ليست المستأجرة كالثكلى!
موضوع بيع بعض الشركات المصرية فى البورصة من الموضوعات التى تستحق مساحة نقاش أكبر.. أسوأ مشكلة حدثت منذ سنوات أن البعض يتحدث فى الاقتصاد من وجهة نظر سياسية أو شعاراتية.. بعض الباحثين احترف هذا الموضوع وكانت النتيجة سيئة جدًا على الجميع.. بعضهم حين أتيحت له الفرصة لإدارة مؤسسته ارتكب كوارث اقتصادية قادت لخسائر مؤكدة.. المبادئ السياسية شىء يحترم بكل تأكيد شرط ألا تنطوى على مزايدة أو عدم فهم للواقع.. بعد ثورة يناير كان بعضهم يخرج على الشاشات ليجرى عمليات جمع وضرب فى الهواء ويخبر المصريين أنهم أغنى شعب فى العالم وأنه يستطيع أن يحل مشاكل مصر كلها وهو جالس فى الاستوديو! من سوء الطالع أن الرجل أدين فى قضية شيكات بدون رصيد وقضى عدة أشهر فى سجن طرة على ذمة القضية!! لم يستطع أن يحل مشكلته الشخصية وتخيل أنه يمكن أن يحل مشكلة مصر فى ساعة.. هناك فريق ثالث يدلى بدلوه على سبيل الكيد السياسى والنكاية، سواء كان يفهم الحقيقة أم لا.. بعضهم يلعب دور النائحة المستأجرة، وليست المستأجرة كالثكلى، كما يقول المثل الشهير.. بيع بعض الشركات المصرية كما أفهمه مرتبط بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على عدة مستويات.. أحد هذه المستويات أن حكومات الغرب قررت مصادرة استثمارات روسية كبيرة فيها دون سند من القانون أو أحكام القضاء.. هذه الاستثمارات ليست مملوكة للدولة الروسية، ولكن لرجال أعمال قال الغرب إنهم موالون لبوتين وإنهم «أوليجارشية» روسية تعمل بأموال الدولة هناك.. هكذا دون أدلة ملموسة أو أحكام قضائية.. شىء أقرب بادعاء امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وقتل مليون عراقى ثم الاعتذار بأن المعلومة كانت خاطئة.. تأميم الأموال الروسية أضاء عشرات اللمبات الحمراء لدى صناديق الاستثمار فى دول الخليج.. وارد جدًا أن يتكرر الأمر مع الأموال العربية فى الغرب دون سند أو دليل.. تزامن هذا مع توتر العلاقات مع إدارة الرئيس جو بايدن بسبب ضغطه على هذه الدول لزيادة إنتاجها من البترول عدة أضعاف ورفضها الإملاء الأمريكى.. كان القرار الخليجى هو نقل جزء كبير من الاستثمارات لدول آمنة سياسيًا وعلى رأسها مصر بكل تأكيد.. تزامن هذا مع سلسلة قرارات أعلنها الرئيس السيسى فى إفطار الأسرة المصرية وكان من بينها توسيع ملكية القطاع الخاص وطرح عدة شركات للتداول فى البورصة وفق خطة محكمة وأرقام محددة سلفًا.. الشركات التى تطرح هى استثمارات ناجحة لوزارات وهيئات مصرية وبعضها لم يكن موجودًا منذ سنوات قليلة أو لم يكن ناجحًا اقتصاديًا.. الاستثمار الحديث يقوم على فكرة التأسيس والبيع يعد مرحلة نجاح معينة.. هكذا أسس مارك زوكربيرج مثلًا شركة فيسبوك بعدة آلاف من الدولارات وباع أسهمها بعشرات المليارات من الدولارات.. لا يمكن اعتبار هذا فشلًا سوى لدى الجهلة والمختلين عقليًا.. الاستثمارات الخليجية فى مصر هى نقود تأتى لنا من الخارج وتضخ فى شرايين الاقتصاد المصرى وتسهم فى تأسيس أصول جديدة تحتاجها عملية النمو الاقتصادى والعمرانى أيضًا.. أكبر الأكاذيب الأيديولوجية هو تصوير كل استثمار أجنبى على أنه غزو اقتصادى وتفريط وكان علينا أن نغلق أبوابنا على أنفسنا ونضع «بوزنا فى بوز بعض» وفق التعبير العامى الشهير.. هذه الهراءات هى التى جعلت المصريين يحرقون قلب القاهرة الاقتصادى فى ١٩٥٢ لتخسر مصر خسارة لم تعوضها حتى الآن.. وهى التى صورت رجال الصناعة والاقتصاد الأجانب الذين دخلوا مصر فى عهد الخديو إسماعيل على أنهم نصابون، فى حين أننا نعيش فى خير الصناعات التى أسسوها حتى الآن.. ولولاهم لكانت مصر لا تختلف كثيرًا عن أى دولة عربية شقيقة من الدول المحيطة بنا.. طبعًا البيع لمجرد البيع ليس مطلوبًا.. لا بد من أن تكون الصفقات رابحة والأسعار عادلة وأن يعاد استثمار عائدات البيع فيما ينفع.. ما يطمئن هو وجود الرئيس السيسى نفسه والجهات الرقابية التابعة للدولة وأنه ليس كل الصفقات يتم المضى فيها.. شركة مدينة نصر للإسكان تم التراجع عن بيعها بعد أن اتضح أن السعر ليس عادلًا بالمقارنة بالأصول التى تملكها ومطلوب أن يحدث هذا فى أى صفقة أخرى.. مطلوب أن نشجع ثقافة تأسيس الشركات وطرحها للبيع بعد أن تنجح لأن هذا أساس الاقتصاد الحديث.. كفى نواحًا وكيدًا سياسيًا ورفع مصلحة الوطن كقميص عثمان لغرض يريده هذا الطرف أو ذاك.. نريد أن نتعامل مع قضايانا بنضج أكبر وبموضوعية أكبر وبنزاهة أكبر.. هذا إذا كان من ينوحون يستهدفون المصلحة فعلًا.. ولا أظن أنهم يستهدفونها.. نحن نعرف وهم يعرفون.