تطوير العمران المصرى.. حقائق وأكاذيب
إلى جانب خماسى أعداء المصريين «الانفجار السكانى- التطرف- الفساد- الأمية بأنواعها- المخدرات»، فإن ثمة قضايا أخرى نريد أن نتحاور حولها، والحوار هنا له طرفان بمعنى أننا نريد أن نسمع وجهة نظر بعض المسئولين الذين يلتزمون الصمت تمامًا إزاء الهجوم على المشروعات التى يكلفون بها.. ونريد أيضًا أن نسمع وجهة نظر الخبراء المؤهلين علميًا وذوى المكانة الأكاديمية لا الهواة ولا عابرى السبيل.. من أهم هذه القضايا قضية «توسيع مساحة المعمور المصرى» التى انخرطت فيها الدولة المصرية منذ تولى الرئيس السيسى، ونتجت عنها مضاعفة مساحة المعمور المصرى التاريخى للضعف فى سبع سنوات فقط.. بحيث أصبح المصريون حاليًا يعيشون على ١٤٪ من مساحة مصر بعد أن كانوا طوال عمر الدولة المصرية الممتد يعيشون على مساحة وصلت إلى ٧٪، عام ٢٠١٤.. إن أكثر ما يلفت نظرى أن هذه القضية تحديدًا من أكثر القضايا التى تحدث فيها مثقفون وشخصيات عامة وسياسيون، ربما لأنها قضية براقة و«شيك» وفق المصطلح الإنجليزى.. تضفى على من يتحدث فيها وجاهة وجاذبية.. على عكس تحديات التنمية الأخرى التى يصوم مثقفونا وسياسيونا عن الكلام فيها وإن استثمروا نتائجها فى مهاجمة الحكومة وإظهار تردى الأوضاع.. فلم يحدث أن رأيت مثقفًا أو سياسيًا أو شخصًا عامًا فى المعارضة يُحدث المصريين عن خطر الانفجار السكانى أو الأمية أو المخدرات.. حيث يعتبرون أن هذا من واجبات الحكومة.. ويفضل بعض مثقفينا الحديث فى الموضوعات التى تلاقى اهتمام الغرب ومؤسساته مثل حرية التعبير السياسى أو ترك سكان العشوائيات ينعمون بانعدام الأمان والنظافة فى بيئاتهم الطبيعية وعدم ترحيلهم منها! أو الترويج لفكرة أن المشروعات الجديدة تمحو الطابع الحضارى للقاهرة وتزيل معالم القاهرة القديمة وأن الجرافات تمحو الجمال والتاريخ والحضارة على طريقة مسلسل الراية البيضا.. وهى أحاديث مرسلة.. لا سند لها ولا معلومات تستند عليها، وهى للأسف تواجه بصمت من الحكومة آن الأوان له أن ينتهى، إن لم يكن عبر البيانات وعبر وسائل الإعلام فليكن عبر جلسات الحوار الوطنى، لنقطع دابر هذه الدعايات السوداء للأبد ولنصحح أيضًا بعض الأخطاء التى تقع أثناء التنفيذ إذ لا أحد معصوم من الخطأ أبدًا لا من المسئولين ولا من غيرهم.. وبادئ ذى بدء فإن كل المخططات الطموحة لتطوير القاهرة الكبرى وتنميتها عمرانيًا هى مخططات الدولة المصرية بمساعدة هيئات التنمية الدولية، وضعها خبراء على أعلى مستوى لأهداف وطنية كبرى منها مجاراة الزيادة السكانية السنوية «٢ مليون» كل عام، وتطوير دور مصر التاريخى كمركز تجارى عالمى، وتطوير إمكانات القاهرة السياحية التى هى عدة مدن عريقة فى بعض «القاهرة الفاطمية- القاهرة الأوروبية- القاهرة الحديثة- المدن الجديدة والمجمعات السكنية بها- العاصمة الإدارية التى تمثل آخر طراز فى صيحات البناء والمدن الذكية».. هذا المخطط كان مطروحًا على المصريين منذ بداية الألفية وكان يبشر به بعض رجال الأعمال من المشمولين بالعطف الأمريكى وكانوا يحلمون أن يقوموا هم بهذه المشاريع وفق سياسة الدولة وقتها «متر الأرض بجنيه واحد لرجال الأعمال من حبايبنا»!!! ولعل أكثر ما يضايق هؤلاء أن هذه المشاريع التى كان مخططًا لها أن تنتهى فى ٢٠٥٠ انتهت خلال سنوات قليلة، وأنها تمت بأيدى مؤسسات الدولة المصرية، وأن أرباحها تدخل فى الخزينة المصرية ليعاد استثمارها فى مشروعات مثل «حياة كريمة» و«تكافل وكرامة» و«سكن كريم» وغيرها من المشاريع الاجتماعية التى تمارس بها الدولة دورها تجاه مواطنيها.. وأنا أقول إنه «ربما» أثار هذا غضب من كانوا يحلمون بهذه المشاريع فحركوا موجات متتالية من الانتقادات على لسان هذا أو ذاك.. لتشويه ما يجرى والإساءة إليه.. وهذه كلها قضايا يجب أن تطرح للنقاش.. وأنا شخصيًا لا أعرف كيف تتهم الدولة بمحو الطابع المعمارى للقاهرة فى حين تتم إعادة بناء واجهات ٤٠٠ عمارة أوروبية فى القاهرة الخديوية على أروع ما يكون، مع تطوير لافتات المحلات لتحمل الطابع المعمارى لبداية القرن الماضى.. ولا أعرف أيضًا كيف تُتهم الدولة بمحو معالم القاهرة التاريخية وهناك حركة ترميم دائمة رأيتها بنفسى فى القاهرة الفاطمية أو قاهرة المعز، حيث تتم إعادة بناء البيوت التى تهدمت على نفس ما كانت عليه منذ سبعة قرون وإعادة بناء قطع الأراضى الفضاء بنفس الطراز مع ترميم البيوت القديمة وإعادة بناء واجهاتها وشبابيكها.. ولا أعرف أيضًا كيف تتهم الدولة بالعداء للأشجار لأنها أزالت بعض حدائق تتوسط الطرق لتوسعتها إجباريًا فى حين أنها تستزرع أربعة ملايين فدان فى الصحراء ستضاف بكل تأكيد لثروتنا الخضراء، وفى حين أنها تعلن عن زراعة مائة مليون شجرة على عشرات الطرق الجديدة التى تم شقها مؤخرًا.. ومع ذلك أنا أقول إن بعض الموظفين يرتكب أخطاء، وبعضهم يقطع الأشجار دون مبرر ضرورى أو بحجة زراعتها دون ترخيص وهؤلاء يجب أن يحاسبوا.. وأقول إننى فزعت من تحقيق أجرته زميلتنا مراسلة «الدستور» فى مرسى مطروح عن تجفيف إحدى البحيرات الطبيعية فى واحة سيوة لأن الملوحة فيها تؤثر على الأراضى الزراعية المجاورة لها، وأقول إن هذا تصرف خاطئ من الموظف المسئول، وإنه كان يجب أن يلجأ لمراكز البحث فى الوزارة لإيجاد وسيلة تحافظ على الأراضى المجاورة للبحيرة مع الحفاظ عليها كمعلم طبيعى من معالم مصر.. لأن الشهداء الذين يقدمون أرواحهم يموتون من أجل الأرض المصرية لا من أجل الفراغ، لذلك علينا أن نحافظ على هذه الأرض كما هى وعلى التنوع الطبيعى فيها وأن نعلم موظفى الجهاز الإدارى ذلك وأن نعاقب من يخطئ منهم فى هذا الموضوع.. وأن نجتهد فى إيجاد هوية معمارية مصرية ولا ننبهر بمدن عمرها يقل عن عمر أحدث حى من أحياء القاهرة.. وهذه قضية هامة أخرى نتحدث عنها غدًا بإذن الله.