخطبة عمر بن الخطاب فى بداية توليه الخلافة، والتى طلب فيها من المسلمين أن يقوّموه إنْ رأوا فيه اعوجاجا، ورد أحدهم بأنهم سوف يقومونه بسيوفهم إن رأوا فيه هذا الاعوجاج، ثم قبول عمر لهذا الرد ورضاؤه عن قائله لدرجة أنه حمد الله أن هناك من المسلمين من سيقوم عمر بسيفه، إن هذه الرواية بهذا الشكل تعبر تعبيرا لا يقبل التأويل عن غياب الرؤية والآلية المنظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكومين كأساسٍ مهم لأى نظام سياسى متكامل..
ولو كان هذا النظام منزلا تنزيلا سماويا لما وجد به أى نقصٍ أو مكانٍ لأن يرفع المسلمون سيوفهم على خليفتهم الراشد إن رأوا فيه اعوجاجا وللجأوا لتلك الآلية الإلهية لتقويم الخليفة دون حاجة لإراقة دماء!
لقد كانت الشورى تخضع لمفهوم الخليفة نفسه دون إقرار آلية بذاتها بينما بعض الحضارات القديمة قد ألزمت الحكام بالرضوخ لآلياتٍ محددة فى اتخاذ بعض القرارت الكبرى حتى لو كان ذلك يخالف رأى الحاكم نفسه..
وإننى لا أرى أى عيبٍ فى افتقاد المسلمين فى بدايات الدولة الإسلامية للرؤية السياسية المتكاملة إذا ما وضعنا الإسلام- كديانة- فى موضعه الصحيح كعقيدة توحيدية وقيم أخلاقية وعدم اعتبار القرآنَ الكريم كتابا لصياغة أسس الحكم وإنما اعتباره كتابا عقائديا كان جل اهتمامه بقضية التقوى الأخلاقية الفردية..
واعتبار أن ذكر بعض المفردات مثل الشورى فى القرآن الكريم لا يعنى أبدا حصرية تلك المفردات- معرفة أو تطبيقا- على الإسلام وإنما قد يكون ذلك فى إطار تذكيرى تهذيبى تحضيرى لنقل المجتمع البدوى لمجتمع حضرى أو متحضر!
تماما مثل ذكر قيمة العدل فى القرآن كأحد أسس الحكم بين الناس.. فالعدل كأساس للحكم كان معروفا منذ بدء الحضارة الإنسانية وقيام الدول وتنصيب الحكام ولم يكن أبدا قيمة مستحدثة أو مضافة للإنسانية مع نزول القرآن.. لكن ذكر القرآن لها كان تذكيرا للمسلمين بها وتذكيرا بقيمتها كأحد أركان الحكم الرشيد!