العالم بين يديك
إحدى مشاكل الصحافة المصرية التاريخية هى أنها تتسم بالمحلية.. تركز على الشأن الداخلى فقط.. يهتم صناعها بما يدور فى قرية صغيرة فى البحيرة لكنهم لا يهتمون بتردى الحالة الاقتصادية فى أوروبا.. ونحن صغار كان التليفزيون المصرى يذيع برنامج «العالم بين يديك» جولة إخبارية مصورة عن ما يدور فى العالم.. تساعدنا أن نفهم ما الذى يجرى حولنا وموقعنا منه.. على المستوى الفنى كان هناك برنامج آخر هو «العالم يغنى» يعرض الأغانى الأجنبية المصورة على طراز الثمانينيات.. تصوير بسيط بالمقارنة بما هو موجود حاليًا.. لكنه يحمل فى داخله جمالياته الخاصة.. مع الوقت أصبح هناك طريق آخر للتواصل مع العالم عبر الإنترنت.. ولكننا بتنا نفتقد أن نرى أخبار العالم بعيوننا نحن كمجتمع.. وبتنا نفتقد مدرسة وطنية فى تحليل الشأن الخارجى تقول لنا ماذا يحدث؟ وما علاقته بنا؟ وما انعكاسه علينا؟ وكيف نكسب منه إذا كانت هناك فرصة للمكسب وكيف نتحمل نصيبنا من الخسارة فيه إذا كانت الخسارة أو المعاناة قدرًا محتومًا على العالم كله بسبب هذا الظرف القهرى أو ذاك.. لقد صحونا منذ شهور على أخبار لم نعتد أن نسمع مثلها عن دول العالم الأول أو الدول الأوروبية الكبرى التى حكمت العالم عقودًا طويلة، وكونت تراكم ثروات كبيرًا من عصور استعمار آسيا وإفريقيا ولحقت بركب التقدم العلمى من أوله فمرت بالثورات المعرفية الأربع واستفادت منها.. ومع ذلك بتنا نصحو على أخبار معاناة مواطنى هذه الدول.. فالمواطنون فى بريطانيا يشكون الغلاء والتضخم وارتفاع الأسعار وعدم كفاية الدخول.. والبعض يبحث عن فرص عمل فى الخليج العربى أو فى الدول الأقل تضررًا من الأزمة الاقتصادية العالمية.. والمواطنون فى ألمانيا وفرنسا يعانون من نقص حاد فى زيت الطعام نتيجة قلة المعروض وارتفاع الأسعار والجميع يعانون من أزمة ضارية فى الطاقة ينتظر أن تتفاقم.. حيث لا بديل عن إمدادات الغاز الروسية التى حرمت منها أوروبا نفسها بعد قرار المقاطعة الاقتصادية لروسيا وهو قرار اكتشفت أوروبا مع الوقت أنه واحد من أكثر القرارات حماقة فى تاريخها وأظن أنها ستدفع ثمنه غاليًا فى قادم الأيام.. خاصة أن الطبيعة قست على القارة العجوز بأكثر مما توقعت فطاردتها موجات حر مميتة ربما تعقبها موجات برد قارسة فى الشتاء وكلتاهما تحتاج لإمدادات طاقة ثابتة وكبيرة لمواجهتهما وهو ما تعجز أوروبا عن تدبيره حتى الآن.. وعلى الجانب الآخر نرى أن أمريكا «زعيمة العالم الحر» كما أطلقت على نفسها عقب الحرب العالمية الثانية لم تعد تتصرف بالحكمة والنضج اللذين يجب أن تتحلى بهما من تتزعم العالم وأنها كانت طرفًا مباشرًا فى أكبر أزمتين مر بهما العالم خلال الأربع سنوات الماضية وتسببتا فى تعاسة وآلام ملايين البشر.. فنحن ما زلنا لا نعرف ملابسات تخليق فيروس «كوفيد ١٩» ولا تسربه من أحد مختبرات مدينة يوهان الصينية.. وما إذا كان ذلك جزءًا من الحرب البيولوجية الصامتة بين معسكرى الشرق والغرب «روسيا تحدثت أيضًا عن تسريب فيروسات من أوكرانيا تجاه الحدود الروسية».. أما الجزء المعلن من تقصير «زعيمة العالم الحر» فتمثل فى استهانة الرئيس الأمريكى وقتها بالأزمة والتأخر فى الاعتراف بها وتسمية الفيروس بـ«الفيروس الصينى» وهو ما أدى لعواقب وخيمة دفع هو نفسه ثمنها فى الانتخابات التالية، ودفع لها العالم ثمنًا من معاناته الإنسانية والاقتصادية ولا يزال يدفع حتى الآن.. أما ثانى الأزمات فهى الأزمة الأوكرانية الروسية التى كان يمكن تلافيها بالمفاوضات ومراعاة اعتبارات الأمن القومى لكلتا الدولتين وعدم الإقدام على استفزاز الطرف الأقوى أو استدراجه لخوض الحرب دون سيناريوهات محكمة لكيفية إنهاء الأزمة أو الخروج منها.. ويتواصل عدم النضج فى تصرفات زعيمة العالم الحر بتصميم نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب، على زيارة «تايوان» وكأنها تضع أصبعها فى عين العملاق الصينى وتطلب منه ألا يصدر عنه رد فعل عنيف.. وهى تصرفات من شأنها أن ترفع معدلات التوتر والاستقطاب فى العالم وأن تؤخر من فرص حل الأزمة الأوكرانية ومن فرص تقويض تداعياتها الاقتصادية وتعيد التساؤل حول مدى رشد القرار الأمريكى أو صلاحية النخبة السياسية الأمريكية لقيادة العالم أو للاستمرار فى «زعامة العالم الحر» فأمريكا القوية اقتصاديًا جدًا «ربع الناتج القومى العالمى كله أمريكى» تبدو مثل عملاق يعانى من تأخر عقلى أو مثل من وصفه الشاعر قائلًا إنه «يملك أجساد البغال وعقول العصافير» فهى قوة كبيرة لكنها لا تتصرف كما يتصرف الكبار ولا تحرص على تقليل معاناة البشر وكأنها ترفع شعار «أنا ومن بعدى الطوفان» ووسط هذا التوتر كله تلتزم مصر بسياسة حكيمة تقوم على التواصل مع جميع الأطراف والسعى لإحلال السلام والحياد الإيجابى مع الجميع وتوفير احتياجات الناس الضرورية مهما كانت التكلفة وتأمين احتياجات البلاد من الطاقة بما يكفى ويفيض.. لذلك قال الفلاسفة إنك يجب أن تنظر حولك كى تعرف نفسك جيدًا.. انظر حولك من فضلك.