معالى الوزير.. الماضى.. والحاضر
بمرور الوقت تكتسب السياسة المصرية ملامح جديدة هى أقرب لملامح الدولة الجديدة أو الجمهورية الجديدة، وتظهر ممارسات وردود فعل لم تكن مألوفة من قبل، فللمرة الأولى يعلن المصريون حزنهم لفراق مجموعة من الوزراء ويرون أنه كان يجب ألا يتم تغييرهم.. هذا مؤشر جيد جدًا يعنى أن هؤلاء الوزراء أخلصوا فى فهمهم للمنصب الوزارى كفرصة للخدمة العامة وليس غنيمة أو وجاهة اجتماعية وأن الناس أو قطاعًا منهم أحسوا بهذا واحترموه.. التوفيق فى أداء المهمة أمر نسبى ويخضع لاعتبارات كثيرة ولكن ما أقصده هنا هو إخلاص الوزراء الراحلين فى مهمتهم واجتهادهم فى خدمة بلدهم وهو ما أحسه الناس وأكبروه فيهم.. ظاهرة جديدة أن يشيّع الوزير بالشكر وعبارات الامتنان.. السبب الأساسى هو تأكد الناس من نظافة أيدى هؤلاء المسئولين وخضوعهم للمتابعة الدائمة وبذلهم جهدًا كبيرًا، فضلًا عن مناخ الاحترام الذى أشاعه الرئيس السيسى فى التعامل مع الوزراء الراحلين والقادمين والحرص على توجيه الشكر لهم وعدم السماح لأعدائهم بتصفية الحسابات معهم أو ترديد شائعات كاذبة بحقهم.. هذا الجو لم يكن موجودًا فى الماضى.. المصريون طوال عمرهم يعرفون «الكفت» وهو النقوش الصغيرة فى الصوانى النحاسية التراثية.. والمعنى أن المصرى يعرف كل شىء.. بعض الوزراء فى الماضى كانوا يخرجون مشيعين بمعلومات عن فساد مالى يستجلب لعنات المصريين.. أشهر الشائعات كانت عن وزير تموين خدم فى التسعينيات وأُصيب بمرض فى الحنجرة منعه من أن يستعيد أموالًا وضعها فى بنك سويسرى ببصمة الصوت.. الشائعة التقطها الكاتب الكبير وحيد حامد وضمنها فى فيلمه الشهير «معالى الوزير» وهو عبارة عن كاريكاتير سياسى ساخر وكوميدى كان يفترض أن يلعب بطولته الفنان عادل إمام لكنه لم يعجب بالفكرة.. وربما لم تكن هذه هى الشائعة الوحيدة التى تضمنتها أحداث الفيلم.. هناك شائعة أخرى حاول بعض الإخوان وبعض صغار العقول إعادة إحيائها.. وهى أن وزير السياحة جاء إلى منصبه عن طريق الخطأ بسبب تشابه اسمه مع أستاذ فى كلية الآثار!!! وربما كان الأستاذ نفسه هو مصدر الشائعة بحثًا عن الشهرة.. وربما التقطها الإخوان وبعض فارغى العقول.. لكنها فى كل الأحوال شائعة مضحكة.. فكون شخص أستاذًا فى تخصص ما لا يعنى أنه يصلح وزيرًا.. بل ربما كان أبعد الناس من حيث القدرات الإدارية أو الطبيعة الشخصية أو السن.. إلخ.. فضلًا عن أن الشائعة تشى بجهل من رددها وقلة معلوماته.. فالمرشح للمنصب العام يخضع لمتابعة من جهات متعددة ويتم فحص سلوكه الشخصى وذمته المالية وعلاقاته وآرائه السياسية ويستدعى لمقابلة المسئول عن الملف ليعرض عليه المنصب فإذا أبدى استعدادًا يطلب منه تصورًا لعمل الوزارة.. وربما يعتذر فتتم مقابلة المرشح الذى يليه.. وبالتالى فإن الدولة لا تعرف فقط اسم المرشح الصحيح أو مهنته ولكن يمكن أن تقول إنها تعرف «مقاس ملابسه» على سبيل الشرح والتوضيح.. ثم بعيدًا عن كل هذا.. هل تتخيل أن دولة يرأسها مدير سابق للمخابرات يمكن أن تعيّن وزيرًا لا تعرف من هو؟! هل أنت ساذج لهذه الدرجة؟ أم أن من يضع لك الشائعة لتلوكها يريد أن يحولك إلى شخص ساذج؟.. السيسى ليس مثل غيره وأحداث «معالى الوزير» تدور فى زمن آخر وفى جمهورية قديمة لا تشبه زمننا هذا فى شىء.. فانتبه واطمئن.