أوهام السياسة الأمريكية.. صناعة محلية
مع مرور السنوات والأحداث.. نتأكد من سقوط بعض الأوهام التى كنا نتعامل على أساسها دون أى شك فى صحتها، وللأسف الشديد، ظل إعلامنا يؤكد هذه الأوهام حتى استطاعت السياسة الخارجية المصرية أن تثبت العكس، خاصة بعد ثورة 30 يونيو.
أكدت السياسة الخارجية المصرية فى مواقفها الديبلوماسية، أنه لا يمكن أن نتعامل مع السياسة الأمريكية بوصفها كتلة واحدة لا يجيد التعامل معها إلا إسرائيل فقط، وليس غيرها، وهو ما يتطلب منا أن نعيد النظر فى بعض الأوهام التى نروج لها حول النظام الأمريكى وسياسته، رغم ثبات عدم صحتها ودقتها.
الوهم الأول: أن الرئيس الأمريكى هو الذى يصنع وحده السياسة الخارجية لبلاده فى علاقتها مع دول العالم، غير أن الأصل فى صناعة تلك السياسة هى علاقة التنافس التى يشجعها الدستور بين الرئاسة الأمريكية والكونجرس، وهى تهدف إلى عدم انفراد أى منهما بصنع القرار الداخلى أو الخارجى على حد سواء ضمانًا لتحقيق أقصى استفادة ممكنة للمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية.
الوهم الثانى: وهى مقولة مضللة تزعم بأن حكم الحزب الجمهورى أفضل للسياسة المصرية من حكم الحزب الديمقراطى، وهو وهم استند عليه أصحابه ارتكازًا على خبرة مرحلة الرئيس الأمريكى ايزنهاور، ثم تكرست فى مرحلة الرئيس جورج بوش "الأب" رغم أن الواقع العملى يؤكد أن "الجمهورى" و"الديمقراطى" هما وجهان لعملة واحدة.. هدفهما مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية فى السيطرة والهيمنة، والحفاظ على أن تكون اللاعب الأساسى فى العلاقات الدولية.
الوهم الثالث: هو الحكم على مواقف السياسة الخارجية الأمريكية من منطلق المقارنة مع مواقف الدول الأوروبية وسياساتها فى انتظار موقف الحكومة الأمريكية فى قضية ما أو أزمة ما، وهو حديث مرسل لأنه لا يوجد ما يفيد بوجود مسئولية جماعية، سواء للحكومة أو أى وزارة أمريكية طبقاً للدستور الأمريكى الذى لا يوجد به أى إشارة لصلاحيات الوزارة ككيان جماعى، ولا الوزارات ككيان فردى على الإطلاق.
الوهم الرابع: وهو من أكثر الأوهام خطورة لكونه تحول إلى "تابوهات" فى العقلية المصرية، وهو وهم اللوبى اليهودى الذى لا يُقهر فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو وهم صنعه اليهود الأمريكان لأنفسهم، ولا يستفيد منه غيرهم، بل وصل الأمر إلى أن إعلامنا هو الذى تولى مسئولية الترويج لهذا الوهم دون البحث فى أساسه، وسبل مواجهته فى المجتمع الأمريكى بأساليب مختلفة عما يفعله اللوبى اليهودى، وأصبحنا نتحدث عنه دون أى جهود مبذولة لتفعيل لوبى مصرى هناك.
نقطة ومن أول الصبر..
أوهام السياسة الأمريكية.. تؤكد أننا فى حاجة شديدة إلى وجود مراكز أبحاث ودراسات لتكون بمثابة مراكز صناعة أفكار Think Tank لنا فى مواجهة سيناريوهات المصلحة التى تحكم العلاقات الدولية، وهى مراكز ستكون فى كل الأحوال مساندة للسياسة الخارجة المصرية التى أصبحت خلال السنوات الأخيرة.. فى الريادة.