على جمعة: «المسلمون الأوائل وضعوا علومًا خادمة لمحور حضارتهم»
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن حضارة المسلمين قامت على العلم، ووضع المسلمون الأوائل علومًا خادمة لمحور حضارتهم وهو النص الشريف، والتزموا بهذا المحور وخدموه وانطلقوا منه وجعلوه معيارا للقبول والرد والتقويم، وأخذ المسلمون يخترعون العلوم اختراعا، وينقلون منها عن الأمم السابقة ما يمكِّنهم من فهم الحقيقة، وإدراك الواقع ونفس الأمر، ويصنفونها ويبلغونها لمن بعدهم، ولمن بجوارهم، ورأينا عصر الترجمة في عهد المأمون، ورأينا البيروني في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة ممدوحة في العقل أو مرذولة)، ورأينا الخوارزمي في كتابه (مفتاح العلوم) وهو الذي يرسم لنا الذهنية العلمية في التاريخ الإسلامي ويرصد ذلك التنوع من ناحية، والتفاعل من ناحية أخرى، وهما الصفتان المجمع عليهما لكل من اطلع على التراث الإسلامي ونتاجه الفكري.
وتابع "جمعة" في منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “توليد العلوم كان سمة أصحاب ذلك الدين حتى القرن الرابع الهجري، بل امتد ذلك التوليد إلى القرن السادس؛ حيث وضع عضد الدين الإيجي علما جديداً أسماه بعلم (الوضع) أسئلة من علم اللغة، والنحو والأصول والمنطق عالج فيه ـ أهم ما عالج ـ قضية المصطلح التي تعد من أهم القضايا العلمية حتى يومنا هذا، حيث تعد ضابطا علميا للحفاظ على لغة العلم والتفاهم بين الجماعة العلمية بما يضمن أمرين مهمين: أولهما: هو نقل العلم لمن بعدنا. وثانيهما: هو تطوير العلم بصورة مطردة ومستمرة ومنضبطة في نفس الوقت، ثم خبا هذا التوليد وانشغل العلماء بتكرار الموروث والحفاظ عليه من الضياع كرد فعل لما حدث في القرن السابع من غزو التتار وسقوط بغداد 656 هـ”.
وأضاف: "دعا محمد رشيد رضا في مجلة (المنار) [في العدد 26 من السنة الثانية يوم السبت 3 جمادى الأولى سنة 1317 هـ الموافق 9 سبتمبر 1899 في مقالة بعنوان كرامات الأولياء] إلى إحداث علم جديد يَدرُس السنن الإلهية التي وردت بالقرآن الكريم، ولم يتم ذلك حتى بعد مضي أكثر من مائة عام على تلك الدعوة، فلا بد علينا أن ندرك أن توليد العلوم نوع من أنواع مظاهر حياة الفكر، وأنه لم يمت وهو أيضا مظهر من مظاهر التفاعل مع العصر الذي نعيشه، وهو ثالثا الجسر الذي يصل بين الشرع وبين الواقع المحيط، ويسأل كثير من المخلصين عن كيفية توليد العلوم، وهي تحتاج إلى قدرة التصور المبدع، وهي التي قد لا توجد عند كثير ممن اشتغل بنقل العلم والحفاظ عليه، والتصور المبدع هذا أمر لا بد منه لعملية الاجتهاد وعده الأقدمون ركنا من أركانه؛ ولذلك فإن فقده يدل أيضا على خبوت العملية الاجتهادية التي تنبثق أساسا من ملكة قائمة بنفس الفقيه، وتأكيدا لهذا المعنى نرى السيوطي في كتابه (الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض) يقول في الصفحة 169 ما نصه: (قال ابن برهان: لا ينعقد الإجماع مع مخالفة مجتهد واحد، خلافا لطائفة. وعمدة الخصم أن عدد التواتر من المجتهدين إذا اجتمعوا على مسألة كان انفراد الواحد منهم يقتضي ضعفا في رأيه، قلنا: ليس بصحيح، إذ من الممكن أن يكون ما ذهب إليه الجميع رأيا ظاهرا تبتدر إليه الأفهام، وما ذهب إليه الواحد أدق وأعوص، وقد يتفرد الواحد عن الجميع بزيادة قوة في النظر، ومزية في الفكر، ولهذا يكون في كل عصر مقدم في العلم، يفرع المسائل، ويولد الغرائب).اهـ
وأضاف: ثم ينقل قول الغزالي من كتابه (حقيقة القولين) صفحة 181 فيقول: (قال الغزالي في كتاب (حقيقة القولين): وضع الصور للمسائل ليس بأمر هين في نفسه، بل الذكي ربما يقدر على الفتوى في كل مسألة إذا ذكرت له صورتها، ولو كلف وضع الصور وتصوير كل ما يمكن من التفريعات والحوادث في كل واقعة عجز عنه، ولم تخطر بقلبه تلك الصور أصلا، وإنما ذلك شأن المجتهدين).