قراءة في كف التغيير الوزاري
طارق شوقى مفكر كبير لم يستطع أن يتحدث لغة رجل الشارع ويسوق أفكاره
اختيار وزيرة ثقافة دارسة لفن الباليه رسالة مهمة للداخل والخارج
وزيرة الهجرة الجديدة تواجه تحديًا كبيرًا فى شغل مكان وزيرة محبوبة ولها قبول مثل السفيرة نبيلة مكرم
وزير لقطاع الأعمال من قلب الدولة المصرية بعد تجربة الاستعانة بخبير محترف من أسواق المال
تابعت مثل غيرى أنباء التعديل الوزارى الذى وافق عليه مجلس النواب وفق كتاب رئيس الجمهورية وبعد التشاور مع رئيس الوزراء، وهو تعديل وصفه الرئيس فى تصريح له بأنه «يهدف لتطوير الأداء الحكومى فى بعض الملفات المهمة على الصعيدين الداخلى والخارجى» والمعنى هنا أن التغيير ليس لمجرد التغيير، ولكن بهدف «التطوير» أو البناء على الجهود التى قام بهاء الوزراء الذين رحلوا، غير ملامين ولا مهانين ولكن موفورى الكرامة، مشيعين بالشكر على ما قدموا من جهد خلال فترة عملهم.. إن هذا الملمح الأخلاقى هو أحد ملامح الدولة المصرية فى عهدها الجديد، وهو ملمح يشى بالاحترام وبالأساس الأخلاقى للحكم.. بصفة عامة يمكن القول إن «الاستقرار السياسى» أحد أهم ملامح حكم الجمهورية الجديدة. فقد فرض الرئيس حالة من الاستقرار منذ توليه الحكم، وأنهى سنوات من الفوضى، والسيولة السياسية، والاستقواء، ومحاولات فرض الإرهاب، وقد لجأ فى سبيل هذا إلى إجراءات استثنائية بدت ضرورية، لكنها كلها باتت قيد المراجعة مع الانتصار على الإرهاب وبدء مرحلة صادقة من الحوار الوطنى.. أحد ملامح هذا الاستقرار أن الرئيس لا يمارس التغيير لمجرد التغيير، أو للمناورة السياسية، ولكنه يلتزم بمعايير الأداء، والتقارير الرقابية المتعددة، ومعدلات إنجاز المسئول.. فإذا اجتاز كل هذه الاختبارات فمن الصعب أو المستحيل أن يتم تغييره لمجرد التغيير، وهو منهج يكشف عن طبيعة أخلاقية للرئيس الذى يحكم كقائد، لا يمكن أن يضحى بمسئول لم يقصر، وليس كسياسى يتلاعب بأوراق مختلفة لإضفاء حيوية شكلية، أو المناورة، أو خداع الجماهير.. وفق هذه القواعد يمكن فهم استمرار د. مصطفى مدبولى رئيس الوزراء والمهندس النابه، الذى اجتهد اجتهادًا لافتًا فى خطط تطوير القاهرة، وبناء ١٤ مدينة مصرية جديدة خلال سنوات معدودة، وزاد من أرباح وزارة التعمير والمجتمعات العمرانية من خلال الإدارة الرشيدة لأراضى الدولة، وهو نفس ما تحقق فى شركة العاصمة الإدارية التى حققت أرباحًا كبيرة رغم مداهمة الأزمة الاقتصادية الممتدة منذ ثلاث سنوات وتباطؤ معدلات الشراء تبعًا لها.. طبيعة المواجهة مع الإرهاب وأذنابه الإعلامية تفرض نفسها حتى الآن بكل تأكيد، فرغم الحديث مرات عديدة عن التعديل الوزارى خلال الشهور السابقة، فإن «التكتم» و«المباغتة» هما الأسلوب الأنسب للتعامل مع الأذناب المتربصة، والذين لم يكونوا ليتوانوا عن تشويه أى اسم يتم تسريب أخبار عن توليه وزارة معينة، بهدف حرق العناصر الصالحة، وجعل المواطن يشعر بإحساس سيئ تجاه كل ما يحدث.
أما على مستوى الوزراء الجدد، فاللافت أن معظم الأسماء معروفة فى دوائر التخصص الذى تولت حقيبته الوزارية، وبعضهم له إنجازات علمية لافتة.. وبالنسبة لى فقد توقفت كثيرًا أمام اختيار د. هانى سويلم فى منصب وزير الرى.. د. هانى عالم مصرى عالمى، شغل منصب رئيس أكاديمية المياه فى جامعة آخن الألمانية، ويدرس نفس التخصص فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، وهو يقود فريقًا علميًا لإجراء أبحاث حول زراعة النباتات فى تربة الصحراء الرملية بمياه البحر بعد تحليتها، ولديه تصور عن دورة إنتاجية كاملة تتم فيها تربية الأسماك فى مزارع تعتمد على المياه التى تمت تحليتها والاستفادة بالناتج كسماد حيوى يغذى نباتات عضوية لها قيمة اقتصادية عالية.. والمعنى أن الرجل يجرى أبحاثًا فى مجال تحتاجه مصر فى المستقبل بشدة، وأنه عالم كبير، ندعو الله أن يوفقه فى أبحاثه ليضيف نوبل جديدة إلى قائمة الشرف المصرية من حائزى الجائزة الكبيرة.
من التغييرات المهمة، أيضًا، تغيير وزير التربية والتعليم د. طارق شوقى وهو مفكر صاحب رؤية وخبرة دولية كثيرة، والحقيقة أننى كنت أتحدث مع صديق منذ يومين ووجدت نفسى أقول له إننى أتمنى أن يختبئ طارق شوقى وراء وزير ذى خبرة تنفيذية.. وعندما سألنى صديقى الذى لا علاقة له بالحياة العامة مثل مَن؟ وجدت نفسى أقول اسم د. رضا حجازى! لا لشىء سوى لأنه أشهر وكلاء وزارة التربية والتعليم وأكثرهم احتكاكًا بالجمهور والإعلام على مدى سنوات طويلة.. تقديرى الخاص أن أى مفكر صاحب رؤية عادة ما يصطدم بقناعات الجمهور العادى.. وإلا لما سجن الفلاسفة والكتاب على مر التاريخ.. وأظن أن الدكتور طارق شوقى كان يفتقد القدرة على تسويق أفكاره وإقناع أولياء الأمور بها.. رغم أهمية ما قام به فى تطوير المناهج ومحاولة اللحاق بالعصر.. بشكل عام تطوير التعليم مستمر لأنه يعبر عن رؤية الدولة المصرية، وربما نجح د. رضا حجازى فى مزيد من تسويق الفكرة لأولياء الأمور والمدرسين، حيث يمكن القول إنه وزير تعليم عصامى بدأ السلم من أوله كمدرس ثانوى لمادة الكيمياء، وحصل على الدكتوراه، وارتقى السلم الوظيفى درجة درجة، وشغل مناصب قيادية متعددة فى الوزارة التى يعمل بها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، وهى خبرة تجعله شديد الالتصاق بالواقع، وملمًا بكل التفاصيل، ومدركًا للطبيعة النفسية للمدرسين وأولياء الأمور، وهو ما يجعلنا نتفاءل ونتمنى له مزيدًا من التوفيق فى مهمته.
من التغييرات اللافتة أيضًا التغيير فى حقيبة السياحة والآثار، حيث غادر د. خالد العنانى، وهو عالم آثار مرموق، وجاء أحمد عيسى وهو مصرفى ناجح كان يشغل منصبًا قياديًا فى أحد البنوك الخاصة، وهو ما يكشف عن رغبة لإدارة السياحة والآثار بشكل أكثر عملية أو تعظيم العوائد الاقتصادية من السياحة التى تراجعت منذ سنوات ولم تعد إلى مكانتها، التغيير فى وزارة الصحة مفهوم ومنطقى ولا ينفى أن الوزيرة هالة زايد بذلت جهدًا كبيرًا للغاية فى ملف أزمة كورونا وحققت إنجازات غير منكورة لكن الشخص العام يدفع عادة ثمن أخطاء المحيطين به حتى لو كان لا يعرف عن تصرفاتهم شيئًا.. المنطق نفسه ينطبق على وزيرة الهجرة المحبوبة السفيرة نبيلة مكرم، وهى وجه مقبول ومحبب للمصريين وتتمتع بقبول خاص وهو ما يلقى مزيدًا من الأعباء على خليفتها فى المنصب السفيرة سها سمير ناشد، وهى أيضًا ذات خبرة كبيرة بذات الملف ومن داخل الوزارة نفسها.. من التغييرات المهمة تعيين د. نيفين الكيلانى عميدة معهد النقد الفنى وزيرة للثقافة خلفًا للدكتورة إيناس عبدالدايم، وهما تتشابهان فى كونهما من نفس منطقة الإبداع وكون كليهما امرأة وكون كليهما من داخل مؤسسات الوزارة.. حيث ترأست د. نيفين صندوق التنمية الثقافية سنوات طويلة قبل أن تنتقل لعمادة معهد النقد الفنى، وهى دارسة لفن الباليه ولفنون عصر النهضة، ولا شك أن اختيارها رسالة رمزية للداخل والخارج.. من الاختيارات التى توقفت أمامها أيضًا اختيار محمود كمال عصمت وزيرًا لقطاع الأعمال العام، وهو كان رئيسًا للشركة القابضة للمطارات ولميناء القاهرة الجوى، وقد جاء خلفًا لخبير مالى هو هشام توفيق الذى أثارت خطواته اعتراضات أصوات اقتصادية مهمة بعضها يحظى بتقدير كبير، والخبرة تقول إن المحك الأساسى يكون بتقارير قياس الأداء المتعددة ولكن الملاحظة الأساسية أنه تم إسناد المنصب لمسئول من قلب الدولة المصرية وليس لخبير مالى أو مصرفى كما حدث فى المرة الماضية.. على مستوى التنمية المحلية خلف اللواء هشام آمنة اللواء محمود شعراوى فى منصب وزير التنمية المحلية، وسيرته الذاتية تقول إنه من القلب الصلب للدولة المصرية، حيث شغل عددًا من المناصب الرفيعة فى مؤسسة الحرس الجمهورى وحصل على عدة أنواط عسكرية وشغل منصب محافظ البحيرة، وهو ما يعنى أنه اجتاز اختبارات متعددة ومتتالية فى الأداء والقيادة والسمعة قبل أن يصل لمقعده الوزارى.. بشكل عام فالمتوقع أن يستمر عدد من الوزراء الذين خرجوا فى لعب أدوار عامة أو تقديم استشارات أو شغل مناصب جديدة، حيث يوضح تصريح الرئيس أن أيًا منهم لم يرتكب تقصيرًا كبيرًا فى موقعه، وأن التغيير كان بهدف تحسين الأداء ومواجهة التحديات والتغيرات، وبشكل عام فالوزراء الجدد والقدامى خبرات مهمة تضاف للنخبة المصرية أو لنخبة الجمهورية الجديدة التى تتشكل وفق مواصفات خاصة جدًا تجمع النزاهة ونظافة اليد إلى جانب الكفاءة المهنية والعلمية، وهو ما يجعل الاختيارات الجديدة صعبة للغاية، ولكنها إضافة كبيرة أو هكذا نأمل ونتمنى.