«خطيب ثورة 19 ومعارك ضد الكبار».. حكاية زكى مبارك «الباكى الحزين»
تحل هذه الأيام ذكرى ميلاد زكي مبارك، والذي ولد في مثل هذا اليوم من عام 1892، في قرية "سنتريس" مركز أشمون بمحافظة المنوفية في الخامس من أغسطس عام 1891 ولم يعمر أكثر من ستين عاما، حيث توفى في الثالث والعشرين من يناير 1952.
حرص والد زكي مبارك على تثقيفه ونذره للعم واللغة العربية والعلوم الدينية، فأتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة والتحق بالأزهر، واتجه وقتها لدراسة النثر الفني في القرن الرابع وتقدم بأطروحة عليمة لجامعة السربون، ولم يكن ذلك شائعا وقتها، وعلق أحد أستاذته الفرنسيين قائلا: "إن زكي مبارك جاء لكي يقول لنا رأيه، لا لكي يردد أراءنا في التراث العربي". بحسب جريدة "التجمع" 2006.
لُقب زكي مبارك بالعديد من الألقاب التي شاعت عنه، إذ كان من بينهم لقب "الدكاترة" وهو لقب أطلقه عليه الشاعر محمد الأسمر بعد حصوله على ثلاث درجات للدكتوراه، اثنين من الجامعة المصرية وواحدة من السربون، كما لُقب بـ "الباكي الحزين" وحسبما سرد الدكتور محمد السيد إسماعيل في "التجمع"، أن ذلك اللقب أخفاه الكثيرون عنه، إذ كان "زكي" يوقع في بعض مقالاته بـ"ملك الشعرا" كما كانت تسميه مجلة الحوادث، وبعد رحيله إلى العراق وعمله بالتدريس هناك اقترحت جريدة "العقاب" في بغداد منح زكي مبارك لقب "ابن بغداد".
دخل "مبارك" في العديد من المعارك الأدبية، إذ لم يترك أديبا تقريبا في عصره لم يدخل معه في معركة، منهم، طه حسين وعباس العقاد وأحمد أمين وعبد العزيز البشري وسلامة موسى وأحمد حسن الزيات، لكن معركة مع أحمد أمين كانت أطول هذه المعارك، وكان موضوعها هو الدفاع عن التراث العربي من جانب زكي مبارك ردًا على اتهام أحمد أمين لهذا الأدب بأنه أدب معدة لا أدب روح.
وفي أيامه الأخيرة دخل البعض معه في معارك أدبية عن المسكوت عنه في الدين، فهاجموه بعنف وشراسة، وبالفعل انسحب زكي مبارك من الكتابة في مجلة "الرسالة" عام 1944 بعدما اتهم في عقيدته الدينية.
أثناء قيام ثورة 1919 كان زكي مبارك طالبا في الجامعة المصرية، وكان أحد خطباء ثورة 1919 البارزين، وتعرض للاعتقال بسبب هذه الشهرة لوقت طويل، ومما روى عنه في ذلك، أنه ذات مساء حضر وفد من الصحافة الأجنبية إلى الأزهر وخطب خطيبهم باللغة الفرنسية فتقدم زكي مبارك وخطب خطبة فرنسية شرح فيها أهداف الثورة وأسبابها.
وشارك زكي مبارك أثناء وجوده في السجن والاعتقال في تحرير صحيفتين معارضتين هما "الأهالي" و"الأمة" وكان يرسل مقالات ثورية عنيفة بشكل سري، وأثناء الحرب العالمية الثانية عجزت الدعاية البريطانية عن شراء ضمير زكي مبارك رغم ما كان يعانيه من ضائقة مالية، حيث عرضت عليه السفارة البريطانية أن يقضي شهر رمضان في فلسطين قبل محنة 1948 لإلقاء محاضرات عن الديموقراطية في الإسلام، فرض قائلا: "سأزور فلسطين عندما يكون في جيبي مالي، ولكنني أذهب إليهم عن طريق الدعاية البريطانية إلا إذا وافقتم على أن أشن الحرب على المستعمر الإنجليزي".