حكاية «وريث الصعاليك» مع «العقاد» ولماذا باع كتبه؟
اشتهر الشاعر عبد الحميد الديب (1898 ــ 1943) بلقب “وريث الصعاليك”، وعرف عنه أنه عاش حياة حافلة بالتشرد والبؤس الشديد والفقر. ومن الحكايات التي تروي عنه تلك التي قصها الكاتب الإذاعي عبد المنعم شميس، في كتابه “قهاوي الأدب والفن في القاهرة”، عن عبد الحميد الديب والعقاد.
كان عبد الحميد الديب ينام علي دكة خشبية في مقهي الفيشاوي، فلم يكن لديه بيت أو مأوي سواها. وكان ينام بملابسه وطربوشه علي رأسه. وقد لاحظ أحد أصدقائه أن الطربوش في حاجة إلي تجديد حتي يستوي علي رأسه، فذهب به عبد الحميد الديب إلي طرابيشي مجاور للقهوة وطلب منه أن يقلب الطربوش ويعيده إلي سيرته الأولي، فقال الطرابيشي لـ عبد الحميد الديب: هذا الطربوش سبق لي أن قلبته علي وجهه الآخر.
فرد عليه عبد الحميد الديب في سرعة وبداهة: طيب هذه المرة إعدله.
ومن نوادر عبد الحميد الديب مع عباس محمود العقاد أنه عرف أن العقاد يذهب يوما كل أسبوع إلي “المكتبة التجارية” في شارع محمد علي وقد كانت تتولي نشر كتبه وبيعها، وكان الحاج “مصطفي محمد” صاحب المكتبة يحتفل بالعقاد احتفالا شديدا علي طريقة أولاد البلد الكرماء، فيدعو إليه الحلاق ليقص شعره كلما احتاج إلي ذلك، وإذا حان وقت الغداء أحضر له الطعام الذي يطلبه من المطعم المجاور للمكتبة، وقد يشتري له ما يحتاج إليه قبل عودته إلي داره في مصر الجديدة.
ويتابع عبد المنعم شميس: لقد ذهب عبد الحميد الديب إلي المكتبة في اليوم الموعود واقترب من الأستاذ العقاد وحياه وسلم عليه، فأراد العقاد أن يكرمه بطريقة مهذبة، لا يجرح شعوره، ولا تشعره بمذلة السؤال، وكان قد صدر للعقاد كتاب جديد، أراد أن يقدم نسخا منه كهدايا لأصدقائه، أو لأعلام الكتاب والأدباء والصحفيين، فكتب علي كل نسخة الإهداء المناسب، وقال لـ عبد الحميد الديب: أرجو أن تنوب عني في تقديم هذه النسخ كهدايا لكل من كتبت اسمه عليها.
ثم قدم للشاعر البائس ــ عبد الحميد الديب ــ مبلغا من المال حتي لا يشعره بذل السؤال، وقال له: خذ هذه الجنيهات لتنفق منها على المواصلات.
كان عبد الحميد الديب يستطيع أن يركب الترام إلي الزمالك أو الجيزة أو العباسية، بستة مليمات، لكن العقاد أعطاه جنيهات، وربط عامل المكتبة نسخ الكتاب، وحملها عبد الحميد الديب وذهب على أمل أن يقدم كل نسخة إلي صاحبها نيابة عن العقاد.
ــ عبد الحميد الديب يبيع كتب العقاد لتاجر كتب
ويتابع عبد المنعم شميس: وبعد دقائق معدودات جاء رجل ومعه ربطة الكتب وقدمها إلي العقاد، وقال إنه بائع كتب علي سور حديقة الأزبكية.
قال الرجل إنه اشتري الكتب من رجل ضئيل الجسم مفعوص الوجه، ولما فتحها وجد علي كل نسخة إهداء إلي شخصية عظيمة أو كاتب كبير أو صحفي خطير فأحضرها إلي المكتبة حتي يتصرف الحاج مصطفي محمد ناشر الكتاب.
كان عبد الحميد الديب قد باع الكتب وعليها إهداءات الأستاذ عباس العقاد، لبائع كتب علي سور حديقة الأزبكية، وقد دفع العقاد للبائع الثمن الذي دفعه وزيادة.