«الكاثوليكية» تحيى ذكرى القديسة چين فرانسيز دى شانتال المعلمة
تحيى الكنيسة الكاثوليكية بمصر، اليوم، ذكرى القديسة چين فرانسيز دي شانتال، معلمة الكنيسة مؤسسة رهبنة عذراء الزيارة الناسكة، إذ روى الأب وليم عبدالمسيح سعيد- الفرنسيسكاني، سيرتها قائلا بالميلاد اسمها "چان فرانسواز فريميو"، وُلِدت في ديچو بشرق فرنسا، يوم 28 يناير 1572م، كان والدها هو الرئيس الملكي لبرلمان برجُندي، أما والدتها فقد كانت إحدى نبيلات برجُندي وقد توفيت قبل أن تُكمل چان عامها الثاني، فتزوج الوالد بامرأة أخرىَ أحسنت تربيتها، تلقت چان قدراً كافياً وراقياً من التعليم في الآداب والفنون شجعها عليه والدها، وأصبحت فتاة يانعة مُشرقة تقيّة تشعّ بهجةً وجمالاً.
وتابع: بعمر الحادية والعشرين تزوجت من بارون منطقة شانتال، فأصبحت بارونة، وعاشت في قلعة بمدينة بوربيه، وأنجبت ستة أطفال توفّيَ منهم أول طفلين بعد ولادتهما. وبعد ثمانية سنوات من الزواج- أي في عام 1601م- توفِّيَ زوجها في حادث إطلاق نار بالخطأ أثناء الرماية، فصارت چان أرملة بعمر الثامنة والعشرين.
وأضاف: يُذكر أن چان فقدت معظم أحبائها وهي ما تزال شابة، فمنذ أن فقدت الأم في طفولتها المبكرة ثم زوجة الأب ثم أختها ثم طفلين من أبنائها وأخيراً زوجها، تفاقم ألم الفراق في قلبها ولم تجد مخرجاً منه يعزيها سوى أن تعيش حياة النُسك والخدمة، فتجعل من حزنها دافعاً للعبادة والتأمل وخدمة الله في شخص القريب، كذلك برعت في إدارة أملاك زوجها التي أصبحت قيمةً عليها لصالح أبنائها القُصَّر، وقد اشتهرت بحكمتها في إدارة هذه الأملاك برغم كونها بلا خبرة في هذا المجال، مع الأخذ في الاعتبار أن المهمة لم تكن سهلة مع عرقلة والد زوجها تسيير الأمور المالية، في تلك الفترة كانت حياة الخدمة لچان مقتصرة على رعاية أطفالها ومساعدة المحيطين من المرضى والمحتاجين.
وتابع: برغم نُسكها وعيش الفقر الاختياري وهي البارونة الثرية، وكذلك مسارعتها لفعل الخير، إلا أن شيئاً ما كان ينقصها لتعيش الكمال المسيحي، فقد ظلت لمدة تقرب من الثلاث سنوات منذ وفاة زوجها لا تستطيع الغفران لذلك المُستهتر الذي تسبب في قتله بالخطأ.
وواصل: إلى أن حلّ زمن الصوم الكبير لعام 1604م، وقد سمعت عظة من الأسقف "فرانسوا دي سال" أسقف چنيڤ (القديس فرانسوا دي سال فيما بعد) خلال فعاليات رياضة روحية أدّاها بإحدى كنائس مدينة ديچو، مسقط رأسها كان مضمون العظة يتحدث عن محبة الله الغافرة، ولماذا يطلب الله من الإنسان أن يغفر لأخيه كما غفر هو لكل خليقته، عندها طلبت چان مقابلة الأب الأسقف دي سال، لتعترف لديه بعدم قدرتها على الغفران، وتطلب إرشاده لها على طريق التسامح الذي عجزت عنه.
وتابع: من تلك اللحظة صار الأسقف دي سال مرشدها الروحي، وقد تواصلا كثيراً باللقاءات والخطابات من أجل المرافقة الروحية من الأب القديس لهذه السيدة التي تبحث عن كمالها المسيحي، وقد اطلع على عملها الخيري وعلى رغبتها في التكرُّس الرهباني لكنه نصحها بتأجيل هذا القرار.
وأضاف: بعد فترة عندما كبر الأطفال ووافقوا على قرارها وبتشجيع من والدها وشقيقها الذي كان رئيس أساقفة بورچ، إنتقلت للعيش في آنسي، لتأسيس جمعية رهبانية هي جمعية العذراء سيدة الزيارة، تحت إشراف مرشدها الروحي الأسقف دي سال. فتم الإعلان عن الجمعية وتكريسها في أحد الثالوث الأقدس الذي وافق يوم 6 يونيو 1610م.
وتابع: بدأت الجمعية بقبول الفتيات والسيدات اللاتي تم رفضهن من رهبانيات أخرى وما زال حلم التكريس يراودهنّ، كذلك السيدات الكبيرات اللاتي لا يُقبَلن في رهبانيات بسبب تقدم السنّ أومرضهن المزمن وعلى الرغم من صداقته بالكاردينال "دنيس – سيمون دي ماركيمو" رئيس أساقفة آنسي إلا أن الأخير كان مُقيِّداً لحرية الأسقف دي سال في الإجتهاد والتأسيس، حيث أمر بأن تكون الرهبنة الجديدة (عذراء الزيارة) للحبيسات بروحانية أغسطينية، فيما أن الهدف الأساسي من تأسيس دي سال و دي شانتال للرهبنة هو إلهام الله لهما بأن يكون هناك رهبنة نسائية تعمل في خدمة المجتمع المتألم بالفقر والمرض والأحزان. إلا أنه أطاع أمر رئيس الأساقفة حِفاظاً على وحدة رأي الكنيسة. ترهبت چان بإسم الأخت "چين فرنسيز دي شانتال" وبدأت تدريجياً تحول الرهبنة نحو الأعمال الخيرية المجتمعية إلى جانب التقويات الأغسطينية.
وواصل: أيضاً كانت من ضمن الانتقادات التي وُجهَت لجمعية عذراء الزيارة أنها تقبل سيدات تقدمن في السن ومنهن المعتلات صحياً، وقد كان ردها على ذلك أنها تحب المرضى وستقف في صفهم سواء من تخدمهم أو من تتقدمن للترهُب.
وتابع: أثمرت سيرتها المليئة بقداسة العطاء وحُسن إدارتها للجماعة الرهبانية، عن اهتمام كبير من سيدات الوسط الأرستقراطي اللاتي قررن زيارتها ومساعدتها بالتبرع لتنمية خدمتها الجليلة وبعد وفاة الأب الأسقف دي سال انتقل إرشادها الروحي للأب "القديس ڤنسان دي پول" ظلت دي شانتال تحمل صليب فراق أحبتها حتى ذاقت فراق ابنها الأكبر الذي قُتِل في اشتباكات وقعت بين تحالف البروتستانت الفرنسيين والإنجليز من ناحية وكاثوليك فرنسا من ناحية أخرى بجزيرة إل دو ري، الواقعة بالساحل الغربي لفرنسا، كذلك حضرت وفاة ابنتين من بناتها الثلاث، لكنها شهدت بحياتها عن التعزية الروحية والرجاء الصالح في الأبدية، والقدرة على الغفران لقتلة ابنها كما غفرت لقاتل زوجها من قبل.
وواصل: يُذكر أن حفيدتها "ماري دي رابوت- شانتال" ماركيزة سيڤيني كانت من أشهر كاتبات عصرها وقبيل وفاة الأب الأسقف دي سال كانت الجمعية قد أنشأت ثلاثة عشر بيتاً، وقبيل وفاة دي شانتال أصبح عدد أديرة الجمعية 86 ديراً، وقد توفيت هي بعطر القداسة في 13 ديسمبر 1641م بعمر التاسعة والستين، بإحدى أديرة رهبنتها الواقعة بمدينة مولان بعد حياة حافلة بالعطاء الخَدَمي للمرضى والفقراء والغرباء ومن يعانون الوحدة، وجميع من يحتاجون الرعاية، وتركت إرثاً من مراسلاتها الروحية مع الأسقف القديس فرانسوا دي سال.
وتابع: من أجل حبها الشديد لقلب يسوع الأقدس كرَّست الرهبنة لإكرامه وجعلته قائد خدماتها، وقد تم دفن المكرسة القديسة إلى جوار مرشدها الأب الأسقف فرانسوا دي سال بدير عذراء الزيارة بمدينة آنسي، أول دير تم افتتاحه لها، وهو مزارها الرئيسي الذي يضم زخائرها المباركة حتى اليوم، ولدى تطويبها كانت قد وصل عدد الأديرة التابعة لجمعية رهبنة عذراء الزيارة إلى 164 تم تطويبها عن يد "البابا بندكتس الرابع عشر"، في عام 1751م وتم إعلانها قديسة على مذابح الكنيسة الجامعة عن يد "البابا كليمنت الثالث عشر" في عام 1767.