عثر عليها مصادفة بعد 20 سنة.. قصة "مذكرات طالب بعثة"
"مذكرات طالب بعثة"، هي مذكرات الكاتب والناقد الراحل الدكتور لويس عوض، والذي كان قد كتبها باللغة العامية، لكنه فقدها وضاعت منه لمدة 20 سنة، وفوجئ بها منشورة دون إرادته أو علمه، نشرها ناشر سكندري يدعي حسنين محمود حسنين، وهو صحفي وناشر، يكتب باسم مستعار تحت لقب “كناري”، فما هي حكايته وكيف تمكن الدكتور لويس عوض من التفاوض معه للحصول علي مذكراته، مذكرات طالب بعثة؟
يسرد الدكتور لويس عوض كواليس عثوره علي مذكراته المفقودة والتي كان قد أضاعها، “مذكرات طالب بعثة” قائلا: في أوائل شهر مايو 1965 فوجئت بكتيب أزرق الغلاف من القطع الوسط لا تتجاوز صفحاته خمسا وعشرين عددا، يصلني بالبريد من الإسكندرية، وجدته على مكتبي بجريدة الأهرام، وما أن تصفحته حتى دهشت فقد اشتمل هذا الكتيب على صفحات من كتاب كنت قد كتبته في 1942 ثم ضاعت مني أصوله من نحو عشرين سنة، وهذا الكتاب هو “مذكرات طالب بعثة”، وبعد ساعة أو نحوها جاءني “لطفي الخولي”، يعلن عن أنه تلقى بالبريد نسخة من هذا الكتاب، لم تمض ساعات حتى كنت قد تلقيت نحو عشر مكالمات تليفونية من أدباء معروفين من بينهم توفيق الحكيم وحسين فوزي، كل منهم يعلن نفس الشيء ويستفسر عن الأمر.
ــ من هو “كناري” ناشر “مذكرات طالب بعثة”
ويلفت الدكتور لويس عوض إلى أنه دهش حيث لم يكن يعرف يوما ناشر مذكراته حسنين محمود حسنين أو “كناري”، ولم تربطه به أدني صلة أو معرفة، والدهشة الأشد كانت في كيفية حصوله علي هذه المذكرات المفقودة لمدة عقدين من الزمن.
يقول لويس عوض: قرأت على صفحة الغلاف أن اسمه “كناري”، ثم قرأت في الصفحة الثانية والثالثة نبذة قدم بها كناري هذا الكتاب يعتذر فيها عن تصرفه بالنشر في كتاب من قلم غيره، مع إشارة تدل على أن هذا الكتيب هو العدد 12 من مطبوعات سلسلة تسمي نفسها “رسالة العامل”، وتصدر عن دار في الإسكندرية تسمي نفسها “دار النشر للجميع”، وتذكر اسم رئيس التحرير هو حسنين محمود حسنين، وأن الإدارة 4 شارع لويجي ستاتي، محرم بك الإسكندرية، وقرأت على الغلاف: “كشف وتحقيق كناري”.
ــ لويس عوض يغضب ويبتهج في آن
ويوضح لويس عوض أنه انتابته مشاعر متناقضة، ما بين الغضب بأنه يرى شخص لا يعرفه يتصرف في عمل من أعماله ــ مذكرات طالب بعثة ــ بالنشر دون إذن منه، وشعور بالفرح والابتهاج لأنه كان قد تيقن من ضياع مذكرات طالب بعثة للأبد، خاصة وقد مر على هذا الأمر عقدين من الزمن، إلا أنه عرف الآن أن هناك نسخة واحدة على الأقل في مكان ما بالإسكندرية.
ويضيف لويس عوض: استجد في نفسي شعور بالقلق، إذ كان “كناري” هذا أو سواه يملك نسخة من أصول الكتاب هذه السنوات الطوال، فلماذا اختار هذا الوقت بالذات لنشر نموذج منه على الناس؟ إن الكتاب تجربة بالعامية قد كتبت عام 1942 أيام إن كانت تؤرقني مشكلة الازدواج اللغوي في مصر وعلاقتها بالتعبير الأدبي، وقد كان آخر عهدي بهذه المشكلة عام 1947 حين كتبت مقدمة ديواني “بلوتولاند” الذي نشرته في تلك السنة وهو من إنشاء الفترة 1937ــ 1940 ومنذ 1947 انصرفت تماما عن التفكير في مشكلة اللغة وعن بحثها، فقد اعتقدت أن مهمتي قد انتهت بطرح القضية على الرأي العام في مقدمة الديوان.
ــ لقاء لويس عوض مع “كناري”
ويوضح الدكتور لويس عوض أنه علم أن الكاتب المسرحي ألفريد فرج، لديه قناة اتصال مع حسنين محمود حسنين أو كناري، فهو يسكن على مقربة من منزل شقيقه “نبيل فرج” بالإسكندرية، والذي تواصل بدوره مع كناري، إلا أن الأخير كان يراوغ ويماطل، حتى تحدد اللقاء أخيرا، فسافر الدكتور لويس عوض إلى الإسكندرية وفي يوم الخميس 27 مايو 1965، كان الدكتور لويس عوض في منزل حسنين محمود حسنين أو “كناري”.
يصف لويس عوض كواليس هذا اللقاء: “بعد ساعتين من المراوغة واللف والدوران وادعاء أن الأصول ــ مذكرات طالب بعثة ــ ليست في حوزته ولكنها لدى طرف ثالث، كلمته بغلظة وحدثته عن القانون والمحاكم والسجون والغرامات وكان يحفظ الأصول عند السيدة زوجته في الغرفة المجاورة، فزعم أنه ماض لإحضارها من مكان ما في الإسكندرية، وخرج بالكتاب تحت إبطه وذهب يسير به على غير هدى في الشوارع والأتوبيسات والتراموايات لا يعرف كيف يتصرف ــ هكذا أخبرني فيما بعد ــ ثم عاد إلينا بعد نصف ساعة وقد هداه الله إلى الحل القويم فسلم الأصول، وبعد أن سلم الأصول تحول كناري إلى إنسان وديع وأخذ يتردد علي في فندق ”المتروبول"، ويحدثني عن نفسه وعن ماضيه الأدبي ومشروعاته، وعرفت منه أن الكتاب آل إليه منذ عشرين سنة عن طريق قريب له كان يعمل في رقابة النشر أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية.