«نيلسون».. رحلة بحرية في قلب أقدم جزيرة أثرية بالإسكندرية
على بعد 4 كيلومترات من خليج أبي قير بداخل بحر عروس البحر المتوسط نصل لليابسة مرة أخرى، حيث تطأ قدميك على أقدم وأعرق جزر الإسكندرية بعد مرور ساعة من الوقت تقريبا من يابسة أبي قير إلى يابسة جزيرة نيلسون، بواسطة فالوكة خشبية صغيرة مقابل عشرات الجنيهات.
لتصل صباح يوما ما، لتستعد لقضاء يوما ممتعا في قلب بحر الإسكندرية يجمع بين جمال المدينة الساحلية، والهواء الطلق غير المحدود، وهدوء الأجواء، وأيضا عراقة تاريخ تلك الجزيرة السكندرية.
يرشدنا إبراهيم السيد، أحد الصيادين بأبي قير، أن الوصول لجزيرة نيلسون يكون بواسطة مركب صغير من حافة شاطىء أبو قير ليستعد زوارها لقضاء يوما ممتع تعد أبرز الأنشطة الصيفية الممارسة على يابسة نيلسون منها نصب الخيام، استعدادا لصيد الأسماك، واللعب مختلف الألعاب، وطقوس الشوي، ثم السباحة داخل مياه الإسكندرية الزرقاء أو الغطس برفقة ما تبقى من آثار غارقة استقرت في أعماق المياه.
فجزيرة نيلسون تبعد 18 كيلومترا من قلب الإسكندرية، حيث إنها كانت تعد الميناء الرئيسي المصري على ساحل البحر المتوسط، فبالعودة لعهد الإسكندر الأكبر، فكانت عبارة عن نتوء طويل يتصل باليابسة ببرزخ ضيق، وتشير البقايا الأثرية التي عثر عليها بالجزيرة إلى أنها جزء من موقع أثري ضخم غمرته المياه في الوقت الحالي.
استخدم هذا البرزخ كجبانة في أواخر عصر الأسرات المصرية القديمة من الأسرة الـ 26 حتى الأسرة الـ30 من قبل مدينتي كانوب وهيراكليون، وهما مدينتان كبيرتان تقعان على بضعة كيلو مترات من الجزيرة، ليكون وضعهما الحالي غارقين في أعماق خليج أبي قير حاليا.
وتتميز جزيرة نيلسون بموقعها المتميز، حيث إنها كانت تشكل محطة استقرار هامة في طريق مصر التجارى، وسميت هذه الجزيرة بهذا الاسم نسبة إلى القائد الإنجليزى هورايتو نيلسون، وهو من أعظم قادة البحر عند البريطانيين، الذي انتصر في معركة أبى قير البحرية على الأميرال برويس، قائد أسطول «نابليون بونابرت» في معركة النيل.
واستمر استخدام جزيرة نيلسون كمقبرة، لما لها من أهمية خاصة، حيث إنها المقبرة الوحيدة الجيدة الحفظ والتي ترجع إلى العصر المتأخر في ضواحي الإسكندرية وأبو قير.
تاريخ عريق حفر على يابسة نيلسون، فالمقابر التي تم اكتشافها بداخل الجزيرة، عبارة عن حفر بسيطة في الرمال، وأغلب الدفنات فردية إلا أن بعض الحفر احتوت على أربعة تجويفات للدفن، وليست كل المومياوات محنطة، فبعض المومياوات تم العثور عليها في توابيت خشبية أو توابيت من الطين، ووضعت بجوار رأس المتوفي بعض الأواني كقرابين جنائزية بسيطة.
وقد هجر السكان الجزيرة في نهاية الربع الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، تاركين منازلهم والعديد من الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية في غرفهم، حيث عثر علماء الآثار عليها في موضعها الأصلي فيما بعد.
لننتقل بالتاريخ إلى الحروب البريطانية الفرنسية للسيطرة على البحر المتوسط أصبح خليج أبو قير هدفا لتلعب جزيرة نلسون آنذاك دورا استراتيجيا هاما نظرا لموقعها الجغرافي في قلب الأحداث بعد معركة النيل عام 1798 احتلت البحرية البريطانية جزيرة أبو قير بعد أن أطلق الجنود عليها اسم الأدميرال الشهير نلسون، وفي عام 1801 استخدمت القوات البريطانية خليج أبي قير مكانا لنزول حملتهم، وخلال العمليات عانى البريطانيون من الكثير من الإصابات ودفن عديد منهم في جزيرة نلسون وفي عام 2005 أعيد دفن رفات الجنود البريطانيين في المقبرة العسكرية في الشاطبي بالإسكندرية.
ويصطحبنا الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، في جولة داخل قاعة نيلسون المتحفية، فمياه الجزيرة المحيط بها يضم عددا من الآثار المستقرة في قاع بحر أبو قير، واحتوت أرضها على الجبانات والمقابر الأثرية، إضافة إلى شواهد أثرية وقطع أثرية تعود إلى العصور الفرعونية والرومانية والهلينستية، حفاظا عليها نقلت إلى متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية.
وأوضح مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أنه تم إنشاء قاعة خاصة بآثار جزيرة نيلسون منذ عام 2012، نتاج كشف البعثة الإيطالية التي بحثت عنها بداخل أعماق بحر منطقة أبو قير، والتي تحوي عدد من الأواني الفخارية والحجرية مختلفة الأحجام والأشكال، وعدد من التماثيل الحجرية وغيرها من الآثار التي ترصد معيشة الحياة اليومية لسكان الجزيرة حينها، بدءا من آخر العصور الفرعونية حتى العصور اليونانية الرومانية، لتكون في موقع الزيارات المتحفية للتعرف على سكان جزيرة نيلسون السكندرية.