وزارة القوى الناعمة
لنتفق جميعًا أن كل دولة لها من الاحتياجات ما يختلف عن الدول الأخرى.. وبالتالى فإن لها أن تضيف من الوزارات أو تلغى ما يناسب هذه الاهتمامات والاحتياجات.. الإخوة فى الإمارات مثلًا لديهم وزارة للسعادة وأخرى للتسامح.. والمعنى أنهم يريدون أن يكرسوا الاهتمام بهذه المعانى أمام العالم وأن يبذلوا جهدًا أكبر فى سبيل تحويلها إلى واقع.. بنفس المنطق أرى أننا نحتاج إلى وزارة لـ«القوى الناعمة المصرية» يتولاها وزير ذو خبرة ربما يكون بدرجة نائب رئيس وزراء.. لأن عمل هذه الوزارة هو التنسيق بين مجموعة وزارات مختلفة منها الثقافة والآثار والأوقاف وشركات الإنتاج الكبرى ونقابات الفنانين والهيئات الممثلة للكتاب والمثقفين.. إن القوى الناعمة فى مناهج العلوم السياسية هى كل ما ليس صلبًا ولا يمكن قياسه ولكن أثره محسوس وملموس.. لدينا فى مصر قوى صلبة تتمثل فى مؤسسات الدولة المصرية وقواتها المسلحة التى تحتل المرتبة التاسعة على مستوى العالم من حيث القوة والتسليح.. ولدينا أيضًا قوى ناعمة تتمثل فى أشياء كثيرة منها تراثنا الفنى العملاق وقوة تأثير فنانينا فى الماضى وفى الحاضر أيضًا وشعبية نجومنا فى الوطن العربى من المحيط إلى الخليج، وهى خلطة سحرية يتشارك فيها التاريخ الذى جعل القاهرة ملتقى لفنانين من دول وأديان شتى أبدعوا فى صناعة السينما منذ بداية القرن.. وخفة الدم المصرية التى تجعل نجومًا مثل أحمد عز وكريم عبدالعزيز نجوم شباك فى الوطن العربى كله حتى لو قدموا أعمالًا خفيفة أو تجارية الطابع.. وقد استعصت هذه الخلطة فى كل المجالات على أى منافسة.. ففى بداية الألفية مثلًا انفجرت موجة الفيديو كليب المصور فى بيروت.. وقدمت عددًا من الفنانات اللبنانيات الجميلات بإنتاج سخى من شركة إنتاج عربية كبرى.. وأشيعت شائعات عن عقود احتكار تم توقيعها مع كبار مطربينا بغرض تجميدهم لحساب مطربات الكليبات الفاتنات فعلًا.. وظن البعض أن الفن المصرى فى خطر.. لكن ذلك كله لم يسفر عن شىء! ومرت الموجة مثل غيرها من الموجات.. وما زال لدينا أهم ثلاث مطربات مصريات فى صدارة الغناء العربى.. فضلًا عن نجمين عالميين هما محمد منير وعمرو دياب «بغض النظر عن رأيى الشخصى فى عمرو دياب».. نفس الأمر فى مجال الدراما.. حيث شهدت نفس الفترة تألقًا مستحقًا لفنانى الدراما السورية.. والسوريون إخوة لنا بكل معنى الكلمة.. لكن منافسة مصر أمر آخر.. لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه أحد.. والفكرة أن الفن المصرى خلطة على بعضه وليس عناصر فنية فقط.. فيه إبداع «قد يكون ضعيفًا» لكن فيه جاذبية النجوم وخفة دم الممثلين ولماحية المهرجين والمؤلفين والإنتاج الكبير للدولة مؤخرًا.. وهذه كلها عناصر لا تتوافر لأى أحد.. من عناصر قوتنا الناعمة أيضًا تاريخنا العريق الذى ليس بديلًا عن مستقبلنا، وذلك الولع بالتاريخ المصرى فى العالم كله.. والإقبال على عرض قطع الآثار المصرية القديمة فى أكبر متاحف العالم.. والطبقات التاريخية المتراكمة فوق بعضها البعض الفرعونية والرومانية والإغريقية والإسلامية والمملوكية وصولًا للقاهرة الخديوية وآثارها وقصورها البديعة.. هذه كلها ثروات لا تقدر بمال ولا تشتريها مليارات.. لقد لفتت نظرى عبارة ترويجية لناطحات سحاب تقام فى دولة عربية شقيقة.. حيث قالت العبارة إن المشروع سينافس «الأهرامات المصرية» وقد أثار هذا ضحكى فى الحقيقة إذ ما المنافسة بين مشروع عمره عام وبين معجزة معمارية عمرها سبعة آلاف عام؟ إنها مقارنة مضحكة بكل تأكيد وتشبيه غير موفق.. أيًا كان الأمر. من قوانا الناعمة أيضًا الأزهر الشريف.. وهو كمؤسسة أكبر من أى شخص أو عالم.. هو ملك لمصر كلها لا لأبنائه فقط.. قطعة من تاريخ مصر.. وأداة من أدوات قوتها.. تعتنى به الدولة المصرية وتعرف قيمته ولا تسمح لأحد باستغلاله أو الإساءة إليه.. وهو ضلع ثالث من أضلاع القوة الناعمة المصرية المتمثلة فى «الفن والدين والتاريخ» ويمكن أن نضيف ضلعًا رابعًا هو الثقافة المصرية.. فرغم أن الكتابة العربية تزخر بأسماء جيدة وموهوبة لكن لا يوجد سوى نجيب محفوظ واحد ولا يوجد سوى نوبل عربى واحد ولا توجد أجيال متتالية وأساتذة وتلاميذ فى الكتابة سوى فى مصر.. ما زالت لدينا أجيال متتابعة تمثلها أسماء مثل بهاء طاهر ومحمد سلماوى وإبراهيم عبدالمجيد وداود عبدالسيد من جيل الأساتذة، ومحمد المخزنجى وسلوى بكر والمنسى قنديل من الجيل الأصغر، وعشرات الأسماء من الكتّاب الشباب اللامعين.. وهذه كلها قوى ناعمة مصرية يجب العناية بها وإطلاق طاقتها لخدمة مصر ومعنى الوطنية المصرية.. وبكل تأكيد يحظى هذا الملف بعناية متزايدة من الرئيس السيسى والعاملين معه.. وآثار هذا واضحة للعيان.. لكن إطلاق وزارة تحمل الاسم يؤدى لمزيد من التسويق للمعنى وترويجه فى وسائل الإعلام المصرية والعالمية، فضلًا عن أنه يتيح إمكانات أكبر للتسويق المعنوى والمادى ويضيف كثيرًا لصورة مصر.. وهو أمر نحتاجه كثيرًا.