بابا الفاتيكان يدعو إلى تعزيز الأخوة ومواجهة ظاهرة العلمنة
التقى البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمكرسين في كاتدرائية سيدة كيبيك، حيث صلى عند ضريح القديس فرنسيس دو لافال، وتطرق إلى فضائح التعديات الجنسية طالبا المغفرة، مشيرًا إلى أن معالجتها تحتاج إلى خطوات جريئة.
وحذّر بابا الفاتيكان، من مغبة أن تتقبل الجماعة المسيحية فكرة وجود ثقافة متفوقة على أخرى، داعيًا الحضور إلى تعزيز الأخوة ومواجهة ظاهرة العلمنة والشهادة بواسطة الحياة.
وقال: إن لقاءنا هنا، له معنى ومغزى، فهنا أوّل أسقف، القدّيس فرنسيس دو لافال، افتتح المدرسة الإكليريكيّة في عام 1663، واهتّم طيلة خدمته الأسقفيّة بتنشئة الكهنة.
بينما نجتمع هنا كشعب الله، لنتذكّر أنّ يسوع هو راعي حياتنا، الذي يعتني بنا لأنّه يحبّنا حقًا. نحن، رعاة الكنيسة، مدعوّون إلى هذا الجود نفسه في رعاية القطيع، حتى تظهر عناية يسوع للجميع ورأفته بجراح كلّ واحد منا. يحثُّنا الرّسول بطرس: ارعَوْا القطيع، أرشدوه، لا تدَعُوه يضيع بينما تقومون بأشغالكم. اعتنوا به بتفانٍ وحنان.
ويضيف: افعلوا ذلك "طوعًا"، لا كُرهًا: لا كواجب، لا كمؤمنين يتقاضون راتبًا، أو كموظفين للمقدّسات، ولكن بقلب رعاة، بحماس.
ومضى بابا الفاتيكان: أيّها الإخوة والأخوات، هذا هو فرحنا: ليس فرحًا سهلًا، مثل الذي يقدّمه لنا العالم أحيانًا فيخدعنا بمثل ألعاب ناريّة اصطناعيّة. الفرح المسيحيّ ينغرس في خبرة سلام يبقى في القلب حتى عندما نتعرّض للشدائد والضّيقات، لأنّنا نعلَم أنّنا لسنا وحدنا، بل يرافقنا الله، وهو مهتّم بمصيرنا، كما عندما يكون البحر هائجًا، تكون العاصفة على السّطح، وفي الأعماق هدوء وسلام. ويمكننا أن نسأل أنفسنا: ما هو حال فرحنا؟ وهل تعبّر كنيستنا عن فرح الإنجيل؟ وهل في جماعاتنا إيمان يجتذب بالفرح الذي يمنحه؟.
وتابع: إن أردنا أن نواجه هذه الأسئلة في جذورها، لا يسعنا إلّا أن نفكّر فيما يهدِّد، في واقع عصرنا، فرح الإيمان، بل يمكن أن يحجبه، ويعرِّض التجربة المسيحية لمحنة كبيرة. أفكِّر فورًا في العلمنة، التي غيّرت منذ زمن طويل أسلوب الحياة لنساء ورجال اليوم، وتركت الله في خلفية الحياة، بل يبدو أنّه اختفى من الأفق، ولم تعد كلمته هي البوصلة التي توجّه الحياة، في الاختيارات الأساسيّة، والعلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة. الله يكره روح العالم، لكنّه ينظر إلى العالم برفق. إنّه يبارك حياتنا، ويرانا ويرى واقعنا أمرًا حسَنًا، ويتجسّد في مواقف التاريخ لا للحكم عليها، بل ليغرس ويُنمِيَ بذرة الملكوت حيث يبدو أنّ الظلام ينتصر. نحن مدعوّون إلى أن ننظر بنظرة شبيهة بنظرة الله، تميِّز الخير، وتصِرُّ على طلبه ورؤيته وتغذيته. ليست نظرة ساذجة، بل هي نظرة تميِّز الواقع.
وواصل: يجب ألّا تكون مشكلة العلمنة، بالنسبة لنا نحن المسيحيّين، هي النقص في أهميّة الكنيسة الاجتماعيّة، أو فقدان ثروات مادية وامتيازات. بل تحمِلُنا بالأحرى على التفكير في تغييرات المجتمع التي أثّرت على طريقة تفكير الناس وتنظيم حياتهم. إذا ركّزنا على هذا الجانب، فإنّنا ندرك أنّه ليس الإيمان في أزمة، لكن بعض الأشكال والطرق التي نبشّر بها بالإيمان.
وبالتالي، فإنّ العلمنة هي تحدٍّ لخيالنا الرعويّ، وهكذا فإنّ هذه النظرة تبيِّن لنا الصّعوبات التي نواجّهها في نقل فرح الإيمان، وتحفزنا في الوقت نفسه على إعادة اكتشاف شغف جديد بالبشارة، والبحث عن لغات جديدة، وتغيير بعض الأولويّات الرّعويّة، والذهاب إلى الأساسيّات.
بعدها شدد البابا على الحاجة للبشارة بالإنجيل لكي نمنح فرح الإيمان لرجال ونساء اليوم. لكن هذه البشارة لا تتّم فقط بالكلام، بل بشهادة تفيض بالحبّ المجانيّ، كما يعمل الله معنا. إنّها بشارة تطلب أن نتجسّد في نمط حياة شخصيّ وكنسيّ يمكن أن يُضرِم من جديد الرّغبة في الرّبّ، ويغرس الأمل، وينقل الثّقة والمصداقيّة. وأضاف أنه في صحاري زماننا الرّوحيّة، الناتجة عن العلمانيّة واللامبالاة، من الضّروريّ الرّجوع إلى البشارة الأولى. لا يمكن أن ندَّعي نقلَ فرح الإيمان بتقدّيم جوانب ثانويّة إلى الذين لم يعانقوا الرّبّ يسوع بعد في حياتهم، أو فقط بتكرار بعض الممارسات أو بتكرار طرق رعويّة من الماضيّ.