الأعداء الخمسة للمصريين
من وجهة نظرى الخاصة فإن الحوار هو فريضة وطنية قبل أن يكون جدول أعمال وجلسات للمناقشة وتوصيات تخرج للرأى العام.. وبالتالى فمن الواجب علينا جميعًا أن نشارك فى الحوار، وأن نتحمل جميعًا مسئولية مواجهة التحديات التى تواجه مجتمعنا وتعوق نهضتنا، جيلًا بعد جيل وعقدًا بعد عقد، حيث آن أوان المواجهة استغلالًا لمعركة النهضة التى تخوضها الدولة المصرية حاليًا بتصميم كبير على أن نلحق بما فاتنا وأن نتجاوز الظرف الاقتصادى الصعب.
لقد شغلتنى كثيرًا تلك التحديات التى تعوق النهضة المصرية والتى تحولت إلى وحوش ضارية تحتاج لشجاعة الفرسان فى مواجهتها، وكم ضحكت كثيرًا قبل وبعد ثورة يناير وحتى الآن وأنا أرى مجموعة من البهاليل يكتبون فى الصحف قبل يناير ويظهر بعضهم على «يوتيوب» حتى الآن ليمارسوا نوعًا من التضليل ويقولوا للناس إن المسئولية كلها معلقة فى رقبة الحكومة والسلطة التنفيذية، وإن تغييرها كفيل بحل كل مشكلة! ويشهد الله أنهم كاذبون جهلة كانوا وما زالوا كلابًا للإرهاب ولكل من يدفع لهم.. لقد شغلتنى تلك التحديات الحضارية وكيف نعالجها معالجة قريبة من الناس فوجدت نفسى أسميها «أعداء المصريين الخمسة» وهى «الانفجار السكانى» و«ثقافة التخلف» و«الفساد» و«الأمية» و«المخدرات».. إن هذه الآفات الخمس هى للأسف بنت واقعنا التاريخى والاجتماعى ليس للسلطة دور فى صناعتها وإن كان يمكن أن نتهمها فى بعض العصور بالتقصير فى مواجهتها.. أو عدم اللجوء إلى الحلول الناجعة لهذه المشاكل المزمنة والضارية، ولكننا لا يمكن أن نقول إنها مسئولة عنها أو إنها هى السبب فى وجودها.. ومن المؤسف أن كل هذه «المعضلات» الخمس على علاقة ببعضها البعض، فالانفجار السكانى هو ابن ثقافة التخلف الدينى التى تقول للناس إن التكاثر من تعاليم الإسلام وإن زيادة عدد المسلمين تؤدى لرجحان كفتهم حين تشتعل معارك الفتنة الطائفية البغيضة، ولا يثير الدهشة أن يستغل بعض تجار السموم سذاجة بعض المصريين فيقنعونهم بأن تعاطى المخدرات ليس محرمًا ولم يرد به نص شرعى، فى حين يؤكد العلماء أنها محرمة لضررها وتأثيرها القاتل على حياة الإنسان.. والمعنى أن الجهل يقود إلى الفهم المتخلف للدين وكلاهما يقود إلى زيادة السكان وإلى تعاطى المخدرات بل وإلى الأمية، حيث يسىء البعض فهم وصف النبى «صلى الله عليه وسلم» بالنبى الأمى، فى حين أن للفظ تفسيرات كثيرة وردت فى كتب التفاسير غير أمية القراءة والكتابة، والحقيقة أن النبى «صلى الله عليه وسلم» كان مثقفًا بمعايير عصره وصاحب دعوة للتغيير السياسى والاجتماعى ولا يجوز أبدًا أن يقدمه بعض المتسلفين للناس على أنه «أمى» بمعايير هذه الأيام، حيث تعنى الأمية عدم المعرفة وقلة الدراية والإحاطة بالواقع، وهى صفات عكس صفات الرسول «صلى الله عليه وسلم» الذى فهم إمكانات قومه وغير واقعهم للأفضل.. والمعنى أن «أعداء المصريين» الخمسة شبكة واحدة أو حلف شيطانى واحد يساند بعضه بعضًا ويتسبب بعضه فى بعض، وليس الفساد بعيدًا عن هذا التحالف الرباعى الشيطانى، فتأخر عملية التنمية بفعل الفساد يؤدى لمزيد من انتعاش التخلف والتطرف ولجوء الناس للمخدرات كملجأ من واقع لم يستطيعوا تغييره وإلى لجوء الفقراء لإنجاب مزيد من الأطفال كأيدٍ عاملة رخيصة تصب حصيلتها فى جيوب الآباء العاطلين عن العمل وعن اللحاق بركب النمو، وهكذا يستفيد التطرف والتخلف من الفساد ويستفيد الفساد من التخلف، وفق حلف شيطانى شهير، وأحب أن أنوه فى هذا الاجتهاد الذى أقدمه بأننى أستخدم مصطلح «ثقافة التخلف» كبديل أوسع وأكثر تعبيرًا من «ثقافة التطرف»، لأننا نواجه فى واقعنا من يقولون إنهم ليسوا متطرفين دينيًا، حسب فهمهم هم، بمعنى أنهم لا يؤمنون بالتكفير أو بالحاكمية، ومع ذلك يؤمنون بمفاهيم تضر هذا البلد أشد ما يكون الضرر، مثل الإيمان بالخرافات والعداء للعلم، أو بأن «العيل بييجى برزقه»، أو بأنه «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»!! أو بأن «الرزق ليس مرهونًا بالعمل»!! أو بأن «العلم الحقيقى هو علم الدين لا علم الدنيا»، وهى كلها ترهات وخرافات رد عليها الأزهر الشريف بالتفصيل، ومع ذلك ما زالت تجد لها مكانًا فى مجتمعنا وتؤثر فى قدرتنا على التقدم وتحقيق ما نصبو إليه.. وهكذا فإن علينا أن نطرح هذه التحديات الخمسة أو الأعداء الخمسة وهى «زيادة السكان - ثقافة التخلف - الفساد - المخدرات - الأمية» على طاولة الحوار الوطنى وأن نناقشها كمعوقات للتقدم وكوحوش صغيرة تلتهم أى عائدات للتنمية.. وقد يقول قائل ولماذا نتحاور حول هذه القضايا ونحن جميعًا نتفق على خطورتها.. وأرد قائلًا إن علينا أن نتحاور حول أولوية المواجهة.. والاعتمادات اللازمة لنشر الوعى بهذه القضايا، وأنا شخصيًا أرى أنه على الدولة رصد مزيد من الأموال لمكافحة الزيادة السكانية من خلال حملة إعلانات قوية، وأننا يجب أن نرى نجومًا مثل محمد صلاح وكريم عبدالعزيز وأحمد عز وغيرهم يحدثون المصريين عن أضرار كثرة الإنجاب.. وقد يكون هناك من يرى أن هذه أموال تنفق بلا طائل وأن الحل فى قانون يلزم الأسر الجديدة بفارق زمنى بين كل طفل وآخر... إلخ وبالتالى فالحوار مطلوب.. نفس الأمر بالنسبة لقضية مثل الأمية.. فأنا أرى مثلًا أن تعطل سلاسل الإمداد يفرض علينا توجيه كل ميزانية حياة كريمة للتنمية البشرية لأهلنا فى الريف ومحو أمية القراءة والكتابة وأمية الإنترنت أيضًا وتأجيل بناء المستشفيات والوحدات الصحية لحين تنفيذ تعليمات الرئيس بحل أزمة تكليف الأطباء.. وقد يرى آخرون غير ذلك وأنه لا بد من إكمال خطة البناء فى حياة كريمة قبل مزيد من ارتفاع أسعار مواد البناء، وبالتالى فالحوار مطلوب حول الأولويات وسبل العمل حتى لو اتفقنا فى الغايات أو لم نتفق.. وعلى كلٍ أن يقاتل فى جبهته، وسأبدأ بإذن الله فى سلسلة مقالات طويلة بعض الشىء عن أعداء المصريين الخمسة «الانفجار السكانى- ثقافة التخلف- الفساد- المخدرات- الأمية» والتى أرى أن انتصارنا عليها هو الخطوة الأولى لحل معضلة التنمية ولتسريع آثار النمو الاقتصادى ولغلق المسارب التى يتسرب منها تيار التقدم.. هى معركة أولى من أى معركة، وقضية أهم من أى قضية وأجندة للحوار لا بد من طرحها وفريضة تجاه الوطن لا بد من أدائها.. والله من وراء القصد.