صعود الفلاحين فى مصر
كان سعيد باشا، الذي تولى حكم مصر في يوليو 1854، قد أمر بدخول أولاد مشايخ البلاد وأقاربهم في العسكرية، فانتظم عرابي وبعض زملائه في سلك الجندية في ديسمبر عام 1854 وعمره وقتها يناهز 15 سنة، فالتحق بالمدرسة الحربية.. ارتقى أحمد عرابي سلم الرتب العسكرية بسرعة حيث أصبح نقيباً في سن العشرين.
في البداية كانت هناك محاولة من محمد على لتجنيد الفلاحين، لم يرحب الفلاحون المصريون بفكرة التجنيد الإجباري تلك، واعتبروا أن التجنيد يعد عملا من أعمال السخرة لا مبرر له..
وفي نفس الوقت بدأت الطبقة الأرستقراطية التركية تدرك بحسها عواقب تجنيد الفلاحين، وكان من رأي بعض المؤرخين أن تجنيد الفلاحين يحط من شأن العسكرية لأنها ستصبح في تناول الفلاحين، كما زعموا أن وضع السلاح في أيدي الفلاحين إنما هو بمثابة تسليمهم الأداة التي يطردون بها العثمانلي، وبعد نصف قرن تقريبا كان الجيش المصري المكون من الفلاحين يثور على الخديو توفيق ويهدد بإعلان الجمهورية، وبعد سبعين سنة أخرى اقتلع هذا الجيش أسرة محمد على تماما.
ومنذ ذلك الحين بدأ الصراع الطبقي والطائفي، فقد بدأ الأتراك والجراكسة والأجانب في محاولة لقمع نمو هؤلاء الفلاحين، ومنعهم من الاتجاه إلى نواحي الحكم.
وهناك من كتب أن الأمة المصرية مقسومة إلى ثلاثة أقسام أو أصناف: أولاد الترك، أو أولاد جراكسة مماليك، أولاد عرب، ويوجد صنف رابع هو القبط.. وهذه الأصناف الأربعة تشكل الأمة المصرية، والتقسيم هذا موجود داخل الأقاليم وفي دواوين الحكومة، وكل جنس من هؤلاء الأجناس يبغض الآخر، ولا يمكن أن تكون بينهم مادة الاتحاد، وكل واحد من هذه الأصناف يدافع ويحامي عن أبناء جنسه، ويتسبب في حصول المنافع لهم.
ومع تنامي الصراع بين الفئات المختلفة في البلاد، حاولت الحكومة التدخل لصالح الأتراك والجراكسة والأغنياء، وقام نوبار باشا، رئيس الوزراء وهو جركسي، في مطلع عام 1879 بإصدار أخطر قرار بمعاونة عثمان رفقي باشا، وزير الحربية وهو أيضا جركسي الأصل.. كانت لهذا القرار عواقب وخيمة على مستقبل مصر، وهو إنقاص عدد الجيش، وإحالة عدد من ضباط الجيش إلى الاستيداع، وكان هؤلاء من أبناء الفلاحين، وطلب من المحالين إلى الاستيداع تسليم أسلحتهم، وكان عددهم يزيد على 2500 ضابط، وكان هؤلاء لم يتسلموا مرتباتهم منذ ستة أشهر بسبب الأزمة المالية ومسألة الديون المصرية والرقابة الأجنبية على مالية الدولة.
كان الخديو إسماعيل متعاطفا مع الضباط من أجل زيادة حدة الصراع واستغلاله ضد الإدارة الأجنبية التي هيمنت على مقررات البلاد.
وبالفعل قام هؤلاء الضباط المفصولون بمظاهرة في 18 فبراير 1879، وصادفت في طريقها نوبار باشا فضربوه، وحاولوا اعتقاله لولا تدخل الخديو إسماعيل، وسقطت الوزارة، وجاءت وزارة رياض باشا وهو جركسي أيضا، وحاول تصفية الضباط المصريين من الجيش عام 1880.. كان هؤلاء الضباط المزمع تصفيتهم من أبناء الفلاحين الذين تمت ترقيتهم من تحت السلاح، لأجل هذا حدث التذمر، وقام أحمد عرابي وزميلاه، على فهمي وعبدالعال حلمي، بثورته ضد الخديو توفيق، كان يهدف من ورائها:
1- عزل عثمان رفقي من وزارة الحربية.
2- إجراء تحقيق لمعرفة كفاءة الضباط الذين تمت ترقيتهم دون وجه حق.
وفي يوم 15 يناير 1881 قام أحمد عرابي وعلي فهمي بتقديم هذين الطلبين إلى رياض باشا رئيس الوزراء، وطلب منهما رئيس الوزراء أن يتراجعا عن تقديم الطلب، ووعدهما بأنه سيستجيب إلى الطلبين فيما بعد، ولكنهما رفضا، وهو ما جعل الخديو توفيق يطلب تشكيل مجلس عسكري لمحاكمتهما. وبالفعل صدرت قرارات بالقبض عليهما، وتم استدعاؤهما إلى وزارة الحربية دون إخبارهما بنية القبض عليهما، غير أن أحمد عرابي وعلي فهمي أخبرا زملاءهما بأنهما في حال ذهابهما إلى وزارة الحربية وتأخيرهما فإن هذا يعني أنهما قد تم القبض عليهما، وبالتالي على باقي زملائهما التحرك لإنقاذهما من السجن. وبالفعل تحرك زملاؤهما وتوجهوا إلى وزارة الحربية وتم تحرير أحمد عرابي وعبدالعال فهمي. وبعد أن تم لهما ذلك قاما بقيادة قواتهما إلى قصر عابدين وطالبا الخديو بعزل عثمان رفقي والعفو عنهما، وبالفعل استجاب الخديو وقام بتعيين محمود سامي البارودي وزيرا للحربية، وأصدر عفوا عن أحمد عرابي وزميله على فهمي.
وفي 8 سبتمبر 1881، قام الخديو بعزل محمود سامي وزير الحربية وعيّن مكانه ابن أخيه داود باشا، وأيقن عرابي وزملاؤه أن هناك مؤامرة تدبر ضدهم، وبالفعل صدرت أوامر بنقل عرابي وزملائه إلى مواقع مختلفة بعيدا عن العاصمة.
وفي 9 سبتمبر 1881 قام عرابي بعمل اصطفاف لقواته أمام قصر عابدين وحاصره، وعندما خرج الخديو توفيق من قصره كان معه السير أوكلند كلفن، المراقب المالي الإنجليزي، ونصحه الأخير بمقابلة عرابي والاستماع إليه، ودخل عرابي قصر عابدين شاهرا سيفه، ونادي عليه الخديو بأن يغمد سلاحه وينزل عن فرسه، ففعل، وسأله الخديو عن مطالبه فقال: يا مولاي للأمة ثلاثة مطالب هي:
- عزل جميع النُّظار وتشكيل نظارة جديدة.
- تشكيل مجلس نيابي للأمة.
- زيادة عدد الجيش إلى 18,000 جندي.
نصح البريطاني سير أوكلند، الخديو بالموافقة، وبالفعل وافق الخديو، وانصرف عرابي شاكرا.
والباقي معروف، حيث وقعت بعض الحوادث الطائفية في مدينة الإسكندرية بين عربي ومالطي، وما تبعها من أحداث جاء في نهايتها الاحتلال البريطاني لمصر.