أنطوان دو سانت إكزوبيرى صاحب «الأمير الصغير» تنبأ بوفاته بتحطم طائرته
أنطوان دو سانت إكزوبيري، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1944، ولم يكمل عامه الرابع والأربعين، إثر حادث تحطم طائرته، فبجانب مهنته الأصلية كطيار مدني، يعد أنطوان دو سانت إكزوبيري من أشهر الروائييين الفرنسيين خلال القرن العشرين.
ورغم سنوات عمره القصير إلا أن أنطوان دو سانت إكزوبيري، خلف وراءه أثرًا أدبيًا وروائيًا إنسانيًا عالميًا، يعد من أشهر رواياته “الأمير الصغير” و“أرض البشر”، بالإضافة إلى أعماله الروائية الأخرى ومنها: بريد الجنوب، الطيار.
وكأن أنطوان دو سانت إكزوبيري، يتنبأ بنهايته الأليمة المفجعة، في روايته “أرض البشر”، والتي يستهلها قائلا: “ماتزال أمام عيني أول ليلة لطيراني في الأرجنتين، ليلة قاتمة، حيث تلتمع وحدها كما النجوم، تدري الأضواء البديدة في السهل”.
وجد أنطوان دو سانت إكزوبيري ضالته في الطيران والتحليق بعيدا عن الأرض والبشر، تنبأ في روايته “أرض البشر” بنهايته من خلال نهاية بطل الرواية، ولاقي المصير نفسه.
أنطوان دو سانت إكزوبيري مبتكر شخصية “الأمير الصغير”، ولد في فرنسا في العام 1900، ورحل والده عن الحياة ولم يبلغ الرابعة بعد، فبقي الحنين إلى سنواته الأولى يلازمه خلال عمره القصير. وفي عمر الثانية عشر شغف أنطوان دو سانت إكزوبيري بحب الطيران، بعد أول رحلة له على متن طائرة.
قاده فشله في اجتياز اختبار الالتحاق بالبحرية إلى الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني، وفي العام 1921 عندما اضطر إلى أداء خدمته العسكرية، اختار وحدة الطيران، حيث تلقى تدريبات خاصة تمهيدا لحصوله على الرخصة المدنية لممارسة الطيران، ولكن في العام 1933 رفضت الخطوط الجوية الفرنسية طلبه بعد عام قضاه في التدريبات الشاقة، فالتحق بخدمة الدعاية في إنتاج الأفلام الدعائية والترويجية للشركة.
في مطلع الحرب العالمية الثانية التحق أنطوان بالقوات الجوية الفرنسية للقيام بمهمات استطلاعية، وعقب سقوط فرنسا في يد النازي 1940، غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبقي هناك لمدة ثلاثة أعوام.
“الأمير الصغير” وكيف صنعت شهرة أنطوان دو سانت إكزوبيري
تعد رواية “الأمير الصغير” واحدة من الروايات الإنسانية العالمية الخالدة، وهي رواية خيالية صغيرة الحجم، ورغم أنها ارتبطت في الأذهان بأنها رواية للأطفال، حيث تتناول عالم الطفولة بما فيه من براءة وخيالات وأحلام، في مقابل خداع وخبث عالم الكبار، إلا أنها تتناول أبعادًا فلسفية وجودية وإنسانية عميقة، حيث تطرح أسئلة كبرى عن الوجود وعبثية العالم والحياة والموت.
تدور أحداث رواية “الأمير الصغير” للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، حول لقاء الراوي وهو شخص بالغ ناضج، يقابل أميرًا صغيرًا جاء من كوكب بعيد عن الأرض في الفضاء، ويتم في صحراء جرداء بعدما سقطت طائرته، يتحول هذا اللقاء الذي وقع بالصدفة البحتة إلى معايشة كاملة بين بطلي الرواية لمدة عام كامل وهو زمن الرواية.
في جانب من هذه الرحلة بين الأمير الصغير والرجل البالغ، ود وصداقة وتعايش وامتزاج، تأثير وتأثر بين بطلي الرواية، وفي جانب آخر منها رحلة ما بين مادية الأرض وقسوتها من جهة، وبين روحانية السماء من جهة ثانية.
وربما هو لقاء بين عالم الإنسان الذي تقولب في تصورات الكبار التي ترسخت بفعل العادات والتقاليد وتوارثت بين الأجيال، وبين بكارة الطفولة وطزاجتها والتي تهوي البحث والاكتشاف والمواجهة من أجل اكتساب المعرفة.
في مستوى آخر من مستويات قراءة رواية “الأمير الصغير” للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، أنها رواية عن اختلاف الأولويات والاهتمامات، ما بين عالم الكبار وعالم الصغار، بين عالم لا يهتم إلا بالمنفعة والسطوة والنفوذ، وعالم الأطفال الوليد الذي يتشكل بعفوية وإنسيابية تلقائية.