دكتور حسن حماد يوضح الدور النقدى للخيال عن هربرت ماركيوز
يعد هربرت ماركيوز، المفكر والفيلسوف الألماني، والذي توفي في مثل هذا اليوم من العام 1979، واحدًا من أهم فلاسفة القرن العشرين، وهو بلا منازع أبرز وأهم فلاسفة مدرسة فرانكفورت لعدة أسباب يوضحها الدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة، وعميد كلية الآداب السابق بجامعة الزقازيق.
وعن أسباب كون هربرت ماركيوز أبرز فلاسفة مدرسة فرانكفورت، يقول حسن حماد: "كان هربرت ماركيوز، فيلسوفًا نسقيًا، ولديه رؤية متماسكة ومتناغمة في فهم الواقع وتحليله، والنضال من أجل تغييره، وهو لم يكن مفكرًا نظريًا أو أستاذًا أكاديميًا معزولًا عن هموم العصر وقضاياه، بل ظل دومًا حريصًا على الربط بين النظرية والممارسة سيرًا على خطى أسلافه الماركسيين، ولا شك أن ارتباط اسمه بأحداث ثورة الشباب في أوروبا عام 1968 أكسبه شهرة واسعة، ومنح أفكاره حرارة وحيوية، ومنذ ذلك الحين أصبح هربرت ماركيوز فيلسوف الشباب، وواحدًا من أشهر ملهمي حركات التمرد والاحتجاج في العالم".
ــ هكذا حقق هربرت ماركيوز المعادلة الصعبة
ويوضح الدكتور حسن حماد، في كتابه "هربرت ماركيوز فيلسوف النفي والتحرر": لم تكن فلسفة هربرت ماركيوز رغم التحامها بالواقع مجرد صدى أو انعكاس مبتذل للأحداث الواقعية، إذ استطاع أن يحقق تلك المعادلة الصعبة: الانطلاق من الواقع، ثم تجاوزه ونفيه في آن واحد، وملامسة الواقع اليومي للأشياء في الحياة اليومية دون التورط في الالتصاق بها أو الضياع فيها.
ويشدد حماد على: تتأكد أصالة هربرت ماركيوز الفلسفية عبر وجود فكرة محورية أو نواة صلبة تدور حولها كافة أفكاره وأطروحاته، ونعني بذلك مقولة السلب أو النفي، وهي مقولة يتردد صداها بقوة في كل كتابات ماركيوز سواء تحدث عن الحرية، أو الثورة، أو الصراع الطبقي، أو الفن، أو اللغة، أو الحضارة، أو السعادة، أو غيرها من القضايا التي انشغل بها هربرت ماركيوز.
ــ الدور النقدي للخيال عن هربرت ماركيوز
ويلفت الدكتور حسن حماد إلى أن مقولة الخيال تحتل أهمية بالغة في نظرية هربرت ماركيوز النقدية، فهي لا تشغل في نظريته النقدية دورًا معرفيًا فحسب، بل دورًا سياسيًا وأيديولوجيًا. فالخيال يكتسب لدى هربرت ماركيوز أهمية خاصة من حيث إنه يأخذ بأيدينا خارج حدود الواقع القائم، ويمثل رمز المنطقة المحصنة والمحرمة التي لم يستطع مبدأ الواقع انتهاك حرماتها.
ويؤكد هربرت ماركيوز على أن هناك صلة وثيقة بين الفلسفة والخيال، ولقد أشار الفلاسفة السابقون ــ وخاصة أرسطو وكانط ــ إلى أهمية التخيل في تجاوز الهوة بين الواقع القائم والواقع العقلاني، فبدون الخيال تظل كل المعرفة الفلسفية في قبضة الحاضر أو الماضي، وتكون مقطوعة الصلة بالمستقبل الذي هو الرابطة الوحيدة بين الفلسفة والتاريخ الحقيقي للنوع البشري.
ويوضح حماد: والخيال عند هربرت ماركيوز قوة نافية وخلاقة في الوقت نفسه من حيث إنه:
1 ـ لديه القدرة على إدراك موضوع ما، برغم أن هذا الموضوع ليس قائمًا.
2ـ لديه القدرة على خلق أشكال جديدة من المادة المعرفية المعطاة.
3 ــ أنه يتمتع بدرجة عالية من الاستقلال عما هو معطى، ويشير إلى درجة عالية من الحرية وسط عالم اللاحرية.
ويري هربرت ماركيوز أن الخيال كعملية عقلية مستقلة إنما يتمتع بقدرة عالية على تحقيق ضرب من الانسجام والتوحد، وخلق عالم مثالي حر يتجاوز الواقع الإنساني المتناحر، فالتخيل يستهدف إعادة التوافق بين الفرد والكل، وبين الرغبة وتحققها، وبين السعادة والعقل. وبينما يتحول هذا التناغم إلى مجال اليوتوبيا بفعل مبدأ الواقع القائم، فإن التخيل يلح على أنه ينبغي ويمكن أن يتحول إلى واقع.